“الأطر الدينية وإشكالية التكوين” محور المؤتمر السنوي للمسجد الكبير بستراسبورغ في طبعته 40 

وختامها مسك وعنبر فواح على مدى أيام ملاح بهجة وأفراح  

ستراسبورغ فرنسا:  أ. الحاج نور الدين أحمد بامون 

كعاته السنوية في إطار اختتام برنامج أجندة حصيلة النشاطات السنوية للمسجد الكبير بستراسبورغ بفرنسا، عاشت الجالية الإسلامية قاطبة على مدار أربعة 04 أيام كاملة يومي 23-24-25-و26 ديسمبر الحالي فعاليات الملتقى السنوي في طبعته الأربعين لسنة 1444/2022 ، والذي يعد حدثا هاما بالنسبة لمسلمي فرنسا والدول الأوروبية، إذ يجمع العديد من كبار العلماء، والائمة، والدعاة، والمفكرين، الذين يتوافدون عليه من شتى الجهات والدول الأوروبية و العربية. 

وقد اكتسبت الطبعة الأربعون من المؤتمر التي نظمها المسجد الكبير كعادته السنوية، أهمية جد خاصة هذا العام لأنها تواكب وتتزامن مع ذكرى مزدوجة متعددة، أولها ذكرى نشأة وتأسيس المسجد رسميا سنة 1982، وثانيها الذكرى العاشرة 10 لتدشين المسجد الكبير في حلته الجديدة.

حلة اكتست طابعا هندسيا تاريخيا، وفنيا أثريا، عكس قيمته كتراث ديني و مرجع معماري تراثي كفخر للأمة الإسلامية والعروبية و للأندلس وللجالية المغاربية بكل فخر وإعتزاز.

وعبره تم تسجل ذكرى توثيق و أرشفة التاريخ لتعلن مرور أربعة عقود “40 عاما” على انعقاد المؤتمر الدولي الأول للمسجد الكبير بستراسبورغ، عاصمة الألزاس، شرق فرنسا، والذي أصبح تقليدا سنويا يقام بصفة دورية كل نهاية سنة، كما أخبرنا بذلك الأستاذ “سعيد علا”، رئيس المسجد. 

لقد جسد حدث المسجد الكبير السنوي لعام 2022 والمتمثل في انعقاد مؤتمره السنوي بحلة جديدة هاته السنة مميزة في طبعته 40 الأربعين، منذ تأسيسه. 

وقد تضمن برنامج نشاط المؤتمر السنوي للمسجد الكبير، الذي إنعقد هذا العام كما سلف الذكر تحت شعار ” الأطر الدينية وإشكالية التكوين” إلقاء العديد من المحاضرات والندوات التي تحدث من خلالها عدد من كبار العلماء والمشايخ والمثقفين والمفكرين. 

 

وقد استهلت فعاليات المؤتمر، يوم الجمعة، كيوم مميز، لكونه يوما مباركا، وعيدا للمسلمين يحظى بأهمية ومكانة خاصة، تميزت طبعته بإلقاء درس الجمعة من طرف فضيلة الشيخ الدكتور “محمد مهنا”، أستاذ بجامعة الأزهر، ومستشار شيخ الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، فيما أم صلاة الجمعة فضيلة الشيخ “محمد شتيوي” مسؤول التعليم والمعلمين بجامعة “الزيتونة”، وخطيب مسجد “عمر” بتونس، وهي أمسية كانت حافلة وشهدت إقبالا وتوافدا كبيرا اكتظت به قاعة المسجد.  

كما تميز اليوم الثاني من المؤتمر بحضور مميز لعديد من الشخصيات والفعاليات والقامات من مشايخ ورؤساء مساجد ستراسبورغ والضيوف الوافدين من كل حدب صوب، وعبر تقديم المنشطة الأخت “شيماء”، افتتح اليوم الثاني بتلاوة عطرة تلاها المقرئ الشاب الذي أصلج الصدور وشنف مسامع الحضور، تلتها كلمة ترحيب الأستاذ “سعيد علا”، رئيس المسجد، ليعلن عن انطلاق أشغال المؤتمر السنوي في طبعته 40 الأربعين بصفة رسمية. 

