تغير مواقف إسبانيا اتجاه قضية الصحراء المغربية بين لغة السياسة والمصالح الاقتصادية

كيف يمكن قراءة التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، حول قضية الصحراء المغربية؟، فهل أعادت إسبانيا قراء مواقفها واعتمدت أسلوب التودد للجزائر؟ مواقف أثارت الكثير من الجدل من جديد، بعد أن قال إن بلاده تؤيد حلاً سياسياً مقبولاً لطرفي النزاع، بإشراف الأمم المتحدة، دون أن يشير لا من قريب ولا من بعيد للتصور المغربي المقترح للحل المتمثل في الحكم الذاتي، وهو ما عدّه مراقبون تراجعاً من جانب مدريد عن مواقفها السابقة، فهل بالفعل تراجعت “مدريد” عن مواقفها المعلنة؟.

 

خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس، طالب رئيس حكومة إسبانيا “بيدرو سانشيز” بما أسماه إيجاد “حل سياسي لنزاع الصحراء”، متجنبا الحديث عن “تقرير المصير” المسوق من قبل أعداء الوحدة الترابية، وذلك لعدم إغضاب المملكة المغربية، وفي نفس الوقت تفادى الحديث عن دعم المقترح المغربي حول الحكم الذاتي تقربا من الجزائر، ليكون قريبا من مصالحة الاقتصادية مع الجزائر وخاصة فيما يتعلق بمسألة الغاز.

 

الأكيد أن هذا الملف وضع إسبانيا أمام خيارات صعبة على مستوى إدارة ومتابعة الصراع سياسيا، ليس على المستوى الخارجي في منطقة مشتعلة وضمن علاقات دولية جد متوثرة على صعيد غرب البحر الأبيض المتوسط، ضمن أطرافها الأساسية، المغرب، والجزائر، وإسبانيا، وفرنسا، بل حتى على مستوى الداخل الإسباني.

علما أن هذا النزاع المفتعل قد أرخى بظلاله على علاقات هاته الدول بعضها ببعض، والذي تجلى في توثر العلاقات بين الرباط وباريس، ومدريد والجزائر، والتي غدى حرارتها وأشعل لهيبها إقرار “سانشيز” بالحكم الذاتي، وما فجره من ردود فعل قوية من جانب الجزائر وسحب هاته الأخيرة سفيرها من “مدريد”، وتعليقها لاتفاقية الصداقة و”البوليساريو” من جهة وفي الداخل الإسباني وتأثيره على التحالف الحكومي.

 

يبدو أن “سانشيز” حاول أخد العصا من الوسط حفاظا على المصالح من الجهتين وهو ما عنونته جريدة “بوبليكو” الإسبانية مقالتها بقولها “سانشيز يتجنب ذكر دعمه لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء”، مشيرة إلى أن هذا النهج اعتمدته إسبانيا سنوات 2019، 2020 و2021.

موقف لخصه “سانشيز” أمام الدورة 77 للجمعية العامة، من خلال قوله “لا يمكننا جر الصراعات من القرن الماضي، ولهذا السبب، فيما يتعلق بمنطقة مهمة للغاية لإسبانيا مثل الصحراء…، تؤيد إسبانيا حلاً سياسيًا مقبولاً للطرفين، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبهذا المعنى، فإن عمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة يبدو أساسيًا بالنسبة لي، وأود أن أقول إنه يحظى بالدعم الكامل من حكومة إسبانيا”؛ وفي نفس الوقت يقول “سيواصل بلدي، إسبانيا، دعم السكان الصحراويين في المخيمات، كما فعل دائمًا، كونه المانح الدولي الرئيسي للمساعدات الإنسانية لمخيمات اللاجئين الصحراويين”.

ومنه هنا يمكن الجزم أن إسبانيا قد اختارت اللعب على الحبلين من خلال مغازلة الطرفين معا، عبر البحث عن التوازن في ظل هاته التحديات التي تواجهها دبلوماسية مدريد في التعامل مع الملف وعلاقات طبيعية مع المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو ثم الداخل الإسباني.

التعليقات مغلقة.