الفرنسية وحدها كافية لتدني النتائج

الحبيب عكي

 

يحكي لي زميلي الأستاذ عن صدمته القوية مما وصل إليه مستوى التلميذ في المستوى الإشهادي الإعدادي الذي فرض فيه تدريس المواد العلمية بالفرنسية، ذلك ما وقف عليه بنفسه وهو يصحح أوراق الامتحان الموحد للأسدس الأول في مادة علوم الحياة والأرض، وكان ضمن أسئلته سؤال الاسترجاع البسيط وهو عبارة عن صور لستة أعضاء من جسم الانسان، القلب والمعدة، الدماغ والأمعاء، الرئة والنخاع الشوكي، وكان مطلوبا من التلميذ فقط، أن يسميها كل واحدة باسمها وبالفرنسية طبعا..، لكن مع الأسف كانت العديد من الإجابات حسب التصحيح خاطئة بالمجمل، لم يفرز فيها التلاميذ بين أعضاء جسم الإنسان الستة لا بالصورة ولا بالاسم ولا بالكتابة الصحيحة؟.

 

أدخلني الزميل في صدمته رغم أني حاولت التخفيف عنه و قلت له: “لا داعي للصدمة فالأمر عادي، أن يجيب التلميذ عن السؤال أو لا يجيب أمر عادي، قال وهو يرفض رأيي البتة: “كيف يكون الأمر عاديا يا أستاذ، ألا يعرف تلميذ الإعدادي الإشهادي أسماء أعضاء جسم الإنسان ولا يستطيع كتابة أسمائها بالفرنسية بشكل صحيح؟.

وقد درس كل ذلك في العديد من الدروس، سمع خلالها هذه المصطلحات ما لا يقل عن أربع أو ست مرات في كل حصة، شرحها وكتبها غير ما مرة ولا يجيب، فكيف لو سألناه عن وظائفها أو عن العلاقة في ما بينها؟، أو عن أي سؤال حقيقي في التحليل والتركيب والملاحظة والاستنتاج مما يعد من لوازم التفكير المنطقي النقدي والمنهج العلمي الاستنباطي؟.

 

 قلت له: ” لقد قلت كلاما في مستهل حديثك لو انتبهت إليه ما توترت للموضوع أصلا، فبالأحرى بهذا الشكل القوي، لقد قلت المستوى الاشهادي الذي فرض فيه تدريس المواد العلمية بالفرنسية، فهل التلميذ في هذا المستوى وفي غيره من المستويات يفهم الفرنسية أصلا وإن تحدث بها الأستاذ كأحسن من الفرنسيين؟، هل تغلب على مشاكلها نطقا وكتابة.. تفكيرا وتواصلا؟، ما أدراك أنL’estomac  لم تكن عنده غيرLe foie  .. وأن Le cœur لم يكن عنده غيرLes poumons  بالفرنسية طبعا؟.

كذبت الصور ة ولو صدقت.. القلب هو L’estomac وL’estomac هو Le cœur، وليكن الأمر عندك أنت أو عند غيرك غير ذلك، فالأمر عنده سيان كما يفهمه،  ولو فهمه غيره على فهمه لانتهى الإشكال، القلب عنده L’estomac وعندنا Le cœurوفي كل الأحوال هو قلب ولكن قبح الله الفرنسية بين قوسين وتواصلها البيداغوجي بلا قوسين؟.

 

ما أرعب هذا الفرض، الأستاذ الذي فرض عليه التعاقد.. الأستاذ الذي فرض عليه التقاعد.. التلميذ الذي فرضت عليه دراسة المواد العلمية ب Le français.. التلميذ الذي فرض عليه محشر الاكتظاظ.. والدراسة أحيانا في أجواء مشحونة بالشغب متوترة بالعنف متسترة عن ضعفها بالغش.. حذف الأفواج في المواد التجريبية في الإعدادي.. الأقسام المشتركة في الابتدائي.. ضعف وانعدام الوسائل التوضيحية.. غياب الوسائل التقنية والفرق الإبداعية.. جنينية المواكبة الأسرية.. تهميش الدورات التكوينية وتعلم المهارات الحياتية والتربية على القيم والمواطنة والسلوك المدني..، ونريد ألا يخلط التلميذ بين القلب والمعدة وهو الذي من فقر المختبرات قد لا يكون شاهد القلب و المعدة إلا قلبه إذا خفق ومعدته إذا جاعت؟.

