سلسلة معلومات وقصص ومباحث في الاستخبارات:  الاستخبارات الوقائية

عبد المجيد الادريسي

يقسم العمل الاستخباري بالقياس الى طبيعة جغرافية عمله إلى ثلاثة محاور أساسية هي: الاستخبارات الوقائية (الجنائية الداخلية)/ الاستخبارات الدفاعية وأخيراً الاستخبارات الهجومية؛ ولكن جغرافية العمل الاستخباري تتبعها بالضرورة، كما سنرى، اختلاف المهام وسبل العمل للمحاور الثلاث، ولكنها تتطابق بأسلوب المعالجة، أحد أذرعها يعتمد على جمع المعلومات وتحليلها وتدقيقها، ومن ثم تحويل المعلومة الى القيادة لتنتج عنها قرارات مصيرية.

الاستخبارات الدفاعية والاسخبارات الوقائية ما العلاقة بينهما؟
الاستخبارات الدفاعية والاسخبارات الوقائية ما العلاقة بينهما؟

إن ما نعنيه بالتقسيم الجغرافي للمحاور الاستخبارية، أن هنالك استخبارات هجومية مهمتها اختراق العدو في عقر داره وخرق معلوماته، وزرع العملاء في نظامه، تعمل كفيروسات تسعى لتحطيم العدو والحصول على بياناته، وبطبيعة الحال فإن مجال عمل تلك الاجهزة هي خارج حدود الوطن.

 

ونعني بالاستخبارات الدفاعية، الاستخبارات المعنية بصد محاولات العدو لاختراق منظوماتنا الوطنية، وعرقلة عملها عبر أراضينا ومؤسساتنا، والعناية بكل أنواع الجرائم التي لها امتدادات إلى خارج الوطن، فيما نقصد بالاستخبارات الجنائية تلك التي تختص بالجرائم التي لها محدودية جغرافية على أرض الوطن.

 

والحقيقة أن هنالك خلط كبير بين الاستخبارات الدفاعية والاستخبارات الوقائية الجنائية، حيث تبدو متشابهة في بعض الاحيان، والفرق بين الاثنين واضح، فكل جريمة داخلية بحاجه الى استخبارات وقائية، وكل جريمة لها بعد يتعدى الحدود فإنها تكون بعهدة الاستخبارات الدفاعية، وتدمج بعض الدول المحورين في تشكيل واحد ك (اف بي آي في امريكا)، فهو يقوم بدور استخبارات وطنية على محورين وقائي ودفاعي.

فالاستخبارات الدفاعية يجب ان تذهب للاستخبار عن الجرائم المتواصلة خارج نطاق إقليم الدولة داخله او خارجه من جغرافيا البلد، كغسيل الاموال، الاتجار في البشر، الجريمة المنظمة الممتدة الى الخارج، تجارة المخدرات والإرهاب.

اما الوقائية فهي تنحصر داخل إقليم الدولة، كتزييف العملة، الغش، الفساد الاداري، الفساد المالي، الجرائم الجنائية، الربح غير المشروع، التزوير، السلاح، السرقات، السطو المسلح، الجرائم الخادشة للسلوك العام، انتحال الصفة، الخطف والتنظيم العصابي وماشابه…. . 

الاستخبارات الوقائية

ما نقصده , كما اسلفنا، هي شبكة الاستخبارات الواجب انتشارها على مبدأ الوقاية خير من العلاج، وأن تكون مساحة عملها داخل اقليم الدولة، حيث تدقق وتراقب الاداء الحكومي والسلوك العام والمتجاوزين على المال العام، ومراقبة اي سلوك غير قانوني ولا اخلاقي، ينتشر بين بعض الفئات العمرية للشباب مثل المخدرات والممنوعات، فلا بد من وجود مؤسسة استخبارية تراقب وترصد هذا السلوك، وتتعرف على الممولين والبائعين والناقلين، كما ترصد الانحراف الفكري الذي تقوم به المنظمات الارهابية من تجنيد واصطياد الشباب في شباكها وبث روح الكراهيه فيهم.

