في رحاب مؤسس تجربة الصحافة المكتوبة المستقلة بالمغرب.. 

عبد السلام انويكًة

عرفته منذ حوالي خمسين سنة، من أبرز علامات سبعينات مدينة تازة العتيقة، إسم لا زال ذكره يجري على ألسن مجايليه وقد نشأ على وطنية وترعرع عليها، من مؤسسي الشبيبة الاتحادية بعد المؤتمر الاستثنائي لحزب القوات الشعبية وهو طالب بكلية الآداب بفاس، أحد مؤسسي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بتازة كأستاذ بثانوية علي بن بري آنذاك، وقد أبلى البلاء الحسن على أكثر من صعيد طردا وسجنا ومحاكمة إثر اضطرابات أبريل 1979، قبل انتقاله الى الدار البيضاء حيث التحق بجريدة الاتحاد الاشتراكي ثم جريدة الأحداث المغربية، انتهاءا بتأسيسه لجريدة “صوت الناس” التي توقفت تحت إكراهات متعددة. 

ذلك هو الأستاذ والإعلامي “عبد الكريم الأمراني”، وتلكم بعض من إشارات جاءت في تدوينه لرفيق درب سياسي “سعيد الطاهري”، مضيفا عنه أنه بشخصية صلبة ومواقف وكتابات لا مجاملة فيها فضلا عن جهره برأيه الذي لا تأخذه فيه لومة لائم، مضيفا عنه أيضا أنه بمسار نضالي متفرد وذاكرة قوية وحرقة على مآلات نضال ديمقراطي، كونه عندما يحدث الآخر يحدثه بنَفس فيه حدّة صدق ووطنية مستحضرا تاريخا وأحداث وشهداء وقادة، فضلا عن أسف على فرص ضاعت لتحقيق المغرب المنشود. 

مثقف وكاتب وشاعر- يضيف- يعرّج استشهادا واستعارة بأبيات شعر ووقائع، قارئ نهم ايضا تأخذك جاذبية الحديث معه بمتعة لا تتوقف.

ولعل “عبد الكريم الأمراني” هوية خاصة في زمن اليسار المغربي، بقدر ما كان بإسهامات عدة ضمن خيار سياسي وقناعة وحلم بقدر ما يسجل له فضله وسبقه في تأسيس صحافة مكتوبة مغربية مستقلة، ارتبطت بتجربة يومية “الأحداث المغربية” التي عمل رئيسا  لتحريرها  خلال تسعينات القرن الماضي. كان بوقع وصدى صحفي متميز غير خاف بين سلف الشأن وخلفه لسنوات. 

مدرسة إعلامية بِنُكران ذات نهل منها الكثير وتتلمذ فيها الكثير، حضنت واحتضنت كلمة حرة على امتداد أكثر من نصف قرن من الزمن، وكان ممن غرس في جيل تلاميذي منذ سبعينات القرن الماضي حب الانتماء السياسي للفكر اليساري (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، الفترة التي تم فيها اعتقاله ومحاكمته وتوقيفه عن العمل إلى جانب عدد من المناضلين، كما كان جسرا لتعلق والتحاق مساحة هامة من شباب تازة بالشبيبة الاتحادية. 

أحيط باحترام خاص رغم اختلاف البعض معه في موافقه داخل البيت الاتحادي، وكانت كتاباته الصحافية بتتبع واسع ضمن الملف الأسبوعي لجريدة “الأحداث المغربية” خاصة صفحته الشهيرة بعنوان “ضد التيار” كل يوم سبت. 

مع أهمية الإشارة الى أن ما كان عليه من نشاط وتأطير سياسي عرضه للاعتقال عدة مرات وقضى فترة في السجن، وتم توقيفه عن العمل لفترة قبل قرار عفو عام شمل عددا من المناضلين المعنيين.

