مسجد ستراسيورغ الكبير العمارة والقيمة الروحية

ستراسبورغ/ فرنسا: الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون 

تعتبر مساجد ستراسبورغ نماذج مميزة، فالمسجد الكبير يعد الرمز الأنموذج، والذي يحيي ليلة رأس السنة الميلادية 2033 بطريقته في العبادة تلاوة ومثون. 

وفي هذا الشأن، أحيا المسجد رأس السنة الميلادية بطريقته الخاصة عبر قيام الليل بالتلاوة وتلاوة المثون بدلا من الرقص والمجون شعار كوكبة شباب الجالية الإسلامية العربية المغاربية من المسجد الكبير بستراسبورغ بإمامة وإشراف فضيلة شيخ الشباب ومرشده ومؤطره ومرافقه على الدوام في جده وهزله الأستاذ “سيلا خليلو” إمام المسجد الكبير.

 

وعملا بالآية الكريمة، بسم الله الرحمن الرحيم “ومن الليل فتجهد به نافلة لك”، صدق الله العظيم، أحيت مجموعة من الشباب اليافع الغيور على دينه والمتمسك به، شباب صاعد بين أحضان تعاليم دينيه الحنيف في جو أخوي من كل الجنسيات دون تميز ولا تحيز، ليلة رأس السنة الميلادية 2023 بطريقته الخاصة على نهج خطى السلف الصالح تلاوة عطرة وذكر وابتهال وقيام الليل بمسجد ستراسبورغ الكبير، بنفحات إيمانية روحية مشعة من قبس ساطع. 

ليلة مشعة بنفحات إيمانية عطرة بعبق، كان ختامها عنبر ومسك يفوح أريج عطره من كل رقعة وبقعة متناثر هنا وهناك من على ضفاف نهر “الراين” وجداوله، بتوديع سنة ميلادية كاملة بحلوها ومرها، سنة مليئة بالأحداث، والمسرات والأفراح والأحزان. 

 

تأتي هاته الخطوة جريا على العادة السنوية مع نهاية كل عام وكباقي المدن الفرنسية، حيث أحيت مدينة ستراسبورغ برمتها رأس السنة الميلادية 2023 بطرق مختلفة كل له وجهته ونظرته ورؤيته المفضلة والمميزة بنوعية النشاطات المعدة للمناسبة سواء كانت عائلية فردية أو جماعية ومختلفة، وذلك بمشاركة الجميع، إذ تعد مدينة ستراسبورغ من أجمل المدن الفرنسية على المستوى الأوروبي، كأهم المعالم التاريخية، الثقافية، السياحية والأثرية المدرجة على قائمة اليونيسكو. 

فالحمد لله الذي شرفنا وأعزنا بالإسلام وأعطانا المنة ورزقنا السكينة والطمأنينة. 

فمساجد “ستراسبورغ” نماذج يضرب بها المثل على مدار السنة زاخرة عامرة بقلوب مطمئنة خاشعة وألسن تلهب بحناجر تصدح تلاوة وتلهج ذكرا بطيب فواح. 

من بين هاته المساجد على سبيل المثال الآهلة بالمصلين والرواد والمحبين على مدار الساعة من أوقات الصلوات المفروضة والعبادات والجلسات الروحانية وروائع التلاوات وقيام الليالي إحياء لموروث تاريخنا الديني الثقافي على خطى سلفنا رحمهم الله إقتداء بسنة الحبيب المصطفى الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه. 

وزيادة الخير حيرين و ملء الفراغ من أولى الأولويات بلا توقف، كما هو معلوم ومتعارف عليه لا يختلف عليه اثنان يلعب المسجد دورا كبيرا في حماية الفرد عامة والشباب خاصة، وفقا لخطى السلف في ظل مكانة المسجد منذ فجر الإسلام. 

إذ بات في وقتنا الحاضر كالسابق المسجد في المجتمعات الإسلامية عامة وبديار الغربة بأرض المهجر للجاليات المسلمة مكانة كبيرة في قلوب المسلمين لما يلعبه من أدوار كثيرة ومتعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الدور التاريخي الاجتماعي الانساني والأسري العائلي والانساني بالدرجة الأولى.

ببقاء العقيدة وخلود الإيمان تعلو أصوات المؤذنين للنداء للصلاة في كل بقعة من أرض العالم إلى غاية دفنه بمسقط رأسه بالبلاد وتتكرر كلمات التوحيد التي توالت رسل الله تبينها لأممها واضحة المعالم نيرة السبل بينة المراسيم هذه العقيدة التي تجمع الشباب وتربط الأفراد بعضهم ببعض دون نسب ولا حسب ولا صلة ولا سابق معرفة، فتذوب أمامها كل الفوارق والألقاب والمناصب، وتزول بها كل الحواجز والتسميات مهما كانت. 

