ندوة مؤسسة “أرشيف المغرب” والفعل الدبلوماسي العلمي الثقافي 

عبد السلام انويكًة

كانت مؤسسة “أرشيف المغرب” بسبق دبلوماسي علمي ثقافي موازي، بتنظيمها لندوة “العلاقات المغربية السعودية “؛ ولعل بقدر ما تسهر وتشتغل هذه المؤسسة الحديثة العهد على ما هو أرشيف وعلى تنظيم هذا الحقل وصيانته وجمعه من هنا وهناك داخل البلاد وخارجها، بقدر ما تروم استثماره باعتباره ذاكرة وطنية وانسانية ليس فقط خدمة للبحث والدراسات، انما ايضا لجعل هذا الأرشيف مادة حيوية رافعة لقضايا البلاد وتطلعاتها على عدة مستويات.     

هكذا نظمت اختتمت مؤسسة أرشيف المغرب أشغال ندوتها في يومها الثاني بجامعة الأخوين بافران الخميس 15 شتنبر الجاري، والتي حظيت برعاية ملكية سامية، مستهدفة فيها بشراكة مع مؤسسة دارة الملك عبد العزيز بالرياض، تقوية وتعميق علاقات التعاون وتثمين ما يجمع المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية من زمن ومشترك رمزي. 

 

في كلمة افتتاح ندوة المغرب هذه التي جاءت في إطار برنامج”الرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2022″، أبرز مدير مؤسسة أرشيف المغرب الدكتور جامع بيضا، أن احتفاء البلدين بهذه العلاقات هو احتفاء بأرشيفهما وذاكرتهما الرمزية التاريخية، مؤكدا أن ما احتضنته كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكًدال بالرباط من أشغال الندوة، كان مناسبة لتجديد وتأكيد وتثمين ما يجمع البلدين والشعبين الشقيقين من روابط أخوية روحية عميقة، مشيرا الى أن تنظيم هذه الندوة التي توزعت بين الرباط وإفران، تزامن مع الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاقية تعاون بين مؤسسة أرشيف المغرب ودارة الملك عبد العزيز بالرياض. موضحا أن هذا التعاون وهذه الاتفاقية هما برهانات عدة، منها ما يخص تقاسم الخبرات في مجال حفظ الأرشيف والمخطوطات في البلدين، وتبادل ما هناك من موارد رقمية للمصادر التاريخية التي تهم الطرفين، فضلا عن إقامة أنشطة ثقافية وعلمية أكاديمية تتقاسمها مواضيع وقضايا ذات الاهتمام المشترك، معتبرا أن إقامة ندوة علمية ومعرض مواز عن علاقات استثنائية بين بلدين شقيقتين يعدان ركيزتين أساسيتين في العالم الإسلامي، تأتي تتويجا للسنة الأولى من هذا التعاون والتفاعل المثمر.

من جانبه تحدّث الأمين العام لمؤسسة دارة الملك عبدالعزيز بالرياض الدكتور”فهد بن عبد الله السماري” عن تميّز العلاقات الأخوية التي تجمع بين قادة البلدين وشعبيهما، مشيرًا لأهمية توسيع وتقوية التفاعل والتلاقي والنقاش والتعاون والتباحث بين الباحثين في البلدين، والذي لا شك أنه سيكون بأثر في خدمة تراث البلدين الأرشيفي الغني. قائلا: “نعيش مناسبة تربط الماضي بالحاضر وتنظر للمستقبل، والأرشيف الوثائقي هو أداة لمعرفة أين نحن؟ وكيف كنا؟ وماذا سنكون عليه مستقبلًا؟ ونتشرف بالمشاركة في تقديم المعرفة حيال ما يربط الشعبين”. مضيفا في كلمته خلال جلسة افتتاح الندوة: “أفخر برؤية زملائي وزميلاتي في مؤسسة أرشيف المغرب وهم يتعاونون بكل ثقة وطموح مع موضوع الندوة، وشعبا البلدين هما من أسهم منذ القدم في هذا التاريخ العريق من العلاقات الأخوية، ونحن نستحضره وفاءً لهم، ومتطلعين مع جيل اليوم للوثوب إلى مستقبل أكثر قوة وعمقًا”. 

 

