الجمعيات النسائية وآش بغات الوقت

بقلم ذ. المصطفي عبسي

أتوقع جازما أن الرجل في ظل الحملات المسعورة التي تساق ضده، من طرف الجمعيات النسائية برعاية منظمة الأمم المتحدة، التي تدعي الحداثة، سيصبح أسيرا مغلوبا على أمره، فيغيب منطق الكرامة لديه و يحضر الإبداع في إذلاله بالإذعان لأوامر أو ابتزازات المرأة تحت غطاء القوانين، ما عدا إذا كانت هذه الأخيرة أصيلة وذات سلوك قويم ومنهج تربوي سليم لا تتأثر بما يحاك حولها من مناورات بدعوى الدفاع عن حقوقها.

أعتقد ان المشكل الحقيقي يكمن في كيفية تفعيل القوانين وتنفيد الأحكام القضائية وليس في تغيير القوانين بحد ذاتها.

 

و هذه الجمعيات بقيامها بهذه الحملات المدبرة تكون قد تجاسرت على حق المجتمع، المحافظ خصوصا، في الحفاظ على هويته وقيمه و صوله وتحصينها، وضربت عرض الحائط مبدأ الحق في الاختلاف، وبدل الإصرار على تغيير القوانين كان من الأجدى توجيه نضالها من أجل تفعيلها وتطبيقها.

 

إنها تريد بمواقفها هاته أن تدفع بالمجتمع نحو خندق واحد يسوده “الانحلال والفجور و انعدام الأخلاق”، علما أن المجتمع المغربي يستمد قوته واستقراره من خلال تنوع التقاليد والأعراف وتعدد الثقافات واختلاف الشرائح المكونة له بحيث يتعايش الكل في سلم وطمأنينة.

 

وتريد أن تكرس صورة نمطية سلبية على الذكر أنه دائما هو ذلك البعبع الذي لا يقهر والطاغي الذي يقهر المرأة ويهضم حقوقها وحقوق أطفالها، وأنها هي تلك الضحية التي تكافح وتناضل من أجل أطفالها، وما نراه من تفاهة تحت مسمى الفن بقنواتنا التلفزية يستخلص تمويلها من جيوب دافعي الضرائب دليل على ذلك، ويعج برسائل لا حصر لها من هذا القبيل.

 

لكن في الواقع قد لا تجد من ما تبرر به حملاتها سوى حالات معزولة، على كثرتها لا تشكل القاعدة، ويناهضها وينبذها الرجل قبل المرأة، فالرجل المغربي الأصيل لا يقبل البتة أن يعامل طفل معاملة سيئة أو تعنف امرأة من طرف أي كان أمام أنظاره.

 

فبمقابل تأكيدها على تفشي العنف والحيف القانوني ضد النساء يجب عليها ألا تنكر وجود عنف وحيف يعاني منهما الرجال كذلك، و هذا يقودني إلى طرح الأسئلة التالية:

لماذا بوصلة هذه الجمعيات موجهة للرجال فقط دون النساء؟ 

أليست هناك من النساء من تعنف الرجل اقتصاديا نفسيا وعاطفيا فتستغل ما يتوفر من قوانين لجرجرته وحرمانه من فلذات كبده بإيعاز من هذه الجمعية أو تلك؟

إن الدفاع عن حقوق المرأة أمر مستحب وضرورة ملحة وأمر لا جدال فيه، لكنه يقتضي إعمال العقل واتخاذ الحكمة والرزانة منهجا، لا أن يتم بتجييش وتهييج الرأي العام، ويكمن بالأساس في تأطير المرأة وتكوينها بشكل يجعلها لا تنسلخ عن هويتها وقيمها وتتشبت وتفتخر بدورها الأساسي الذي لا يمكن أن يقوم به غيرها ولا ينازعها فيه أحد ولا تتنازل عنه، ألا وهو تربية الأبناء، ولا ترى في الرجل ندا وعدوا.

 

لو انكبت هذه الجمعيات على الدفاع عن حقوق المرأة بالمشاركة والضغط والتوعية والدفع في اتجاه أوراش إصلاحية كبرى في القضاء والتعليم والصحة والإعلام والثقافة وكل المجالات، كل جمعية من موقعها، لكانت النتائج فعالة عكس ما تروج له من سخافات لن تجدي نفعا سوى في تمزيق المجتمع بتفتيت أكبر للأسر.

 

يجب عليها أن توضح أهدافها وتكشف عن أجندتها وداعميها ومموليها، والمنطق يقتضي إن افترضنا وجود النية السليمة من طرفها، أن تقوم بدراسات علمية معمقة خاصة بتركيبة المجتمع المغربي تفيد بأن ما تنشده من تغيير للقوانين سيفي بالغرض وسيؤسس لمجتمع فاضل،

 

ولا أعتقد بتاتا أنها متأكدة في غياب هذه الدراسات مما قد تؤول إليه الأوضاع الأسرية من خلال التطاول على شرع الله والقيم الفضلى للمجتمع المغربي المبني أساسا على مبادئ إسلامية ضاربة في تاريخه.

