شمال افريقيا والهوية الأمازيغية

بقلم الحسن اعبا

 

الهويّة في الفلسفة هي حقيقة الشيء المطلقة، والتي تشتمل على صفاته الجوهريّة التي تميّزه عن غيره، كما أنها خاصيّة مطابقة الشيء لنفسه أو مثيله، ومن هنا فإنّ الهويّة الثقافيّة لمجتمعٍ ما تعتبر القدر الثابت والجوهري والمشترك من الميّزات والسمات العامة التي تميّز كل حضارةٍ أو مجتمعٍ عن الآخر. من المستحيل أن نجد شعباً من غير هويّة، وهذا الأمر يدحض زعم (داريوس شايغان) الذي قال عن الهويّة بأنها عبارة عن صورةٍ مغلوطة للذات.

 أثبتت الدراسات السوسيولوجيّة أنّ لكلّ مجتمع أو أمّه عدداً من الخصائص، والسمات الاجتماعيّة، والمعيشيّة، والنفسيّة، والتاريخيّة المتماثلة، وهذه السمات تعبّر عن كيانٍ ينصهر فيه أفرادٌ منسجمون ومتشابهون بتأثيرٍ من هذه الميّزات والخصائص التي تجمع ما بينهم. 

من منطلق هذا الشعور القومي فإن كلّ فردٍ يستمد إحساسه بالانتماء والهويّة، ويشعر بأنه ليس مجرّد فكرةً نكرة، وإنما هو مشتركٌ مع مجموعةٍ كبيرة من الأفراد في عددٍ من المعطيات والأهداف والمكوّنات، إضافةً لانتمائه إلى ثقافةٍ مركبة من جملةٍ من الرموز والمعايير والصور، وفي حالة انعدام هذا الشعور بالانتماء من قبل الفرد نتيجة عددٍ من العوامل سواء كانت داخليّة أو خارجيّة، فإنه ينشأ في أعماقه ما يطلق عليه اسم (أزمة الهويّة) والتي ينتج عنها أزمة وعي تؤدي إلى ضياع تلك الهويّة بشكلٍ نهائي معلنةً نهاية وجوده.

 أجمع الباحثون على فكرة عدم وجود شعب دون هويّة، لكنهم اختلفوا في الشكل المحدّد لتلك الهويّة، ومن هذا المنطلق انتقد بعضهم ما يطلق عليه الشكل الميتافيزيقي المحدّد لهوية الشعوب والأمم، ويعمل على تقديم شخصيتها ضمن إطار نماذج مثاليّة أو تصوراتٍ استاتيّة دون النظر إليها كمجموعاتٍ حيّة تتميّز بالعديد من الاحتمالات الكاشفة عن ذاتها بعد عمليّة تحققها، وقام هؤلاء بطرح مقاربةٍ سيسيولوجيّة تظهر الهويّة على أنها تتغذى بالتاريخ لتشكل بعدها استجابةً مرنة متحولة مع تحوّل الأوضاع التاريخيّة والاجتماعيّة، ومن هنا يرون بأنّ الهويّة نسبيّة متغيرة مع حركة التاريخ والانعطافات التي يتعرّض لها. 

طرحت مسألة ثبات الهويّة أو تغيّرها على محك النقاش والمساءلة، وقد أثبتت الجدالات العلميّة أنّ هويّة أية أمةٍ أو مجتمع ليست أمراً سرمديّاً أو ثابتاً – وفق رؤية المفكّر المغربي محمّد عايد الجابري – بل هي مرتبطة بكافة المؤثّرات الخارجيّة، إضافةً للتداول العلمي للثقافات والأفكار، ولارتباطها بالصراع على السلطة، وهذه الصراعات تؤثّر عليها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لعبة التوازنات والمؤثّرات الخارجيّة المحيطة. 

إن لكل مجتمع ولكل أمة هويتها الخاصة بها، فالهوية هي مجموعة من السمات أو الصفات التي تميز شعبا عن شعب وأمة عن أمة وحضارة عن الأخرى.

وعلى العموم فهي ذلك الشيء الذي تراكم عبر العصور، فما هي الهوية يا ترى؟ وهل انسلخ شمال افريقيا عن هويته الاصلية؟ وكيف نجح التعريب في طمس هوية الشعب الأمازيغي في شمال افريقيا؟ كل هذه الإشكاليات لا يمكننا الاجابة عليها الا اذا اعطينا مفهوما دقيقا ومحددا للهوية.. ? الهوية هي الإعلاء من شأن الفرد.



