تحديث الإدارة العمومية بالمغرب

إعداد: مراد عليوي

تعرف الإدارة العمومية المغربية مجموعة من الاختلالات الهيكلية التي تقف عائقا أمام لعب أدوارها في التنمية المستدامة والشاملة، ولتجاوز هذه الإشكالات، عملت الدولة المغربية منذ مدة وعبر مراحل على بلورة مجموعة من الإصلاحات، وذلك بإدخال مجموعة من التعديلات، والتغييرات، والمستجدات، من أجل أن تواكب المستجدات الداخلية والخارجية، وتلائم الأرضية الجذابة لاستقطاب المستثمرين، وأن تكون أكثر حداثة وعصرنة، وتلبي حاجيات ومتطلبات المواطنين.

 

وتتجلى أهم التعديلات في تخليق المرفق العمومي من خلال اعتماد مقاربات، وآليات وأدوات، ووسائل، حديثة، تعتبر الركيزة الأساسية للنهوض بها، كالتصريح الإجباري بالممتلكات، والإعلان عن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة.

كما تم العمل على تخليق الحياة العامة والسياسية، عبر الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وجعل الإدارة العمومية المغربية أكثر انفتاحا على المرتفقات والمرتفقين.

كما تعد الإدارة آلية أساسية لتنفيذ برامج الدولة وسياساتها العمومية، في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإنها تعتبر وسيلة لخدمة حاجيات المواطنين بشتى أصنافها ، وفق مبادئ ومعايير تدبيرية معينة يحددها الدستور.

وقد حرص المغرب منذ استقلاله على بناء وإرساء دعائم الإدارة، وتماشيا مع تيارات التحديث عمد المغرب إلى القيام  بإصلاحات مهمة ، تهدف إلى تأمين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي مع ضرورة الانفتاح على العالم.

وقد كان ميدان الإدارة من أبرز الميادين المستهدفة من قبل الإصلاح الذي جاء نتيجة دوافع عالمية خارجية وأخرى داخلية، كذلك أعلنت عن ضرورة ملحة لتحسين وعصرنة التسيير الإداري وتحديث المؤسسات العمومية، التي تعتبر حلقة مكملة لباقي الإصلاحات في مجالات أخرى؛ فالإدارة السليمة للاقتصاد لا تقتصر على السياسات التي تتبعها وإنما تعتمد على المؤسسات التي تترجمها على أرض الواقع وتسهم في نجاعتها.

  1. تشخيص الوضعية الراهنة:

  • اهتمام الادارة في غالب الاحيان بالتدبير اليومي و تجاهل البعد العلائقي للادارة.

  • تعدد المساطر وكثرة الوثائق المطلوبة من المرتفقين.

  • عدم احترام أوقات العمل من طرف بعض الموظفين.

  • تغييب المرتفق في إعداد بعض السياسات والبرامج المعدة أولا لتلبية رغباته والاستجابة لحاجياته.

  • عدم التقييد الفوري للإدارة بتنفيذ بعض الاحكام القضائية النهائية في مواجهتها مما يولد لدى المرتفق عدم الثقة في الادارة.

  • عدم تعليل بعض الإدارات لقراراتها في حق المرتفقين، مما يولد لديهم الشك والريبة في مصداقية الإدارة.

  • غياب رؤية شمولية للاستقبال والإرشاد، حيث يتم تخصيص مقر دون توفير الوسائل و الأطر الكفؤة.

  • عدم توفر معظم الادارات على ملحقات تسهل الاهتداء إلى المرفق والمكاتب داخل بنية الإدارة.

  • غياب الوعي بأهمية الشكايات والتطلعات كرافد من روافد إصلاح الإدارة وتحسين أساليب تنظيمها و تدبيرها.

هذه الوضعية فرضت القيام بعدة إجراءات من أجل معالجة هذه الاختلالات، تتمثل في منطلقات أساسية لعملية الإصلاح، وهذا ما سأتطرق إليه في المحور الثالث.

  1. المنطلقات الأساسية للإصلاح الإداري الشمولي ببلادنا

 

  • دعم اللاتركيز الإداري و إعادة تجديد مهام الإدارة:

ذلك أن اللاتركيز الإداري يعد الدعامة الضرورية لبرنامج إصلاح الإدارة في إطار سياسة لإعداد التراب قائمة على اللامركزية والجهوية ويعتبر الركيزة الأساسية في عملية ترشيد العمل الإداري وتحسين جودة الخدمات من هنا تظهر ضرورة:

  • سن سياسة إدارية قوامها العمل على تقليص عدد الهياكل والبنيات الإدارية.

  • ضرورة تشجيع الادارات العمومية على الانفتاح على تنظيمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في إطار الشراكة والتعاقد.