 

إن السيد وزير التربية الوطنية قد صرح هذه السنة ببعض التصريحات الخطيرة والهامة في نفس الوقت، عندما قال : أن “77% من تلاميذ الابتدائي لا يتقنون التعلمات المستهدفة في هذه المرحلة، وهي فقط مهارة القراءة والكتابة والحساب والتعبير لا غير، أو عندما قال: “إن تعليم التلميذ بالحرف العربي والحرف الفرنسي والحرف الأمازيغي في نفس الوقت أمر صعب، أو عندما قال مؤخرا: “أن الإصلاح رغم كل ما كان يصرف عليه من ميزانيات .. فإنه لم يدخل الفصول الدراسية بعد ولم يلامس واقع التلميذ ومعيقات تمدرسه، وهذه جرأة لا مثيل لها ولا قبل للمنظومة بها، ويشكر عليها.. ولكن من جهة أخرى، هذا ما كان يقوله الأساتذة قبله وبعده ولا من يستمع إليهم؟.

لا بد من جرأة في القرار التربوي تكون على مستوى الجرأة في التصريح والتصحيح، وقد يقول قائل، ولكن الفرنسية في المغرب لا زالت.. ولا زالت.. ولا زالت طبقات من الناس يتحدثون بها.. يأكلون ويلبسون بها.. يقاولون ويشتغلون بها.. فأولا هذا خرق دستوري لا أدري متى سنخرج من متاهاته، ولكن، يظل الأمر من حقهم والاختيار اختيارهم، ولهم أن يتقنوا لغتهم المستعارة ويحذقوها كما يشاؤون، لكن أن يفرضوها على الأمة ككل فهذا أمر مرفوض، وهم الذين كافح أجدادهم فرنسا الاستعمارية بلا قيد ولا شرط وجاهدوا فيها جهادا كبيرا، اقروا حيثيات وأحداث 11 يناير التي نعيش ذكرها الوطنية الخالدة هذه الأيام، ستجدون من علماء المغرب المجاهدين من شدة غطرسة فرنسا ومساسها بالدين والهوية والوحدة والتنمية، من قال: “سأظل أكره فرنسا ما حييت، ووصيتي إلى أبناء بلدي وأحفادي أن يكون كذلك؟.

 

مسألة أخرى في إطار الإنصاف والموضوعية، ما سئل عنه التلاميذ في الامتحان جد بسيط يستطيع الإجابة عنه حتى من لم يلجوا أبواب المدرسة قط ربما بالصور فقط، وبالتالي نتساءل عن جدوى قضاء ما لا يقل عن تسع سنوات في التدريس الأساسي، وما حصيلة كل تلك السنوات أم أنها مجرد سنوات الضياع؟، ولكن، للموضوعية نتساءل أيضا عن الإشراف التربوي وغيابه الذي جعله لم يقف مثلا عند هذه الوضعيات التربوية ولم يشخصها أو يساهم في تجاوزها؟، ونتساءل أيضا عن غياب وارتجال الدعم التربوي الذي لم يعالج مثل هذه البياضات والتعثرات في حينها؟، ولن نتساءل عن الظروف التي يدرس فيها هذا التلميذ من.. ومن.. ومن..وكل حصيلتها أنها جعلت من القلب معدة ومن الدماغ أمعاء وتفتخر؟. قد تسقط كل التساؤلات على أهميتها إلا سؤال لغة التدريس الذي أثبتت سنوات التعريب أن العربية وحدها قد عالجت العديد من النواقص وكان التلاميذ في عهدها على الأقل يسمون الأشياء بأسمائها؟.

وأخيرا، لغة التدريس خيار إصلاحي وباب واسع ورافع من أبوابه، وأعتقد أن أبواب الإصلاح تستلزم الحوار والتعاون بين جميع الأطراف كل من مكانه وبإمكانه، ولنأخذ لغة التدريس في المملكة الشريفة مأخذ الجد والسيادة، بتفعيل قانون الإطار في الموضوع وهو الذي يتحدث بكل صراحة عن تنمية اللغة العربية والانفتاح على اللغات الحية الأخرى.. بالمناولة والتناوب اللغوي وليس بالتعويض كما يحدث الآن في هذا الانحراف والاجهاش اللغوي.. العربية يعني تدريس المواد العلمية بالعربية.. والمناولة أو التناوب اللغوي يعني إمكانية تدريس بعض المجزوءات من المواد العلمية بلغات أخرى وليس كل المجزوءات.. وليس اللغة الفرنسية بالذات، وخلاف ذلك لن يؤدي إلا إلى احتقار اللغة العربية في وطنها، مما سيفتح الباب على مصراعيه لأمواج عاتية جارفة من الاستلاب الفكري والأخلاقي والعلمي والإعلامي، وبعدها لا غرابة في أن تتدنى نتائج تلامذتنا ولا غرابة في أن يسموا لنا Le cœur ب L’estomac  و يسمون لنا  Le cerveau  ب  Les intestins أو حتى يعتقدون بذلك؟.

التعليقات مغلقة.