? الهوية هي الوعي بالذات الثقافية والاجتماعية ، وهي لا تعتبر ثابتة و إنما تتحول تبعا لتحول الواقع .
? الهوية عبارة عن سمات تميز شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها.? الهوية هي الخصوصية والذاتية وهي ثقافة الفرد و لغته و عقيدته و حضارته و تاريخه. الهوية جزء لا يتجزأ من منشأ الفرد ومكان ولادته حتى ولم يكن أصله من نفس المنشأ الهوية في اللغة الهوية في اللغة مشتقة من الضمير هو . أما مصطلح الهو هو المركب من تكرار هو فقد تمّ وضعه كاسم معرّف ب أل ومعناه (( الإتحاد بالذات)). 

ويشير مفهوم الهوية إلى ما يكون به الشيء هو هو، أي من حيث تشخصه وتحققه في ذاته وتمييزه عن غيره ، فهو وعاء الضمير الجمعي لأي تكتل بشري ، ومحتوى لهذا الضمير في نفس الآن، بما يشمله من قيم وعادات ومقومات تكيّف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها مبادئ الهوية.


? أن تكون الهوية منسجمة مع معطيات الفكر القانوني والسياسي، الذي يستند إلى قانون المواطنة بوصفها معيارا ً جوهريا ً لتحقيق المساواة.
?أن تعبر الهوية عن الواقع، أي أن تكون انعكاسا ً لتصور فئة ما دون غيرها.

مكونات الهوية

? موقع جغرافي.
? ذاكرة تاريخية وطنية مشتركة.
? ثقافة شعبية موحدة
? حقوق وواجبات مشتركة.
? اقتصاد مشترك.

و الهوية المبحوث عنها في هذا السياق تهم المجال الثقافي و الاجتماعي و السياسي بالمعنى الواسع لهذه الكلمات أي كلما يكون به مجتمع ما مطابقا لذاته، رغم التبادلات و التطورات أو هو ما تكون به حضارة ما مطابقة لذاتها ومغايرة لغيرها، الهوية بهذا المعنى هي نسق من الموروثات الحضارية ومن الأسئلة والأجوبة المتعلقة بالكون والسلوك الإنساني من المعايير الأخلاقية ومن العقائد الدينية، وهي كذلك ما يعبر عن ذلك و يرتبط به من أعراف وعادات وتقاليد وهي كذلك مجموع التراث الثقافي والحضاري الذي ترثه جماعة ما عن ماضيها أو يساهم في تشكيل كيانها، وحيث أن كل هوية تتشكل عند الجماعة أو الحضارة عبر تاريخ طويل فإننا نقول أيضا أن الهوية هي وعي الجماعة بتاريخها  وتعرفها على ذاتها من خلاله وإذا كنا قد قلنا من جهة أن الهوية هي مطابقة الذات لذاتها  وتعرفها لذاتها، وهي ذات مكونات خاصة متمايزة عن ما للغير فإننا نقول أيضا أن الهوية هي هذا الشعور الذي يكون لجماعة ما بتاريخها بوصفه تاريخا خاصا تشكلت عبره مكوناتها الذاتية المميز لها4. 

كل جماعة و كل شعب أو حضارة تتماشى مع تاريخها الخاص. و تتعرف على ذاتها من خلاله و من خلال مجموع مكونات التي تشكلت لها عبر مداه و هذا الشعور الذي هو وعي من الذات الفردية أو الجماعية أو حضارية بما هو في الوقت ذاته شعور بالمغايرة و التماهي و نجد هنا الدكتور محمد عبد الباقي الهرماسي يميز بين الهوية الفردية، وهي مجموع الخصائص الجسدية و النفسية التي يتميز بها كل إنسان بين أقرانه، وبين هوية الأمة التي ينتمي إليها الفرد أي الهوية القومية و هي مجموع الصفات أو السمات الثقافية العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها و التي تجعلهم يتميزون بصفاتهم تلك عن ما سوا هم من أفراد الأمم الأخرى. هنا يمكن أن نتساءل عن ما إذا كان خطاب الهوية الوريث التاريخي للخطاب القومي أم لا ؟.