في ندوة العلاقات المغربية السعودية هذه التي استضافتها الرباط وافران، تحدث من أثثها من الباحثين، عن مستويات وملامح هذه العلاقات في بعدها التاريخي والروحي الإنساني والأسري أيضا، مشيرين إلى دورها في رفع ما هناك من تحديات تواجه الأمتين العربية والإسلامية في ظل متغيرات عدة سياسية واقتصادية متداخلة يعيشها العالم. معبرين عن سعادة تعاونهم بين مؤسسة أرشيف المغرب و”دارة الملك عبدالعزيز” على مستوى تبادل الخبرات والتجارب وحماية وصيانة الأرشيف والمخطوطات ونسخ المصادر التاريخية، وتنظيم الأنشطة الثقافية والعلمية هنا وهناك بالبلدين على مستوى قضايا ذات الاهتمام المشترك. مع أهمية الإشارة إلى أن ندوة الرباط حول العلاقات المغربية السعودية، تضمنت ضمن برنامجها وأنشطتها بشكل مواز تنظيم معرض جاء غنيا بمساحة صور تاريخية ووثائق ومخطوطات بقدر عال من الأهمية والدلالات الرمزية، احتفاء بعلاقات البلدين عبر فترات التاريخ. ولعل بقدر ما طبع هذا المعرض من تميز عرضٍ وتقديمٍ وشرحٍ لِما احتضنه من ذاكرة مشتركة ووثائق نادرة مغربية سعودية، بقدر ما جاء احتفاء بمرور سنة على توقيع اتفاقية تعاون بين”مؤسسة أرشيف المغرب” ومؤسسة “دارة الملك عبد العزيز”، كذا تعبيرا عما طبع مسار علاقات البلدين التاريخي ولا يزال من تميز وتعاون وتنسيق ومحطات مشرقة. 

ولعل معرض ندوة “العلاقات المغربية السعودية” الذي كان بإثارة رمزية عالية وقيمة مضافة في هذا الموعد العلمي، تضمن عدة مخطوطات وصور قديمة أبرزت وقائع وقصص رحلات حجية وغيرها يحفظها التاريخ، لاسيما في هذه الوقائع والأحداث والرحلات التي تخص موسم الحج، فضلا عما احتواه هذا المعرض المتميز شكلا ومضمونا واخراجا وتقديما، من رسائل دبلوماسية تشهد وتتحدث عن صفحات وتجليات انبعاث العلاقات المغربية السعودية وازدهارها على امتداد قرون. وكانت مؤسسة أرشيف المغرب قد وقّعت بمدينة الرباط خلال شهر شتنبر من السنة الماضية، اتفاقية تعاون مع مؤسسة دارة الملك عبد العزيز بالرياض من اجل تعزيز الروابط العلمية بينهما وتطوير علاقات التعاون الثنائي وتنميتها في مجال عمل كل منهما. 

 

وقد نصت وتوجهت هذه الاتفاقية المغربية السعودية بعنايتها، لخدمة وتقوية التعاون في اختصاصات كل من المؤسستين”أرشيف المغرب” و”دارة الملك عبد العزيز”، ودعم وتحفيز الأبحاث والدراسات العلمية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية، وإتاحة فرص تزويد الباحثين من كلا البلدين بالمعطيات والوثائق التاريخية التي تهم الطرفين، كذا تبادل المنشورات العلمية والإصدارات والإجراءات المنظمة لعمل الطرفين، فضلا عن تنظيم ندوات علمية ومعارض مشتركة وتبادل خبرات الصيانة والترميم والتقنية في مجالات عمل كل منهما، فضلا توفير مواعيد ومناسبات ومساحات لتأهيل وتدريب العاملين لديهما، مع تبادل الزيارات بين المختصين والفنيين عن المؤسستين.

يذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، تعود لتاريخ فتح السفارة السعودية بالرباط سنة ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين، وهي السنة التي زار فيها الملك سعود بن عبد العزيز المغرب. ومنذ ذلك العهد وعلاقات البلدين تزداد قوة ومتانة وثباتا وتعاونا على أكثر من صعيد، وكان الملك محمد الخامس قد زار المملكة العربية السعودية سنة ألف وتسعمائة وستين، وهو ما أسس لتوطيد هذه العلاقات أكثر على عهد الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس، نظرا لِما حصل ولا يزال من عمل مشترك وأوراش على عدة مستويات. 

 

ولعل تجليات هذه العلاقات المتميزة تعكسها محطات عمل وتنسيق ومنشآت عدة، منها مثلا ما كان للمملكة العربية السعودية من موقف ووفد ومشاركة في حدث ومسيرة المغرب الخضراء لاسترجاع صحراءه قبل حوالي نصف قرن من الزمن، فضلا عن منشآت في مجالات عدة منها مثلا جامعة الأخوين بمدينة افران، ولعل اسم “الأخوين” هو بإحالة على الملكين الحسن الثاني وفهد بن عبد العزيز. منشأة مغربية سعودية وُضع حجر أساسها عام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين وفتحت أبوابها بعد ذلك بثلاث سنوات، ويسجل أن إحداثها ارتبط بحادثة حاملة نفط قرب شواطئ المغرب الأطلسية والتي كادت أن تكون كارثة بيئية. وعليه، بمجرد علمه بها وبشكل تلقائي أرسل الملك فهد بن عبد العزيز لخزانة المغرب شيكا بقيمة خمسون مليون دولار. وحصل أن نجا المغرب مما كان سيقع، ليفضل الملك الحسن الثاني وضع هذا المبلغ المالي رهن اشارة بناء مؤسسة للعلم والبحث والدراسة والتكوين والتأهيل، خدمة منه للناشئة وتثمينا وتقوية منه للعلاقات المغربية السعودية وإغناء منه أيضا رحمه الله لما هناك من مشترك ذاكرة رمزية تجمع البلدين.

 

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

التعليقات مغلقة.