  • تعزيز سلطات المراقبة والتقييم لحسن معالجة وتدبير الإكراهات المترتبة عن اللاتمركز.

 

  • دعم الأخلاقيات بالمرفق العام:

كمقاربة شمولية تتوخى تعزيز مبدأ سيادة الأخلاق كعنصر أساسي لإنجاز مختلف المبادرات والبرامج الإصلاحية مما ينعكس إيجابا على إنعاش الاستثمار ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أن انعدام الاخلاقيات يكون سببا لفقدان المستثمر والمواطن الثقة في الإدارة وصعوبة جلب الاستثمار من هنت تظهر:

  • ضرورة الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني الناشطة في مجال تخليق الحياة العامة.

  • ترسيخ مبدأ إقرار المساءلة.

  • قانون التصريح بالممتلكات.

  • دور المفتشيات العامة للوزارات في المراقبة الميدانية الفعالة.

  • أكتوبر 2011 القانون المتعلق بحماية الشهود والمبلغين، فيما يخص جرائم الرشوة، الاختلاس، واستغلال النفوذ.

  • وطبقا لمقتضيات المادة 272 من ق.ت.113.14 يجب على الجماعة تحت إشراف رئيس مجلسها، اعتماد التقييم لأدائها والمراقبة الداخلية، كما تقوم بدراسة تقارير الافتحاص ونشرها بجميع الوسائل الممكنة ليطلع عليها العموم.

  • علاقة الادارة بالمتعاملين معها:

 وجب الانتقال من إدارة إدارية إلى إدارة مواطنة وذلك بجعل التواصل مع جميع المرتفقين من الانشغالات الاساسية للإدارات العمومية. ومن الإجراءات المساعدة على تحسين العلاقة بين الإدارة والمرتفقين:

  • تحسين الاستقبال ومعالجة الشكايات والتظلمات.

  • تعليق آجال الرد على طلبات المرتفقين والبث في ملفاتهم.

  • مأسسة استطلاع الرأي لدى المرتفقين لمعرفة حاجياتهم ومدى رضاهم عن الخدمات المقدمة لهم.

  • إلزام الادارة بتعليل القرارات.

  • اعتماد الشباك الوحيد في تقديم أكثر ما يمكن من الخدمات للمرتفقين.

  • تكوين وتأهيل الموارد البشرية:

إن رهان الإصلاح الإداري لا يتحقق إلا من خلال حسن استثمار الرأسمال البشري وتحفيزه عبر ضرورة اعتماد التكوين اللامركزي للموارد البشرية:

  • تحسين النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على مستوى التوظيف والتنقيط والتكوين المستمر والترقي.

  • اعتماد أسلوب المباراة كوسيلة وحيدة للتوظيف.

  • ترشيد التوظيف.

  • القانون المتعلق بالتعين في المناصب العليا.

  • مرسوم تحديد شروط وكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العليا.

  • إصلاح منظومات الأجور في الوظيفة العمومية:

واقع منظومات الأجور في الوظيفة العمومية يستدعي إعادة النظر في هذه المنظومة بإقرار مبدأ العدالة والإنصاف والحد من الفوارق الشاسعة بين الأجور العليا والدنيا.

  • تبسيط المساطر و الإجراءات الإدارية:

التخفيف من الهياكل الإدارية وتجميع الوحدات الإدارية التي تتدخل في نفس المسطرة والتقليل من الوثائق الإدارية ذات الصلة المباشرة بالمواطنين والمستثمرين.

  • تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات والاتصال:

و ذلك من أجل الارتقاء بالإدارة المغربية إلى الفعالية والإنتاجية العالية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين ولتحقيق ذلك:

  • تحسيس المواطن وحثه على الانترنت كوسيلة سهلة وسريعة للمعاملات الإدارية.

  • تشجيع وتعميم تكنولوجيا المعلوميات بما فيها الانترنت والحواسب على الإدارات العمومية والجماعات الترابية.

  • تكوين و تأهيل موظفي الإدارات العمومية في تكنولوجيا المعلوميات.

  • الانتقال بالإدارة من الورق إلى المساطر على الخط.

  • إطلاق بوابات الكترونية وخدمات إدارية على الخط: ( – البطاقة الوطنية الالكترونية – سجل الحالة المدنية – البطاقة الرمادية – رخصة السياقة – التصريح الضريبي…)

خلاصة :

       من أجل إنجاح عملية الإصلاح الإداري لا بد من توفر إرادة سياسية حقيقية وتظافر جهود جميع المتدخلين، وتأهيل الموارد البشرية…، وكما جاء في خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية  “إن اصلاح الادارة يتطلب تغيير السلوكيات والعقليات، وجودة التشريعات، من أجل مرفق إداري عمومي فعال في خدمة المواطن”.

التعليقات مغلقة.