فصل المقال فيما بين حرية الممارسة الإعلامية ومقاطعة مرس السلطان والشركة المنظمة لمهرجانها من اتصال وضرب للحق ولممارسة الرقابة الإعلامية على تدبير المالية العامة

الدارالبيضاء - احمد أموزك

لكل زمن رجالاته وصناع التاريخ فيه، لكن في الوقت ذاته لكل زمن “صراصير” نشاز تغرد في غير مجرى التاريخ، وتحسب نفسها تطرب والجمهور يصفق لشطحاتها، لتكتشف بعد مدة أن عورتها قد تعرت، وأن التاريخ نبدها كما نبد من اعتبروا أنفسهم في مرحلة ما ملاك الحق، واعتمدوا المصادرة وتكميم الأفواه منهاجا للتدبير، فسقطوا في وحل التاريخ الذي عرى عورتهم وأبطل كل أحلامهم القامعة للحق في التعبير عن الرأي في إطار المؤسسات والبنى الهيكلية للدولة المغربية الحديثة الديمقراطية، هاته الطينة لا زالت، ويا للأسف، تحن للزمن الغابر، كما وقع بالدار البيضاء بمقاطعة “مرس السلطان” في مهرجانها  المنظم من 2 شتنبر الحالي وإلى غاية 4 منه بمركب “النيل 2 مارس” من قبل إحدى الشركات “الصبيانية” في التنظيم والتي لا تعرف أن المغرب بلد يسير بالدستور وأن المؤسسات الإعلامية الرسمية والقانونية تنتدب مراسلين ومتعاونين معها وأن ترخيص المؤسسة متضمن في الترخيص الممنوح لها بقوة القانون والذي يسري على كافة العاملين فيها سواء من جهة بطاقة الاعتماد الصحافية أو رخصة التصوير الممنوحة من قبل المركز السينمائي المغربي.

كل الشرائع والمواثيق التي يجهلها منظموا المهرجان ورئيس مقاطعة “مرس السلطان” محمد بودريقة وشركة “VTR  Pro and Event” التي كلفت بالشق التنظيمي فيه، ومن حقنا النبش في شكل العلاقة التي تربط هاته الشركة المنظمة بصفقات المقاطعة، وشكل إدارة الصفقات بينها وبين مكتب المقاطعة، والتي تجهل أن الدستور المغربي كيف جميع مقتضياته مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود المرتبطة به.

 

فحرية التعبير وتتبع الشأن العام ومساءلته حق أساسي من حقوق الإنسان على النحو المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي لا تعرفه الشركة المنظمة ولا مجلس مقاطعة “مرس السلطان”، والذي ينص على أنه “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.

وما لا يعرفه فقهاء مقاطعة “مرس السلطان” أن هذا الإعلان يعطي لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، وأن هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

وتصب حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات في الهدف التنموي الأوسع نطاقا، والمتمثل في تمكين الناس من معلومات دقيقة ونزيهة وحيادية، ممثلة تعدد الآراء، والوسيلة للتواصل تواصلا نشطا عموديا وأفقيا، وبالتالي المشاركة في الحياة النشطة للمجتمع المحلي.

 

الأكيد أن الشركة المكلفة بالتنظيم ومجلس مقاطعة “مرس السلطان” لا يعرفون هاته الأسس، وأن الشخص الذي تقدم لمساءلة المسؤولين في إطار مهام إعلامية معتمد من طرف المؤسسة والمقاولة الإعلامية، وبالتالي له كامل الصلاحيات القانونية لأداء هاته المهام بعيدا عن لغة “الشعودة والتكزان” التي يمارسها البعض من ذوي العقليات القروسطوية التي قطع معها المغرب، وأسس جلالة الملك “محمد السادس” نصره الله وأيده فلسفة تدبيرها، ونص على تنزيلها، بل أن دستور المملكة الشريفة أكد على الحق في الوصول للمعلومة وتمكين ليس الإعلاميين فقط منها بل عموم المواطنين في إطار بناء إدارة شفافة، وأن هذا النوع من التعامل لا يعكس إلا فلسفة واحدة من قبل منظمي المهرجان “أن وراء الأكمة ما وراءها” وأن الواجب إقصاء الإعلام لكي لا يكون شاهدا على ذلك.

