من ذاكرة “راهن الاعلام المغربي، ظواهر وتساؤلات” عبد الكريم الأمراني..

عبد السلام انويكًة

من مواليد خمسينات القرن الماضي بمدينة تازة العتيقة عن أسرة عريقة أصيلة شهيرة، أبوه “الحاج عمر الأمراني”، رحمه الله نقيب الشرفاء الأمرانيين/العلويين بالمدينة، تابع دراسته الابتدائية ثم الثانوية حتى نال شهادة الباكالوريا، وكان دوما من المتفوقين خاصة في المواد الإنسانية والاجتماعية المفتوحة على ما هو جدل وفكر ورأي؛ شغوفا أيضا منذ سن مبكرة بكل عمل جماعي وانفتاح على الآخر، بحس واسع لحب معرفة وروح إضافة واستطلاع.

 

هكذا التحق بعالم وأنشطة الكشفية والعمل الثقافي الشبابي بكل مستوياته وتجلياته، فتميز وتفرد بشخصية قوية بروح بادرة وتطلعات، يكفي أنه كان بإسهامات فكرية عبر عروض وهو في ريعان شبابه، سواء أثناء مساره الدراسي بالثانوي خلال السنوات الأولى من سبعينات القرن الماضي، أو خارجه هنا وهناك بين دور شباب وجمعيات وفضاءات المدينة، ما لا يزال يحفظه أرشيف واسع مكتوب ومصور ضمن خزانة عدد من المهتمين من قبيل أرشيف الأستاذ “حميد حاجي”.

 

وقد تابع دراسته الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية “ظهر المهراز” بفاس سنوات السبعينات، وواصل مساره السياسي الفكري مع حركة “النضال الديمقراطي” ضمن قوى وطنية تقدمية يسارية، حيث تم اعتقاله أول مرة أواسط سبعينات القرن الماضي، أثناء النضال التلاميذي من أجل خلق ما كان يسمى ب”الوداديات”، فقضى فترة بسجن تازة قبل إطلاق سراحه ومعه مجموعة من المناضلين التقدميين التلاميذيين، لينتقل إلى تأطير شباب تازة عبر أنشطة منظمات وجمعيات فاعلة آنذاك في الساحة الفكرية والسياسية.

"راهن الاعلام المغربي، ظواهر وتساؤلات" عبد الكريم الأمراني
“راهن الاعلام المغربي، ظواهر وتساؤلات” عبد الكريم الأمراني

ذلك هو الأستاذ “عبد الكريم الأمراني” الغني عن التعريف في ذاكرة الصحافة المغربية، فهو أحد مؤسسي الصحافة المستقلة المكتوبة بالمغرب رفقة عدد من الأسماء، ورئيس تحرير جريدة “الأحداث المغربية” لسنوات.

وذلك هو هذا الاعلامي الذي ساهم في تأسيس النقابة الوطنية للتعليم عندما التحق بسلك التدريس، كأستاذ للسلك الثاني بثانوية “علي بن بري” بتازة، نهاية سبعينات القرن الماضي، فضلا عن تأسيسه للكنفدرالية الديمقراطية للشغل بهذه المدينة سنة 1978خلال نفس الفترة رفقة عدد من المناضلين التقدمين، وقد تحولت الى أول مركزية نقابية بتازة في ظرف وجيز.

ويسجل للأستاذ “عبد الكريم الأمراني” تعرضه للاعتقال للمرة الثانية في أبريل من سنة 1979، حيث عانى من أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي الذي مورس عليه، ولعلها فترة ما يعرف بسنوات الرصاص.

بل تم توقيفه عن العمل كأستاذ للسلك الثانوي صحبة ثلاثين من مناضلي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وكذا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتازة.

من تاريخ الاعلام الاذاعي بالمغرب..اذاعة فاس نموذجاً..

في نفس السنة بدأ الأستاذ “الأمراني” مساره الصحافي عبر جريدة “المحرر”، وما أدراك ما جريدة “المحرر” وطبيعة الأقلام والقضايا والتطلعات الوطنية التي كانت تؤثثها، وهي الجريدة المكتوبة واليومية التي تم توقيفها في شهر يونيو من سنة 1981، بعد أحداث الدار البيضاء الدامية.