فمن الواجبات المهمة التي يجب على الاستخبارات الوقائية معرفتها والبحث والترصد عنها هي: الجريمة، الجريمة العصابية، الاحتكار، التهريب، التهرب الضريبي، الفساد الاداري، الفساد المالي، الاختلاس، الاضرار بالممتلكات العامة، السرقة، المخدرات، تجارة الاعضاء البشرية , التزوير، خدش السلوك العام، التعدي، تهديد أمن المواطنين، نشر التطرف، التلاعب بالعملة، الربح غير المشروع، قطع الطرق، تلوث البيئة، السطو المسلح، تجاره السلاح، وغيرها من الجرائم والاعمال التي تقع على عاتق الدولة والمناط بالحكومة مراقبتها ومكافحتها، وهو ما يعني ان الاستخبارات الوقائية هي التي تحصّن اقليم الدولة والشعب والحكومة.

الاستخبارات الوقائية في المغرب

لدينا في المغرب مكتب جمع معلومات في كل دائرة وهيئة ومؤسسة ووزارة، ففي هيئة النزاهة مثلاً هنالك مكتب للمعلومات، وفي مكاتب المفتشين العموميين هنالك مكاتب معلومات، وايضا في مؤسسات الرقابة المالية، وكذلك في البنك المركزي، وفي وزارة الداخلية هنالك وكالة استخبارات للداخلية، والتي يجب ان تخصص الكثير من عملها لمكافحة الجرائم.

أيضا في مراكز الشرطة هناك تحريات، وضابط أمن المنشاة أيضا لديه قسم استخبارات يجمع له المعلومات، ولدينا في كل مؤسسة حكومية مكتب للتصاريح الأمنية، وهو الذي يقوم بتقييم صلاحية الموظفين امنياً وسلامة موقفهم الامني وتعتمد هذه المكاتب بالاساس على جهاز الامن الوطني، وحتى الادلة الجنائيه هي استخبارات جنائية و التحريات والمراقبة الالكترونية (الكاميرات) في الدوائر، كلها انواع من الاستخبار، وكذا الاشراف القضائي الذي يعد نوع من انواع الاستخبار حول اداء القضاة.

أن كل مكتب من تلك المكاتب بحاجه الى مركز معلومات استخبارية، يوثق كل حالات الجمع العام، ليكون مركزا قادرا على دعم النشاط الأمني.

أي أنه لدينا مكاتب أمنية تخلط بين الامن والاستخبارات في كل دائرة من اصغر حلقة الى اهم وزارة امنية، ولكن المشكلة ان تلك المكاتب،  كما قلنا، مقطعة الاوصال وتعمل بشكل منفصل بمعلومات ناقصة واحادية وضمن نطاقات ضيقة، وبالتأكيد فإن مخرجات تلك المكاتب هي دوماً ضبابية وذات فائدة محدودة.

فلو ان موظفاً في مركز ودائرة حساسة خطيرة، زاره شقيقه او زاره صديق، كيف للمكتب الأمني للدائرة أن تعلم أن هذا الزائر هو من تجار المخدرات الخطرين الواجب تحديد تحركاتهم ومنعهم من الدخول إلى الدوائر الامنية الحساسة، ومن أين للدائرة ان تعلم ان للموظف هذا شقيق يمثل خطورة على العمل الامني؟ الجواب: لا أحد، والسبب أن هذه المعلومة موجودة في مكان آخر ودائرة اخرى، ومن ثم لا جامع بين المعلومتين، ولا أحد يستطيع درء المخاطر المحتملة، ولنا أن نضرب عشرات الأمثلة على تشابك المعلومات الاستخبارية وتشتتها.

ومن هنا نحن نبحث عن وعاء جامع للمعلومات الاستخارية يجمع كل شيء داخل البلاد، ويتيح للمكاتب الأمنية أن تنهل منه حاجتها،  و لا نناقش تأسيس مؤسسات استخبارية من حيث الهيكلية، لأن المؤسسات الاستخبارية تختلف من دولة ألى أخرى.