إن الثقافة لا ترث القومية و لا تحل محلها، و ما يحدث في حالتنا العربية الراهنة هو أن القومية العربية تستنفر كل قواها و لاسيما الثقافية منها في مواجهة الغزو الثقافي الجديد الذي يستهدف ثقافتنا من خلال تذويب هويتها. 

إن العقل كما يرى الفيلسوف إميل مايرسون لا يستطيع أن يدرك من الواقع إلا ما يمكن رده إلى الهوية فالعقل حينما يواجه التنوع و الاختلاف في ذوات العالم و موضوعاته إما أن يفترض أنه يستطيع اكتشاف الوحدة داخل التغير فيكون له هدف ومعنى، وإما أن يفترض أن لا هوية لشيء إلا في لحظة عابرة في سياق جدلية لا تنتهي، فيكون حينئذ كمن يبحث في العدم، وعليه أن يكف عن استنتاج القانون لأي ظاهرة إلا ظاهرة التغير والواقع أننا نقف من العالم موقفا مغايرا لهذه النزعة الموغلة في فهم جدلية التغير.

لقد حاول علماء الاجتماع الغربيين إثبات الهوية الاجتماعية والقومية إلى الشعب من الشعوب عن طريق ملاحظة الظواهر الملازمة لحياتها و عبروا عن ذاتية الشعب حين تبلغ أعلى صورة تماثلها بلفظ “الأمة” وهو المعنى السياسي والاجتماعي لكل شعب ذي مقومات متميزة، وقد يقال في هذا السياق إن تصور هوية ما لمجتمع ما يتعين علينا أن نثبت أولا وجود هويته، من الطبيعي حينئذ أن نتساءل بأي معنى نضفي الهوية على الأمة أو الشعب أو المجتمع يتكون من ملايين الأفراد المختلفين في أفكارهم ونزاعاتهم وسلوكهم اليومي ومعتقداتهم.

إن أول ما يتصوره الفكر عن هذه الهوية أن وراءها جوهرا ثابتا أو مقومات ثابتة وخيطا ناظما لكل مظاهر الاختلاف واستمرارا للخصائص التي تميزها، باعتبارها خصائص يلاحظها الملاحظ في سياقها التاريخي، وان تغيرت الأطوار واختلفت الأحوال من هنا نستطيع أن ندرك هذه المميزات للهوية التاريخية والاجتماعية عن غيرها من الهويات. 

إن الهوية أي الأمة تنشأ من هويتها الاجتماعية والثقافية واللغوية وغيرها مما يميز هذه الأمة ولكي نقف على ملامح الهوية في شمال إفريقيا لا بد أن نقف على ملامحه الاجتماعية والثقافية وغيرها من خصوصيات المجتمع الأمازيغي .. 

من هنا يتبن لنا أن إثبات الهوية هو تعبير عن انتماء إلى وطن ما ذو خصائص ومميزات ينفرد بها دون غيره، ولهذا يمكن القول بأن الهوية في شمال افريقيا هي هوية أمازيغية بدون نقاش اما العروبة أو الدين فليس هوية.

 

  • المراجع

^ أ ب Leen Aghabi, Dr Neven Bondokji, Alethea Osborne, and Kim Wilkinson (2017), SOCIAL IDENTITY AND RADICALISATION, Amman, Jordan : WANA Institute., Page 4-6. Edited. “Identity”, www.psychologytoday.com, Retrieved 2021-3-3. Edited. ^ أ ب Shahram Heshmat (2014-12-8), “Basics of Identity”، www.psychologytoday.com, Retrieved 2021-3-3. Edited. Qiang Liu, David Turner (2018-2-19), “Identity and national identity”، www.tandfonline.com, Retrieved 2021-3-3. Edited. C H Thompson (2012-6-25), “Different types of identity”، www.sociologytwynham.com, Retrieved 2021-3-3. Edited. “Identity Formation”, www.courses.lumenlearning.com, Retrieved 2021-3-3. Edited. “Social Identities”, www.northwestern.edu, Retrieved 2021-3-3. Edited. Naomi Ellemers, “Social identity theory”، www.britannica.com, Retrieved 2021-3-3. Edited.

 

التعليقات مغلقة.