 

هكذا، وبعد هذا المسار النضالي تم إطلاق سراحه بعد قضائه ستة أشهر سجنا بكل من سجن “عين قادوس” بفاس وسجن تازة، بتهمة الاخلال بالأمن العام وتنفيذ اضراب سياسي ممنوع.

حيث عاد مرة ثانية الى عمله كأستاذ بالتعليم الثانوي بثانوية “علي بن بري” بتازة،  بعد معاناة كبيرة جراء قرار توقيفه عن العمل، كما سبقت الاشارة لذلك، رفقة المئات من مناضلي قطاع التعليم والصحة العمومية على المستوى الوطني.

مع أهمية الاشارة الى أنه بعد كل هذه التجارب والمحن والمعاناة زادت شخصية هذا الأخير قوة، وزاد حضورها في المشهد السياسي المحلي، بحيث برز بكاريزما سياسية متميزة خلال المؤتمر الاقليمي الأول لحزب القوات الشعبية بتازة ليصبح عضوا بالكتابة الاقليمية، وليعمل مراسلا مناضلا لجريدة “المحرر” من تازة خلال هذه الفترة، وهي الجريدة التي أسسها “عمر بن جلون” سنة 1974، قبل توقيفها كما سبقت الاشارة، ويسجل للأستاذ “عبد الكريم الأمراني” الصحافي ومراسل جريدة “المحرر” أنه كتب حول مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تخص تازة والإقليم، ونقل كل هموم ومعاناة المنطقة في كل المستويات خلال هذه الفترة، وعليه فهو يتوفر على أرشيف وثائقي هام جدا هو بمثابة وثائق تاريخية.

 

يذكر أن الأستاذ “عبد الكريم الأمراني” قرر مغادرة تازة صوب مدينة الدار البيضاء مطلع ثمانينات القرن الماضي، حيث واصل العمل الصحافي فضلا عن المهمة التربوية كأستاذ للثانوي، بحيث بعد توقيف جريدة “المحرر” انفتح على منابر ويوميات وجرائد أخرى كانت تصدر آنذاك من قبيل جريدة” الديمقراطية العمالية” وجريدة”البلاغ المغربي”..الخ، وعندما ظهرت جريدة “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، التحق بها مشرفا على العديد من ملاحقها وخاصة منها ملحق الأسبوع التلفزي والملحق التربوي، ثم الصفحة الأخيرة، ناهيك عن أعمال الترجمة الصحافية لكونه من الذين يتقنون اللغة الفرنسية بحكم طبيعة المسار الدراسي والتكوين والتثقيف الذاتي.

ويسجل أن سنة 1983 شهدت إعلان قطيعته مع العمل السياسي والنقابي، حيث تفرغ للكتابة الصحافية وعمل الترجمات فقط الى غاية تسعينات القرن الماضي عندما غادر جريدة “الاتحاد الاشتراكي” التي كان من أقلامها وعلاماتها المشرقة لسنوات وسنوات.

فيلم الهائم .. في سينما الهواء الطلق..

ومع نهاية تسعينات القرن الماضي دخل تجربة عمل صحافي جديد ساهم بفعالية في تأسيسه، ويتعلق الأمر بجريدة ويومية “الأحداث المغربية” كمنبر حداثي مستقل رفقة عدد من الصحافيين المغاربة المرموقين المحسوبين على رؤوس الأصابع من قبيل الأستاذ “البريني” و”مؤيد”..الخ.

هكذا تحمل الأستاذ “عبد الكريم الأمراني” التازي قيادة هذه التجربة الجديدة بالمغرب كرئيس تحرير لجريدة “الأحداث المغربية” لسنوات، والتي قفزت الى الواجهة في ظرف وجيز جدا حيث أصبحت اليومية الأولى في المغرب من حيث عدد القراء والسحب، بالنظر لما كانت عليه من تميز وطرح وقضايا وتنوير وكلمة قوية وأسماء وازنة صحافية متعاونة من مختلف المدن والمناطق المغربية، لدرجة أن نسج الجريدة كانت تنفد خلال الفترة الصباحية من شدة ما كان عليها من اقبال غير مسبوق وطنيا.