ومن تنشيط الأستاذ الدكتور “إبراهيم فنزاوي”، الإطار الشباني النجم الصاعد المتشبع بالعديد من التكوينات والمشاركات العلمية الأكاديمية والمتحدث بعض اللغات بطلاقة وسلاسة، أحيلت الكلمة لسعادة الدكتور “مصطفى المرابط”، عضو سابق بلجنة المسجد ونشطائه، صاحب العديد من الإسهامات والدراسات والمشاركات المتنوعة عبر العديد من الملتقيات العلمية الجامعية، الباحث ورئيس المركز العربي للدراسات الإنسانية، الذي ألقى محاضرة افتتاحية بعنوان “العلاقة الجدلية بين الواقع والقياس”، خاصة في الشق المرتبط بالوعي في سياق الزمان والمكان، ضمن نصوص وسياقات من كلا المجالين. محاضرة عليمة استقطب العديد من المتتبعين وشدت انتباه الطلبة.   

تلتها محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور “دريس الفاسي الفهري”، نائب رئيس وأستاذ بجامعة القرويين وخطيب مسجد القرويين بالمغرب، في موضوع: “نماذج الإطار الديني الأوروبي” أي تكوين؟ أية مواصفات؟”، ألمت بالعديد من الجوانب والخصائص التي تتعلق بالجانب التكويني ذات العديد من الخصوصيات، منها على سبيل المثال التكوين بين النصوص والأقوال، وفيه أمران التأصيل الصحيح للمعلومات و دلالاته من حيث الشمولية، مع الوعي في السياق، ومن حيث المقاصد التي يرمي إليها الخطاب الشرعي. إلخ……….. 

واختتمت فعاليات اليوم بصلاة العشاء جماعة وفسحة ترويح فنية مع مجموعة الذاكرين بأجود وأحسن المدائح ومختار السماع الصوفي، جلسة سنفت مسامع الحضور وهدأت النفوس في ساعة صفاء روحانية في أحلى حلة طال انتظارها وترقبها. 

اليوم الثالث تضمن إلقاء محاضرة عن بعد ألقاها الدكتور “ياسين بن لطفي”، أستاذ العلوم الإسلامية، ومدير معهد الروح والضمير، في موضوع “الأدوات الأساسية للتدريب والتكوين الناجح في أوروبا”، تضمنت المحاور التالية، اختيار المدرسة، المواد المدرسة، السيرة العلمية، المستوى الأكاديمي، التربية الإسلامية والإطار البيداغوجي، التنمية البيداغوجية، الغرب والغربيين، الشخصية الدينية والغربية، الاحتياجات، التعليم والتحسن، والرفاهية والمحيط الإسلامي. 

تلتها إلقاء محاضرة حضورية من طرف الدكتور “مصدق جليدي”، دكتور في علوم التربية، أستاذ الحضارة الإسلامية بالقيروان بتونس، حملت عنوان “الحاجة إلى استخدام العلوم الإنسانية والدور التكميلي للتعليم المستمر”، تناولت تقنيات العلوم الإنسانية و أساسياتها. 

كما قد الدكتور “محمد موساوي”، أستاذ محاضر بجامعة “أفينون”، ورئيس اتحاد مسلمي فرنسا، محاضرة بعنوان “تكوين الإطارات الدينية”، تناولت أهم عناصر التكوين، وأحسن الطرق لأجل تكوين ناجح ومضمون تماشيا معالعصر وحداثته وتطورات المجتمع.

 

كما ألقت الدكتورة “جميلة تلوت”، أستاذة وباحثة مختصة في الشؤون الإسلامية، علوم أصول الفقه بمعهد الدراسات محمد السادس بالرباط، وعلوم القرآن بجامعة القرويين بالمغرب، ورئيسة جريدة بواشنطن الولايات المتحدة الأمريكية، محاضرة في مواضيع نهاية التخرج من التعليم، التكوين بالمراكز الدينية الإسلامية، ترجمة المقاصد والأهداف، نالت اهتمام الطلبة لاسيما الجامعيين منهم والمهتمين بالدراسات الإسلامية والدينية عامة، من حيث منهجية التكوين العلمي الأكاديمي. 