وبفضل الله ومكانة المسجد وسمعته الطيبة أصبحت الأمة الإسلامية مهيبة الجانب عزيزة السلطان موفورة الكرامة في كل الأقطار، وأينما حللت وارتحلت وحطت الرحال وأقامت في إطار عقيدتها حضارة شامخة وثقافة متأصلة وحياة سعيدة ظل دينها الحنيف الدين الإسلامي الحنيف على خطى السلف، ألا وهو المسجد ودوره والصلاة فيه جماعة وفردا لإقامة الشعائر والفروض المفروضة على كل مسلم . 

ومن أهم ذلك تلبية النداء إلى أهم ركن ألا وهو الركن الثاني وهو إقامة الصلاة، لعقد صلة العبد بربه بعد توحيده والإقرار له بالوحدانية والربوبية بالإيمان به، لتزداد عقيدته وتعلو سموا ورفعة، ويزداد صاحبها قربا إلى الله وتمسكا بحبله المثين. 

فالصلاة عامل وقائي للفرد وللمجتمع من أن تتفشى فيه الفواحش والمناكر، وهي وسيلة لمناجاة العبد لربه فتزكو نفسه وتنغرس فيها قوة قابلة للخير، فتتكون بهذه النفس الطيبة أسرة صالحة تعمل لبناء المجتمع الناجح، فتكون الألفة شعارها، والأخوة هدفها، والدين غايتها، والمحبة ضالتها المنشودة، والتآخي أساسها، فمتى تم هذا كما شرعه الله لا يكون بيننا جائع ولا عار ولا مريض ولا محتاج ولن تسيل قطرة دمع لظلم ظالم أو طغيان جائر ولا يطرد مستجير ولا يرد سائل. 

يلي هذا النداء مناجاة الله سبحانه وتعالى لتسعد به النفوس، لكون المسجد هو المركز الأول للإشعاع الروحي، العلمي والفكري، لأنه ليس فقط مكان للعبادة بل للتكوين والتعلم وموطن التذكير والتقفيه والتوجيه. 

فبيت الله قبلة المسلمين عامة ذكورا وإناثا دون استثناء، غني وفقير، تتجه الوجوه إليه والأبصار نحوه تتحلق والجموع بداخله وحواليه، كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزوله بالمدينة، أين أسس أولى خطواته ببناء مسجده ليعلم الناس الخير ويجمعهم على عبادة الله والطاعة وسائر الأعمال منها الصلاة فرضا وجنازة ونافلة، تجهدا وقياما. 

رسالة المسجد: 

لم تعد رسالة المسجد في الإسلام مقتصرة على الصلوات الخمس المفروضة وحدها، بل كانت ولا تزال مفتحة الأبواب على مصراعيها لا يرد عنها طالب علم أو قاصد ثقافة وفكر وتنوير وراحة واستراحة. 

صلاة قيام الليل: 

لا شك أن صلاة قيام الليلِ من أعظمِ الطّاعات عند الله سبحانه وتعالى، وهي كنز من الكنوز العظيمة التي لاتعد ولا تحصى فوائد لمن أدركها وواكبها، تتحصَل فيها السكينة والطمأنينة والرِضا، ويحصل فيها العبد على الأجر الكبير والخير الوفير الكثير، حيث تشهدها الملائكة وتكتبها السفرة الكِرام البررة. 

فلصلاة الجماعة بقيام الليل في المسجد وأهميتها فضل كبير وفوائد عظيمة جمة لا تعد ولا تحصى كما جاء في السيرة العطرة وتراجم السلف. 

الهدف حماية أمن طمأنينة وسكينة: 

الهدف من قيام الليل وبرنامجه المسطر من قبل إدارة مسجد ستراسبورغ الكبير، هو جمع الشمل وتوحيد الصفوف وحماية الشباب عامة من مخاطر الانزلاق في المتاهات، ومن الكوارث ووقايته منها وعدم إلحاق الضرر بهم وبغيرهم، وتجنب الجيران والعامة من حرق سياراتهم وممتلكاتهم ومنازلهم، لا قدر الله، كما يهدف إلى عودة الجميع والشباب معها لله عز وجل وقضاء ساعات في عبادته ومناجاته. 

الغاية من قيام الليل: 

عودة المؤمنين إلى عبادة الله سبحانه وتعالى. لإثبات حقيقة تواضعهم أمامه بين يديه، وأنهم يدركون حاجتهم الحيوية إليه في كل وقت، وأنهم يطلبون منه بصدق مساعدتهم في الثوبة النصوح والرجوع إليه بكل طواعية دونما إجبار ولا إكراه. 