ولعل الأستاذ “عبد الكريم الأمراني”، رئيس تحريرها وأحد مهندسي إخراجها ومحتواها وقضاياها المثيرة الجدية والجديدة الراهنة، كان بفضل رفقة زملاءه في يومية “الأحداث المغربية” لما كانت عليه من سلطة رمزية ومصداقية وهيبة صحافية مكتوبة.

 

ويسجل للأستاذ “الأمراني” ضمن مساره الإعلامي أيضا ، كونه ممن أسس جريدة “صوت الناس”، أواسط العقد الأول من الألفية الجديدة، بحيث كان مدير تحريرها.

كما اشتهر الأستاذ “الأمراني” بانفتاحه على عدد من اليوميات المغربية التي كانت بقدر كبير من الفعل والدينامية، من قبيل يومية “الصباح” والتي كان يطل عبرها على قراءه ومتتبعيه من خلال عمود متميز موسوم “ضد التيار”.

ولعل لابن تازة البار، هذا الاعلامي الكبير الذي يصعب القفز على عنوانه واسمه ومكانته وكفاءته في مشهد الصحافة المغربية وتطوراتها خلال سنوات السبعينات والثمانينات والتسعينات، عدد من الترجمات، وكذا المؤلفات المهمة جدا، فضلا عن سيرة ذاتية بحوالي ألف صفحة يتوقع أن ترى النور قريبا، تنويرا للقراء والمهتمين من الجيل الجديد حول ما طبع مغرب الماضي القريب من تحولات وتطورات، وما شهده العمل الصحافي المغربي عموما من تفاعلات وتلاقحات وتجارب باتت جزءا من ذاكرة البلاد الرمزية الجماعية.

 

ولعل للأستاذ “الأمراني” هذا مكانة خاصة في مدينه تازة، لِما قدمه للمدينة من خدمات عبر مستويات عدة، منها فعل العمل الاعلامي، بحيث لم تكن تازة تغيب عن أثاث ومواد جريدة “المحرر”، وجريدة “الاتحاد الاشتراكي”، وجريدة “الأحداث المغربية” وجريدة “صوت الناس”..الخ، سواء من خلال ما كان يناقشه ويتناوله من قضايا راهنة اجتماعية واقتصادية وتنموية تخص المدينة والاقليم، أو من خلال ما كان ينشر بشكل على صفحات يومية “الاتحاد الاشتراكي” و” الأحداث المغربية”، من قبل الأستاذ “عبد الإله بسكًمار” الذي عمل مراسلا للجريدتين لسنوات وسنوات.

 

وكان النادي التازي للصحافة كإطار جمعوي منذ نهاية تسعينات القرن الماضي والى عهد قريب، والذي كان يؤثثه عدد من الفاعلين الصحافيين الاعلاميين والمراسلين المتميزين الذين اعطوا الكثير للمدينة والإقليم والجهة، من قبيل الأستاذ “عبد الاله بسكًمار”، “عبد السلام انويكًة”، “محمد اليعقوبي” “عبد السلام بلعرج”، “عبد القادر الوالي”، “منصف الزهيني” والأستاذ الغازي العاجل..الخ، قد نظم لقاءا مفتوحا مع الأستاذ “عبد الكريم الأمراني” بمناسبة اليوم العالمي للصحافة قبل ثلاثة عشرة سنة (3 ماي 2010)، في موضوع بقدر كبير من السؤال والأهمية والاستشراف: “راهن الإعلام المغربي..ظواهر وتساؤلات”، وذلك بقاعة الندوات بالمديرية الجهوية لوزارة الثقافة بتازة، وكان هذا اللقاء مرفوقا بمعرض صور مواز خاص بالذاكرة التازية.

كان موعدا ولقاء مفتوحا مع معلمة وعلامة إعلامية وطنية، أثثه حضور واسع عن فعل الثقافة والابداع والاعلام والنقابة والسياسة والعمل الجمعوي محليا.. وأثثه نقاش عميق يحفظه الأرشيف وقد استحضر مساحات واسعة من قضايا الصحافة المغربية وهمومها وتحدياتها ومعها قضايا البلاد والعباد.

فيلم الهائم .. في سينما الهواء الطلق..

التعليقات مغلقة.