 

كما نظمت ندوة عليمة أكاديمة واسعة مع كل من فضيلة الدكتور “دريس الفاسي الفهري” من جامعة القرويين” الدكتور “محمد شتوي” من جامعة الزيتونة، الدكتور “محمد مهنا” من جامعة الأزهر، الدكتور “حسان سباط”، أستاذ الدراسات العربية الإسلامية والحضارات والحقوق الإسلامية من جامعة طرابلس بلبنان محاضرة عنوان التكوين من هنا ومن هناك من مكان أخر, محاضرة تطرق للعديد من الجوانب العلمية والنقاط الهامة في مجال التكوين وشموليته الواسعة، واقفا حول الدلالات المفاهيمية من حيث المستوى والمنهج. 

كما أقيم حفل فني بعد صلاة العشاء نشطته فرقة “الذاكرين” من خلال تحف في السماع الصوفي، مع صاحب الحنجرة الذهبية “عبد اللطيف بن عمار” ومرافقه الأستاذ “آنس” حفظهم الرحمن. 

في اليوم الرابع قدم الدكتور “يونس جوهان فاي براي”، دكتور في علم الاجتماع والعلوم السياسية والاجتماعية، محاضرة بعنوان:  أماكن تكوين الشباب الفرنسيين المسلمين، وأخرى للدكتورة “فاتن صفر فلفول”, أستاذة العلوم الإسلامية، خريجة جامعة الأزهر الشريف، ومعهد الخيرية ببروكلس بلجيكا، بعنوان “التحدي والحاجة لتدريب المرأة، ما هي الممارسات؟”، ليختتم اليوم بجملة توصيات صادرة عن فعاليات المؤتمر الأربعين 40 للمسجد الكبير لسنة 2022، وسهرة فنية من فن السماع الصوفي ومجموعة الأذكار والمدائح. 

وقد عرف المؤتمر السنوي للمسجد الكبير مشاركة واسعة لعديد الدول والجامعات منها مجامعة الأزهر الشريف بمصر، جامعة القرويين بالمغرب، جامعة الزيتونة بتونس، جامعة طرابس بلبنان، بلجيكا، وإيطاليا ….. 

وتميزت الطبعة 40 للمؤتمر بتخصيص جناح خاص مفتوح لفئة للشباب لإعطائه مكانة خاصة بالمؤتمر لمجالسة علمائه ومشايخه والتقرب منهم عن قرب بعين المكان والنهل من منابعهم و محادثتهم لتعبئة رصيدهم العلمي والمعرفة، وهو ما لقي ترحيبا واستحسانا من الشباب الصاعد المتألق المتمسك بدينه وفطرة والديه وخطى ثابتة على درب سلفه. 

كما تم إلقاء المحاضرات والموائد المستديرة باللغة العربية والفرنسية والإنجلزية.

انتفاخ وتنوع علمي فكري:  

تميز الملتقى بالإنفتاح والتبادل العلمي الفكري المعرفي، وهي المبادئ التي تقوم عليها العلاقات القوية المثينة بين العلماء والمشايخ مع المختصين الآخرين، لتكون مساهمة فعالة في المجتمع، ومنها يتم التغلب على المخاوف الذي يسيطر على الكثير،  وتقرب وجهات النظر بين المشاركين وتوسع دائرة النقاش والمحادثة بكل أريحية يكون التفاهم المتبادل بين الجميع ومنه يكون التحدي المنتظر للخروج بفوائد جمة لصالح ديننا الحنيف عامة وللأمة الإسلامية خاصة، ويكون العامل الأساسي الذي يحفز علماءنا ومشايخنا للعطاء والنشاط الدؤوب مستقبلا واستمرارية البحث والتجديد للخروج بجملة اجتهادات دينية وفقهية وسلسلة توصيات هامة متفق عليها بالإجماع كأرضية ورقة طريق عمل. 