فما وقع خلال تنظيم “الندوة” التي أريد لها أن تكون مصنوعة على مقاس مكتب المقاطعة والشركة المنظمة في إطارصفقاتهما، ومنع الصحافة الوطنية من أن تكون رقيبة على ما يدور في الكواليس وتحت الطاولات، ورفضهم إعطاء الكلمة لممثلي المنابر الإعلامية هو تعد على القانون وعلى الدستور المغربي وعلى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهود المصاحبة مما يضعهم موضع المساءلة الدستورية والقانونية.

 

فلكي نتحدث عن مؤسسات وعن شركات لا بد من توافر بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بتطور المشهد الإعلامي وتكريس تعدد الآراء والانفتاح، والأمر ليتحقق لا بد من توفر الإرادة لممارسة ذلك وتوفير الحماية القانونية لممارسة هذا الحق وحمايته، وضمان الحق في الوصول للمعلومة لأن الأمر يتعلق بقطاع عام يتحكم في ميزانية الشعب.

إن تنصيب ممثل الشركة المنظمة ومكتب مجلس مقاطعة “مرس السلطان” وعلى رأسه رئيس المقاطعة نفسه فوق الدستور، وتدخله في اختصاصات هي من صميم عمل السلطة القضائية “النيابة العامة” ، ووزارة الداخلية هو تحقيق لمنطق الهوى والعبث الذي يدار به الشأن العام. 

إن هاته المواقف هي التي تعطل البناء المؤسساتي وتجعل العزوف عن المشاركة في الممارسة السياسية واقعا تزرعه هاته العقليات وتعمل على تسييده أسلوبا في التدبير، لأن المطلوب إدارة اجتماعية مواطنة منفتحة على المجتمع ككل، فما بالنا إن وجدناها منغلقة على السلطة الرابعة وواضعة العصابة على أعينها ترى العمى نورا والتضبيع منهاجا للتسيير، أبمثل هاته العلقليات نبني الأوطان وندافع عن وحدتنا الترابية ضد المتربصين بها، ونقوي المؤسسات، لأن الحصول على المعلومات أمر حاسم وقوانين حرية المعلومات تعد منهاج وفلسفة الدولة المغربية كما أكد عليها صاحب الجلالة والمهابة نصره الله، وأن ما يمارس كما هو الحال في مقاطعة “مرس السلطان”، يجعلها في خصام ليس مع الدستور فحسب، بل أيضا مع المجتمع والفلسفة الملكية السامية، لأن صنع القرار الذي تحركه الحقائق يمكن أن يغير بشكل كبير وجهات نظرنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويبني مستقبلا زاهرا يسع كل أبنائه من طنجة للكويرة وينزل خط التنمية على السكة الصحيحة التي حرفها مكتب مجلس مقاطعة “مرس السلطان” والشركة الموكل إليها خرق القانون والدستور باسم “تطبيق القانون” الذي ما هو إلا يافطة تخفي ما يدور وراء الغابة من أسرار لا يعلمها إلا ساكنوا المكاتب المغلقة، وعلى الإعلام والصحافة تعرية جميع الشوائب التي تغدي التخلف، وخفافيش الظلام التي تعيش خارج سرب النور والحقيقة التي يشكلها الإعلام والذي سمي اعتبارا لذلك باسم “صاحبة الجلالة”، علما أن الفصل 25 من الدستور المغربي يعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، كما هو حال حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني، وأيضا الفصل 27 الذي يؤكد أن للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، مضيفا أنه “لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة” أو الفصل 28 الذي يؤكد على أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.

 

ولنا عودة للموضوع للمزيد من تعرية وتقديم الحققائق الصادمة للتعدي على حق الممارسية الإعلامية وعرقلة مهام الإعلاميين التي لا تعني إلا قتل الأجهزةوالمؤسسات والدولة المغربية.

التعليقات مغلقة.