 

لو كرست هذه الجمعيات كل جهودها لإنصاف الضحايا عبر ما يتوفر من قوانين لكانت النتيجة مذهلة أو على الأقل أقل ضررا، لكنها ترى الأمور بعين فرانكفونية لأن مؤسساتها ذوات تكوين فرانكفوني، ولو أبدع الفنانون المنضمون لها في أعمالهم التلفزيونية لتوعية الرجل كما المرأة عكس ما يروجون له عبر أعمالهم التافهة التي تبعث على الانحلال والتطبيع مع عادات لا قبل للمجتمع المغربي بها، لعرف الطرفان الرجل والمرأة حدودهما وحقوقهما وواجباتهما دون اللجوء إلى هذا التحامل المبالغ فيه على الدين والأسرة. 

كل ما في الأمر حسب رأيي أن هناك حملة شرسة عالمية على القيم النبيلة بالأسر المحافظة وكل ما يمت بصلة إلى الحياء والحشمة والوقار والعفة، بغرض إشاعة كل ما هو مقرف ومخز بدعوى التحضر والانفتاح والحداثة. 

 

إننا وآباءنا وأبناءنا وأجدادنا نعيش بسلام واطمئنان فيما بيننا، تربطنا أواصر قوية من الرحمة والاحتضان و التقدير لا محيد لنا عنها دون أن ننظر إلى القوانين حتى، ولا ننتظر من من فشلت (أو فشل) في تأسيس أسرة مثينة لنفسها (لنفسه) أن تعلمنا (يعلمنا) كيف نحافظ على أسرنا، وكيف نحمي أطفالنا ونحفظ حقوقهم، لا أنكر أن هناك حالات شاذة تكون ضحيتها المرأة كما يكون ضحيتها الرجل كذلك، لكن وجب النظر إليها من باب إحقاق العدل وإنصاف المظلومة أو المظلوم، وليس بناء على حقد دفين من منطلق تجارب سبق وعاشها هذا الطرف أو ذاك وباءت بالفشل.

 

قد يكون من القوانين ما تشوبه نواقص، لكن وجب تغييب الذاتية واستحضار الموضوعية عند الانكباب على دراستها أو تعديلها بغية إعطائها روح أخرى وقوة إضافية، ترضي الجميع لا أن تغلب طرفا على آخر، وتضمن حق الكل بالحفاظ على المكتسبات والبحث على المكاسب، وهنا يأتي دور المفكرين والمثقفين والمختصين في القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس ورجال الدين وكذا الساسة الذين يريدون خيرا بالوطن ويرون أن مستقبل الوطن في مواطن متزن السلوك متوازن الوجدان ومتشبع بالقيم الفضلى، لا اعتماد معيار من يظهر اكثر في القنوات التلفزية والعمل الجمعوي الموجه والمدسوس والمسيس، للضغط من أجل تغيير قوانين قد يصبح تطبيقها وبالا على المجتمع.

على الرجل أن يناضل كذلك من أجل الدفاع عن صورته التي خدشت وستصاب في مقتل،  بسبب نضال عبثي غير محسوب ومدعوم خارجيا ومؤسس على منطق معالجة ظلم النساء بمزيد من الظلم للرجال، لمد جسور التوازن وبث روح التواصل بين أركان الأسرة بشكل سليم، عبر تأسيس جمعيات تعنى بحقوقه وتؤطره وتكونه من أجل قيام أمثل بواجباته، وتنبهه إلى ما قد يضر بالأسرة. فلا يعقل أن تبقى المرأة بصفة دائمة رافعة شعار المظلومية ولاعبة دور الضحية، بزعامة نساء بعيدات كل البعد عن في نضالهن عن ما تحتاجه المرأة المغربية من تعليم وتطبيب وعيش كريم، وما يجتاحها من مؤامرات غربية، فتضيع بذلك حقوق الرجال الأتقياء المستقيمين.

 

هذا النوع من النضال لن يفضي إلى شيء، ما عدا تكريس مزيد من الهوة وتعميق الخلاف وسوء الفهم والتفهم والتفاهم بين الأزواج. 

“الوقت بغات”، جرأة حقوقية تعنى باحتياجات الأسرة ككل تضع في صلب اهتماماتها حق الطفل في العيش في بيئة سليمة بين أحضان أسرة متجانسة تكون القناعة هي العملة المتداولة بين أفرادها والاحترام والمحبة والحنان الطابع الغالب عليها. 

 

“الوقت بغات” أن نضاعف من تثبتنا بديننا الحنيف الذي أكرم المرأة أيما تكريم واستوصى بها خيرا، وألا نرضى لشرع الله تبديلا وتطاولا عليه.

 

“الوقت بغات” أن يتصدى الجميع في إطار تشاركي إلى كل من سولت له نفسه التصرف بمنطق العنف والإهانة والتملص من المسؤوليات سواء أ كان رجلا أو امرأة، وتغليب الوفاق على الخلاف عند تناول شؤون الأسرة. 

 

“الوقت بغات” عدم الانجرار نحو نزوات فكرية أو جنسية أو مطالب فئوية مردودة على أصحابها شرعا ومجتمعيا، الذين يهدفون تخريب المجتمع المغربي وطمس قيمه الفاضلة. فكما لا ينبغي تنزيه الرجل لا يجب تبرئة المرأة عن فعل مشين ما عند غياب الحقائق.

 

“الوقت بغات” ألا تجعل هذه الجمعيات النسائية من نفسها وصيات على شؤون الأسرة المغربية وأن تعمل على توسيع دائرة النقاش حول كل نقطة خلافية خاصة بقضاياها لأنها نواة المجتمع بصلاحها يصلح وبفسادها يفسد، وتدفع في اتجاه حفظ كرامة المرأة والرجل معا. 

التعليقات مغلقة.