 

أهمية المؤتمر: 

للعلم وللإفادة، أن المؤتمر السنوي للمسجد الكبير بستراسبورغ, يعد ذو أهمية كبيرة وفرصة سانحة لأكبر علماء ومشايخ الإسلام لحضور لقاء سنوي في ستراسبورغ بفرنسا، يضم العديد من الجامعات من شتى الدول و القارات، وهو أكبر نوع من حيث التكوين في فرنسا، نظرا لأهميته العلمية الجامعية الأكاديمية، من حيث المواد العلمية التي يتلاقها المتتبع للمؤتمر. 

وقد توافد على المؤتمر هاته السنة العديد من الأشخاص لحضور فعالياته وللاستفادة منها على مدى أربعة أيام من داخل التراب الفرنسي وخارجه، كما كان فرصة ثمينة سمحت للعديد من أفراد الجاليات العربية باللقاء الحميمي والعائلي المفقود من فترة طويلة كما كان فرصة تعارف لعديد الأعلام والمشايخ والإطارات والطلبة. 

 

حضور الخط العربي وزخرفته: 

خص المؤتمر السنوي للمسجد الكبير في طبعته 40 لسنة 2022 بجناح خاص بفنون الخط العربي وأنواعه المختلفة للفنان “محمد كشمار”، من كبار الخطاطين الشباب البارزين في العديد من الملتقيات والمؤتمرات، بحيث تم عرض العديد من اللوحات و الكتابات والزخارف، آيات قرأنية، مناظر طبيعية، رسومات أسماء وغيرهم، في مجال فن الخط العربي العريق المحسنة له جمالا وبهاء والذي لقي إقبالا كبيرا، إذ توافد عليه العديد من الزوار للإطلاع على روائع اللوحات المعروضة والرد على الاستفسارات المتعلقة به، وكتابة بعض الخطوط للاهداءات وللذكريات.

ويعد الخط العربي من أنواع الفنون الجميلة التي اكتسبت شهرة واسعة منذ القدم، نظراً لجماله، وزخرفته الدقيقة، والذي لقي ترحيبا واسعا خاصة في استخدامه في زخرفة المساجد، والمدارس بالآيات القرآنية، والأدعية، والشعارات الإسلامية، بالإضافة إلى استخدامه في تزيين وزخرفة والأواني الفخارية. 

المسجد الكبير في ومضة تعريفية وجيزة: 

افتتح المسجد الكبير بستراسبورغ الذي يقع على ضفاف نهر إيل في حي هيريتز، في سبتمبر 2012 ويعد امتدادا للمسجد الأول المنشأ والمؤسس سنة 1982 والذي احتفل بذكراه الأربعين هذا العام صرحا شامخا، إذ يعتبر من أكبر المساجد ومعلمة إسلامية هامة في شرق فرنسا بمنطقة الآلزاس، مقارنة بباقي المساجد مساحة ونشاطا، هندسة و معمارا، إذ يلقى إقبالا وتوافد كبير، صرحا دينيا، منبر إشعاع ديني تربوي تعلمي وقطبا ثقافيا تاريخيا ومركزا اجتماعيا، ذو أثر مستقبلي في خدمة أبناء الجالية المسلمة قاطبة بأوروبا وضواحيها. 

ويعد المسجد الأكبر حجما واستيعابا لمئات المصلين رجالا ونساء وشبابا، كما يتوفر على قاعات لإقامة الأنشطة يتوفر على مكتبة هامة زاخرة ومتنوعة بموسوعتها العلمية القابلة للتوسع حسب ما أفادنا به الأستاذ مصطفى وللقاضي, كما يكتسب المسجد أهميته من حيث وجوده في مدينة تزدحم فيها المؤسسات الأوروبية للعديد من التخصصات المختلفة ومنبر الديانات والمعتقدات المختلفة. 

هذا الصرح الذي يفسح المجال أمام الجالية المسلمة بتعدد جنسياتها ومختلف لغاتها المقيمة في ستراسبورغ للصلاة والعبادة والتلاقي والتعايش السلمي بكل أريحية ولنبذ العنف والكره والبغض والعمل على الوحدة والاخوة. 

التعليقات مغلقة.