فقرات برنامج ليل ٍالسنة بالمسجد الكبير: 

افتتحت فعاليات الليلة على بركة الله، مباشرة بعد صلاة العشاء على الساعة السابعة 19.00 بتلاوة عطرة ومباشرة انطلقت الأشغال بتنشيط الأمسية بمحاضرة بالمناسبة أمسية تخللتها جلسات الشباب بفقرات فنية أدبية استهلت بعرض فيلم “السلام”.  

ثم فسحة أمل لإنعاش الذاكرة من خلال فقرة المسابقة الدينية الإحتيارية في جو تنافسي بهيج، ومن جديد قام الجميع لصلاة ركعات قبام الليل، ركعات تنفست فيها الصعاء وسمحت لقائميها بالدعاء والتضرع للمولى عز وجل كما كان حال العم عبد الله حفظه الله.  

ولبدنك عليك حق، توقف النشاط لبرهمة من الوقت والتف الجمع على موائد العشاء الجماعي التشاركي شوليمة لليلة المباركة وذكرى يتقاسم جميل لحظاتها جمع الحضور بورك فيهم.

لحظات عاشها الجميع لا سيما الشباب في تنافس فيما بينهم كلها مرح وبهجة وسرور أدامها الله عليهم وحفظهم. وبانتهاء وجبة العشاء عاد الشباب للنشاط بكل حيوية و عزيمة وكانت البداية بقراءة جماعية للقرآن الكريم. 

وبعدها انطلقت حلقة مجالس الذكر والابتهالات لساعات من تنشيط وإدارة الشيخ “خليلو”، ثم فقرة السماع الصوفي من موشحات ومقامات مختارة، تلها فقرة الدعاء والتضرع للمولى عزل وجل في ساعة متأخرة من الليل لعلها تكون ساعة استجابة. 

وبختامها فسحة استراحة عاد فيها الشباب بعد الغذاء الروحي والنفسي للتنافس في فقرة النشاط الترفيهي لتعبئة الرصيد الفكري المعرفي لما ينفع المسلم في دينه وحياته ومجمل معاملته الدينية لرضا الله والفوز بالجنة. 

وبختامها حلت ساعة الجد والتوجه للمولى عز وجل بكل أريحية واستعداد نفسي وجسدي، بقلوب خاشعة وعقول هادئة وأجسام مستعدة للقيام والصلاة، حضره جمع من الناس بشوق وفرح شيوخ وشباب، أصحاء وعجزة مقعدين، إناثا وذكورا، أثناء قيام جماعي ينتظره العديد من رواد المسجد ومحبي القيام والوقوف بين يدي الرحمن في بيته المحبب لمناجاته والتضرع إليه بصفاء سريرة وسعة قلب. 

قيام الليل ومناجات الخالق سر خفي: 

بقيام الله بقلوب خاشعة، يبلغ الله تعالى عباده الدرجات العلا الرفيعة، ويملأ قلوبهم بنوره وبحكمة، ولا يظفر بهذا الحظ إلا أصحاب قيام الليل.

فقد عرف السلف العارفون بسر قيام اليل هو مدرسةُ المخلصين المناجين للخالق في جنح الليل، ومضمار السابقين للفوز بخيراته، وأن الله سبحانه وتعالى إنما يوزع عطاياه، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب به أهل القيام، ويحرم منها الغافلون والنيام. 

والسر في ذلك أن الإنسان بقيامه الليل يناجي ربه فيمنع نفسه ملذات الدنيا ويحرمها من اللهو والترف، فيريح بدنه ويصون لسانه ويحفظ صحته من كل الأمراض والآفات ويحصنها، ويسعد نفسه، وينور وجهه، ويزداد بركة في عمره، وأقواله وعمله، ويخلص نفسه من شرورها ويبعدها عن الرياء والكبر والتكبر وما شابه ذلك، فيعوضه الله تعالى خيرا مما فقد، والفوز بالنعمتين نعمة الدين، ونعمة الدنيا، وسعادة الدارين الدنيا والآخر. 

قيام ليل يشعرك بلذة لا توصف وحلاوة لا تقدر بثمن، رغم استغراقه لوقت لا يقدر بثمن وجهد بدني. 

وبإتمام جزء القيام عاد النشاط لحلقات الأذكار والإبتهالات بالتناوب والتتابع لساعات متواصلة وتنافس بين ذا وذلك، في الصلاة والتسليم على الحبيب المصطفى وآل بيته الطاهرين وصحابته الكرام والاستغفار والحوقلة والحمدلة وغيرها من الأذكار وما خلفه سلفنا رحمة الله عليهم من إرث ديني ثقافي روحي متداول منذ قرون خلت لاسيما في بلداننا المغاربية والعربية عامة. 

