أخنوش يعرض تفاصيل العمل الحكومي ويؤكد حرص الحكومة على ضمان التنمية الاقتصادية وتنزيل مخرجات الحوار الاجتماعي بما يضمن إقامة الدولة الاجتماعية

خلال إطلالة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أمام مجلس المستشارين، للرد على تساؤلات مستشاري المجلس، عرض للحوار الاجتماعي والأبعاد العامة للدولة الاجتماعية في شقها التنموي الاقتصادي والاجتماعي الضامن للشغل والكرامة.

في هذا السياق وصف “أخنوش” الحوار الاجتماعي وما أفرزه ب”الشجاعة السياسية” التي توفرت للحكومة، باعتبار حمولته التي حسمت “في ملفات قطاعية كبرى كالصحة والتعليم للرقي بوضعية الطبقة الشغيلة، ناهيك عن الرفع من الدخل وتحسين الظروف المهنية للأجراء والموظفين، وذلك بفعل إيمان الحكومة العميق بكون تطوير منظومة الحوار الاجتماعي جزء لا يتجزأ من الإصلاح الشامل للمجالات ذات الأولوية” يقول أخنوش.

وذكر رئيس الحكومة بماراطون الحوارات واللقاءات التي تمت مع الهيئات النقابية وباقي الشركاء المعنيين في مواضيع اعتبرها “أخنوش” ذات وقع مهم على حياة المغاربة، بهدف “تأهيل الرأسمال البشري الوطني وتمكينه من مواكبة الإصلاحات العميقة التي تعرفها بلادنا”.

وقدم “أخنوش” خلاصات ما تحقق معددا المنح التي تم توفيرها من جهة تحسين القدرة الشرائية للأجراء والموظفين، وتسوية ترقيات الموظفين برسم سنة 2020 و2021 المتأخرة بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، والتي كلفت خزينة الدولة حوالي 8 مليار درهم؛ والاتفاق على الرفع من الحد الأدنى للأجور بالقطاع العام إلى 500 درهم، والزيادة في التعويضات العائلية وحذف السلاليم الدنيا وتوسيع حصيص الترقية، من خلال تعبئة غلاف مالي يناهز 500 مليون درهم؛ ورفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات التجارة والصناعة والفلاحة والمهن الحرة؛ وتمكين المتقاعدين من معاش للشيخوخة يحترم كرامتهم، تم تخفيض شروط الاستفادة منه من 3240 إلى 1320 يوما فقط، وتمكين المؤمن لهم البالغين سن التقاعد من استرجاع حصة اشتراكاتهم في حالة عدم استيفاء هذا السقف، والرفع من قيمة المعاشات بالقطاع الخاص بنسبة 5%، وتيسير ظروف عمل النساء عبر تخفيض أعباء الشغل ودعم العاملات المنزليات، يقول أخنوش دائما في تقديمه لحصيلة عطاء حكومته.

كما قدم رئيس الحكومة حصيلة، ما أسماه، تنزيل الالتزامات المقررة في الحوارات القطاعية، من خلال تدشين  الحكومة أولى جلساتها مع الهيئات النقابية الأكثر تمثيلية في قطاع التربية والتكوين، من خلال عمل تشاركي ووضع آلية عمل مشتركة تمكن من إيجاد حلول واقعية لمختلف الملفات العالقة في المنظومة التربوية، والرفع من جودة المدرسة العمومية واسترجاع جاذبيتها وولوجيتها؛ وقد تمخض عن هذا الحوار الاجتماعي القطاعي توقيع اتفاق بين الوزارة المعنية والنقابات الخمس الأكثر تمثيلية، تضمن على الخصوص الشروع في رد الاعتبار لمهنة التدريس، عبر خلق نظام أساسي موحد لتحفيز كل العاملين بالمنظومة التربوية،

معرجا على الحوار القطاعي بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وشركائها الاجتماعيين بالتوافق على عدد من النقاط، ترتكز على رفع الحيف عن فئة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان من خلال تغيير الشبكة الاستدلالية الخاصة بهم لتبدأ بالرقم الاستدلالي 509 بكامل تعويضاته عوض 336، وفق إفادته، وعن تمكين هيئة الممرضين وتقنيي الصحة من الاستفادة من الترقية في الرتبة والدرجة والرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية وتقنيي الصحة. وهو الاتفاق الذي سيكلف ميزانية الدولة ما يزيد عن 2 مليار درهم سنويا.