اسم وقامة إعلامية أعطت الكثير للصحافة المغربية لعقود من الزمن، عبر “الاتحاد الاشتراكي” بداية وما أدراك ما يومية “الاتحاد الاشتراكي” حينئذ، وعبر “الأحداث المغربية”  ثانيا التي كان رئيس تحريرها لسنوات منذ تسعينات القرن الماضي، وقد جعلها في صدارة مشهد المغرب الصحفي المكتوب لسنوات.  

اسم بطابع خاص رافقه في مساره السياسي والإعلامي، ناهيك عن ميزة تفرد جديته وتجديده وإبداعه في عمله الصحفي، فضلا عن قيم تفان وإخلاص وحرص على صدقية فعل دفاعا عن موقع واستقلالية. 

هو من مناضلي اليسار، والاتحاد الاشتراكي خاصة، منذ بداية سبعينات القرن الماضي حتى مطلع القرن الحالي قبل أن يجمد نشاطه في تأمل ذاتي.

 

يُشهد له بتكوين علمي رفيع المستوى و إتقان للغتين العربية والفرنسية ضمن جيل مخضرم وبنزاهة فكر ومبدأ، وكذا بنظافة يد وحب وطن. 

رجل صريح واضح وتلقائي لا معنى ولا مكان لصفات غير حميدة في سلوكه، ولا شيء غير قول كلمة حق دون مجاملة ولو على حساب ذاته ورزقه وحياته، تربيته في حضن الشبيبة الاتحادية جعلته بثقافة سياسية واسعة منذ بداية السبعينات، وبشخصية سياسية وكاريزما وتعبير وتحليل ومقاربة خاصة للقضايا. 

والأستاذ “عبد الكريم الأمراني” بن تازة هو”القلب الكبير” كما يقال، رغم كل ما قد يقع، كيف لا والرجل ينتمي لأسرة تازية أصيلة عريقة ميسورة شهيرة بالمدينة جمعت بين أعيان وعلماء وفقهاء، فجده كان نقيب الشرفاء العلويين بظهير سلمه له السلطان “مولاي يوسف”، ووالده رحمه الله ورث “تامزوارت” بظهير أعطاه له الراحل الحسن الثاني. 

فهو إذن “شريف” بن “شريف” و”حفيد “شريف”، كان مفروضا أن يكون مساره مختلفا تماماً عن مساره الحالي، كأن يكون رجل سلطة أو عاملاً، بل في موقع أكثر من ذلك، فوضع عائلته وعلاقتها بالمخزن كانا يؤهلانه للعب هذه الوظائف. 

أسرته أسرة وطنية ارتبطت بالحركة الوطنية المغربية وتحديداً بحزب الاستقلال، الذي كان والده من المناضلين الأساسيين في صفوفه خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. 

رحاب وغيرها تعلم فيها “السي عبد الكريم” معنى الحياة والوطن والانسان وحب الناس والصدق والأمانة والكرم والخير وحب الوطن.

بعد وعكة صحية كانت  قد ألمت به وأدخلته لإحدى مصحات الدار البيضاء قبل حوالي السنتين، نتمنى له كل صحة وعافية من أجل استكمال ما هو بصدده من ورش مذكرات خاصة انهمك في ترتيب أوراقها منذ مدة، تلك التي لا شك أنها ستحتوي أحداثا وماض وتفاعلات ووقائع وتطورات عاشها وتقاسمها مع الكثير من رفاق درب اليسار وغير اليسار، فضلا عما صادفه في مساره داخل “حزب الاتحاد الاشتراكي”، وفي تجارب صحفية من قبيل يومية “الاتحاد الاشتراكي” و”الأحداث المغربية” و”صوت الناس”. 

مذكرات قد تتقاسمها أجزاء وقد تتجاوز الألف صفحة، ما نتمنى أن ينتهي منها وأن ترى النور وتخرج للوجود قريبا تنويراً لناشئة وباحثين ورأي عام.

التعليقات مغلقة.