 

إن السلامة الوطنية أو الاستخبارات الداخلية تستطيع (من خلال مركز المعلومات) إنتاج كم هائل من التحاليل والدراسات والاستشارات لوضع حلول منطقية وصحيحة واستباقية للامن، فنحن بحاجة إلى عقل قادر على التنسيق وخلق حالة من الانسجام بين جميع صنوف جمع المعلومات داخل البلد ورسم سياسات، ووضع قوانين وتشريعات تنظم هذا الدور الكبير حتى نصل الى مجتمع استخباري داخلي ليصبح عيناً كاشفة واستباقية تضمن السلامة الوطنية.

فالأولويات تكون من خلال مركز وطني يقوم كمركز للمعلومات والتحليل والتنسيق ورسم السياسات والتدريب، لنستطيع أن نجمع الجهد الاستخباري وننظم المدخلات لتكون لدينا مخرجات حقيقية وصحيحة.

فتكون من المهمات الاستخبارية، هي تحليل المعلومات لتخدم الدراسات الاستراتيجية الخاصة بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والوضع العسكري والامني، لنتمكن من الخروج باستراتيجية تسمى باستراتيجية الامن الوطني، واستراتيجي يسمى (الارض وما عليها)، اي معرفة كل شيء عن المجتمع والثروات والامكانيات والحكومة والقدرات، والتهديدات، ولا باس بتطوير مركز البطاقة الوطنية ليتحول الى مركز المعلومات الوطنية.

إن تحقيق الأمن داخل إقليم الدولة يحتاج إلى متابعة ومراقبة وتدقيق وتقصي وعيون تبحث عن موطن الخلل.

وتتخذ الدول إجراءت تتناسب مع التهديدات والمشاكل الاجتماعية والجرائم وتركز عادة على خط بياني يبين ارتفاع وانخفاض الجريمة من خلال المؤسسة القضائية لتبين الحالات المرتفعة، وتعمد إلى جعل الأولوية للحالات المرتفعة وتضع جهازها الاستخباري ليتبني العمل حسب الخطوط البيانية المرتفعة.

فعندما ترتفع حالات السطو المسلح، تستنفر أجهزة الاستشعار والاستخبارات الداخلية او الوقائية للسيطرة على هذه الجريمة من خلال اذرعها لكن في الدول المتقدمه تكون العملية معكوسة، فالتحذير والخطر والاستشعار يصل من الاستخبارات قبل وصول المؤشر والاعمال الى القضاء أي أنها تعمل على مكافحة الظاهرة قبل انتشارها في المجتمع وقبل ان تتحول الى معضلة.

تقوم المؤسسة الاستخبارية بالتحسس على أن المجموعات العاملة في جريمة السطو المسلح بدأت تتهيأ للقيام بذلك، وتتخذ اجراءت رادعه قبل وقوع الجرائم بحق المواطنين، وهنا مكمن العمل الاستخباري، أي أنه هو المستشعر لا من خلال البيانات والحوادث وما يصل إلى الأجهزة القضائية، أي أن من مظاهر ضعف الاستخبارات أن تتحصل النتائج، بينما يكمن دورها الرئيسي في أن ترفد هي الجهات المعنية بالاستشعارات النابعة من تحليلها للمعلومات المتراكمة.

فالاستخبارات هي العين التي يجب أن تكون دوماً مع العدو والمجرم والعصابة والمهرب والمختلس والسارق والارهابي، بينما الأمن هو العين الساهرة لحماية الناس من السارق والارهابي والمجرم والقاتل….

والاستخبارات هي من تكون في خدمه جهاز الامن وتؤشر على الخطر والمشكلة مبكراً، وتحذر من التهديد، وتخبر عمّن يحاول ان يتجاوز القانون أو يخترق المقرات او يضر بالمال العام، ويتم هذا من خلال شبكة مخبرين واسعة في كل مكان داخل الوطن (موظف، سائق تكسي، عامل فندق، الخ ..)، فاذا قامت الاستحبارات بواجبها الصحيح تتراجع الجرائم ويعم الامن ويتقلص عمل الجهاز الامني.

يتبع#مباحث استخباراتية

التعليقات مغلقة.