وقطاع التعليم العالي من خلال الارتقاء بجودة ومردودية القطاع، وتثمين مهنة الأستاذ الباحث وضمان ظروف اشتغال ملائمة لفائدته، وكذا استرجاع دور الجامعة المغربية كمشتل للكفاءات، معرجا على إقرار حوار اجتماعي جاد ومثمر بين الحكومة من جهة والنقابة الوطنية للتعليم العالي، والذي انصب بالأساس على التنزيل التشاركي للإصلاح البنيوي للقطاع، من خلال تحفيز الأساتذة الباحثين بنظام أساسي جديد يكرس الاستحقاق والكفاءة والعمل على تحسين وضعيتهم المادية بتعبئة غلاف مالي يناهز 9 مليار درهم ابتداء من 2023، بالإضافة إلى تعزيز آليات الحكامة على مستوى مؤسسات التعليم العالي، إلى جانب تفعيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في أفق 2030.

كما التطرق للنهوض بالوضعيات المهنية وظروف الشغل وتعزيز الحرية النقابية من خلال إقرار مراجعة لمجموعة من المقتضيات التشريعية والتنظيمية، بهدف تحقيق شروط الالتقائية والملاءمة الضرورية لتحولات ومستجدات سوق الشغل الوطني والدولي.

كما نقل افتخاره بتنزيل الحكومة الفوري ووفائها بكل التزاماتها المنصوص عليها خلال الجولة الأولى من الاتفاق الاجتماعي، عبر تنزيل النصوص القانونية والمراسيم التطبيقية وفق الجدولة الزمنية المتفق عليها ابتداء من فاتح شتنبر الماضي، والتي تبلغ حصيلتها التشريعية 15 نصا، مبرزا أن هاته التحفيزات الجديدة في حل ملفات ظلت عالقة لعقود من الزمن، خاصة في ظل ظرفية عالمية صعبة، فستكون ذات تكلفة إضافية على توازن المالية العمومية، وهو ما يتطلب من أطراف الحوار تضامنا متواصلا ومسؤولا لضمان استدامة هذه الإصلاحات ونجاعتها.

وأكد حرصه شخصيا على تنزيل مختلف النقط الواردة في اتفاق 30 أبريل، وقد تمكنا بالفعل من الوفاء بكل التعهدات في هذا الصدد، وتكريسها لمناخ الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف، معبرا عن أمله في جعل تجربة الحكومة محطة للإنجازات.

 وأشاد “أخنوش” بما أسماه المناخ السياسي الراهن الذي تعرفه بلادنا، والذي يتميز بدينامية تنموية متسارعة بقيادة جلالة الملك نصره الله، وهو ما ساهم في إرساء وتعزيز مناخ الثقة بين الحكومة وباقي الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، وهو ما من شأنه أن يهيئ، دون شك، الأرضية الملائمة لجيل جديد من الحوار المسؤول والتوافقات البناءة بين مختلف الأطراف المعنية.

ووقف “أخنوش” حول المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الجولة الأولى من الحوار الاجتماعي، معترفا بوجود تحديات وانتظارات كبيرة تحتاج إلى مزيد من الصمود والجرأة في باقي الجولات، وعلى رأسها إرساء آليات لمواكبة مأسسة الحوار الاجتماعي من خلال وضع تصور مشترك لإرساء المرصد الوطني للحوار الاجتماعي وأكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي، باعتبارها آليات مواكبة لمأسسة الحوار، مبرزا حرص الحكومة على معالجة مجموعة من المواضيع الراهنة التي ظلت مؤجلة، وفق الجدولة الزمنية المبرمجة في اتفاق 30 أبريل 2022، والتي تهم بالخصوص مراجعة نظام الضريبة على الدخل، وإصلاح أنظمة التقاعد، وإعادة النظر في عدد من تشريعات العمل.

وأشار إلى أن الحكومة قامت بالتشاور مع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين في مرحلة الإعداد للحوار الاجتماعي، واستشارتهم قبيل عرض مشروع قانون المالية للاستماع لمطالبهم ومقترحاتهم، وتضمينها في قانون المالية، معتمدة في ذلك مقاربة عنوانها الصراحة والوضوح؛ وفق رؤية جديدة تجعل من انتظارات الطبقة العاملة وعموم الموظفين في صلب السياسات العمومية والبرامج الحكومية المقبلة وأرضية صلبة للتفاعل الإيجابي مع طموحاتهم، وفق ما تعبير رئيس الحكومة.