كانت ليلة مشعة حافلة بمعنى الكلمة، لم يعرف فيها تعب ونصب، لا كلل و لاملل، الكل فرح مبتهج صبية كهولا نساء ورجالا.

كللت بالنجاح بحمد الله نسال الله الرضى و القبول فيها للجميع لمن سهر وتعب، وقد استمرت من الساعة السابعة 19.00 مساء من يوم 31 ديسمبر لغاية الساعة السادسة 6.30 والنصف صباحا، واختتمت بصلاة الصبح جماعة، وقراءة الورد اليومي من أذكار، وقراءة الحزب الراتب الورد اليومي، ليختتم بدعاء شامل للجميع للصلاح والفلاح. 

مسجد ستاسبورغ الكبير في فلاش بسيط: 

يعتبر مسجد ستراسبورغ الكبير، أكبر مسجد مساحة بفرنسا بدون منازع. 

المسجد الشائع ذكره على كل لسان، الشائع أمره عبر عديد من البلدان داخلها وخارجها، من حيث كبر مساحته على مستوى فرنسا، وزخرفة وجمال هيئة لإتقان بنائه الحديث بمواصفات عالمية لا تضاهيها أخرى في عصرنا هذا، وما يمتاز به من روعة مناظر خلابة بحكم إطلالته عبر كل الجهات.

يبالغ الناظر إليه وزائره في وصفه لحسن بهاء روائع جماله، مما جعله يصير مركزا ومنارة علمية ذا مكانة وشهرة واسعة يحج إليها كافة الناس دون استثناء من جميع الديانات، وهو ما أهله لأن يكون مفتوح الأبواب على مصرعيه لكل طارق لزيارته والتمتع بروائع أشكاله الهندسية وقبته الشامخة دون أعمدة، ويعتبر المسجد الكبير بوصفه من أروع المساجد حداثة يضرب به المثل في العمارة الإسلامية والأندلسية المغاربية على السواء بفضل ما تضمنه من ثروات طبيعية، من هندسة معمارية وزخرفة فنية، من ابتكارات ذات جلائل. 

كما يعد المسجد الكبير رمزا من رموز وروائع الأثار الإسلامية لما بلغه من مجد ورقي عال من حيث استقطاب العدد الكبير والكم الهائل من المصلين والرواد في كل يوم وحين، والزائرين في كل مناسبة وحدث، وكلما دعت الضرورة والحاجة لذلك. 

كانت هاته الليلة بنشاطها الزاخر، ليلة منيرة مشعة بنفحات إيمانية وقبسات نورانية من مسجد ستراسبورغ الكبير، بإشراف فضيلة الشيخ “خليلو سيلا” إمام خطيب المسجد، مربي الأجيال مكون ومؤطر مرافق الشباب، رفقة طلبته وتلاميذه متعلمي القرآن مستظهري كتاب الله الكريم.

ليلة بشباب تعلقت قلوبهم بالمساجد نشؤوا في عبادة الله سبحانه.

قوة الأمة بقوة شبابها، والشباب هم العنصر الأهم لهذه الثروة، ومما لا شك فيه أن فئة الشباب هي عماد المجتمع الإسلامي في كل وقت، وهي فئة القوة والحيوية والنشاط، الفئة المشرقة في المجتمع بعمر الزهور المتفتحة التي تبحث عن الاستقرار والراحة والطمأنينة والسكينة، لذا نجدهم نشأوا على الفطرة في عبادة الله وتعلقت قلوبهم بالمساجد. 

كانت ليلة يشهد ببصمتها، ختامها مسك يفوح عقب كل ركوع وسجود وطيب يزداد إحتراق بكل تلاوة في ليلة شاملة وجامعة لصفوف مسلمي الجالية بستراسبورغ في نهاية أسبوع وشهر وطي صفحات دفاتر سنة ميلادية حافلة بلحوها ومرها وبكل م أوتيت من شواهد وأحداث مختلفة ومتنوعة لسنة 2023ـــ. 

وكما جرت العادة أسدل الستار بالصور التذكارية للتاريخ والأرشيف على أمل العود في لقاء وحدث قريب إن شاء الله. 

فتحية شكر وتقدير وعرفان لكل فضيلة الشيخ خليلو سيلا إمام المسجد ومن شباب المسجد على رأسهم الأخ سفيان على الدعوة وتحية خاصة للأ الطالبة أمال على المرافقة عن بعد. 

من سابق نبع القلم وبحور مداده الذي لا ينبض و سيبقى سيال مدى الأيام ينهل منه بلا توقف فلا يكل ولا يمل ولا يجيف.

التعليقات مغلقة.