وأضاف أن هاته الخطوات مكنت في الجولة الثانية من الحوار الاجتماعي من إدراج مجموعة من التدابير الجبائية للتخفيف من عبء الضريبة على الدخل على المتقاعدين، والأجراء ذوي الدخول الوسطى الذين تتراوح أجورهم الصافية ما بين 500 و30.000 درهم شهريا، وهو ما سيكلف المحفظة المالية للدولة ما يناهز 2.4 مليار درهم سنويا، وتعزيز دخل الأجراء الذين تتراوح أجرتهم الصافية بين 500 و9.000 درهم بمدخول إضافي سنوي يتراوح بين 900 و2.250 درهم، وتعهد الحكومة بتنزيل إصلاح منظومة التقاعد، وعقد اجتماع أول مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الماضي، وذلك في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي الموقعين في 30 أبريل الماضي ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين، والذي انتهى بالمصادقة على منهجية العمل والبرمجة الزمنية لأشغال لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، مؤكدا على استمرار هذه الاجتماعات في إطار اللجان للوصول إلى حلول متوافق عليها في غضون 6 أشهر المقبلة، لمواجهة أزمة صناديق التقاعد التي تعاني من عجز كبير بشكل أصبح يهدد معاشات المتقاعدين الحاليين والمستقبليي وإعادة النظر في عدد من تشريعات العمل، وذلك من خلال جدولة زمنية محددة عبر إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، ومراجعة مقتضيات مدونة الشغل، ومراجعة التدابير القانونية للانتخابات المهنية، وإخراج قانون المنظمات النقابية.

 وأكد “أخنوش” على حضور عنصري تحديث الإطار القانوني للعمل بالمغرب، والحرص على استدامة الإصلاحات ذات الطابع الاجتماعي وتحسين نجاعتها، عبر تسريع الإقلاع الاقتصادي وتلبية المطالب الأساسية للمواطنين، وبلورة خيارات اجتماعية تتماشى مع أولويات الحكومة، مذكرا بالرفع من الحد الأدنى للأجور بنسب مهمة ستبلغ  10٪ في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة و15٪ في القطاع الفلاحي، مع الرفع من قيمة التعويضات العائلية ومضاعفة جهود التصريح بالأجراء لدى مؤسسات الضمان الاجتماعي، تنزيلا لأهداف الدولة الاجتماعية، وتحسين مناخ الأعمال، والتسريع في تنزيل مضامين الميثاق الجديد للاستثمار، الذي طالما شكل محور الدعوات الملكية السامية، كبوابة لإطلاق طاقات ريادة الأعمال وتشجيع المواطنين المغاربة، ولاسيما الشباب منهم، على تولي ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم وضمان استدامتها ونموها، وهو ما من شأنه أن يمنح للبنية المقاولاتية الوطنية مكانة متميزة (خاصة النسيج المقاولاتي الصغير والمتوسط)، بفعل الأدوار الطلائعية التي تلعبها على مستوى تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص الشغل وتقليص الفوارق المجالية.

وأكد “أخنوش” أن حل باقي الملفات الموضوعة على طاولة الحوار الاجتماعي، لاسيما التطلع إلى وضع منظومة قانونية ناجعة لكيفيات ممارسة الحق في الإضراب وتجويد الاتفاقات الجماعية، سيعزز من فرص بناء التوازنات المطلوبة وتكريس السلم الاجتماعي داخل فضاء المقاولة وإحلال الاستقرار في علاقات العمل، مما سيساهم في وضوح الرؤية بالنسبة للمقاولات، وتمكينها من مواجهة التحديات واستغلال الفرص الناتجة عن التغييرات في عالم الشغل والتطورات التكنولوجية، فضلا عن تعزيز تقدمها الاجتماعي والاقتصادي، وضمان الأدوات الضرورية لتنفيذ أهدافها.

ودعا “أخنوش” جميع شركائنا الاجتماعيين والاقتصاديين، لمواصلة جلسات الحوار الاجتماعي في إطار اللجان، وفي استحضار تام للمصلحة العليا للوطن، مع الاستمرار في التداول بشأن الأولويات الوطنية التي تحظى باهتمام ممثلي الطبقة الشغيلة على مستوى القطاعين الخاص والعام وكذا ممثلي أرباب الشغل، مبرزا ، رهان الحكومة أن تكون حكومة ذات هوية اجتماعية بامتياز، كما دعى إلى تأسيسها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، حكومة الإنصات والإشراك والحوار، والإنصاف الاجتماعي والمجالي، مساندة وداعمة للقدرة الشرائية للمواطنين، وقوية الطبقة الوسطى، الضامنة لما أسماه الارتقاء الاجتماعي للمواطنين من خلال الإصلاحات الهيكلية التي تعرفها برامج التعليم والصحة، والإقلاع الاقتصادي، والدينامية الاستثمارية الجديدة، وتوفير مناصب الشغل لضمان الكرامة للمواطنين.

التعليقات مغلقة.