“جدل الوجود في عالم أزمات” بعيون ندوة “الجامعة الأورمتوسطية” بفاس

عبد السلام انويكًة

صورة أزمة يبدو عليها عالم اليوم، من خلال ما هناك من مساحة تغيرات وتدفقات ووقائع ووضع مقلق، في عدد من تجلياته وتفاعلاته وجدله الانساني الثقافي الحضاري والسياسي؛ وهو ما يتم استغلاله من قبل هذا وذاك هنا وهناك، حتى لو كانت صورة أزمة وأزمات عالم  اليوم هذه بتصدع وتشوه مثير للسؤال، لِما هو كائن من أوجه نزاعات يصعب التنبؤ بنهاياتها ونتائجها، في غياب ما ينبغي من اجراء وتدخل ومقاربة منسجمة لوقف كل نزيف واستنزاف.

 

إشارات وغيرها، وردت في مستهل ورقة ندوة علمية موسومة ب”التفكير في وجود وعالم زمن أزمات”، ارتأتها “الجامعة الأرومتوسطية EUROMED” بمدينة فاس لتقاسم ما يؤثثها من جدل فكري وبحثي وإنساني، ضمن عمل علمي تفاعلي مشترك مع “الايسيسكو ICESCO”.

 

ولعل وضع عالم اليوم كما يبدو ايقاعه – تضيف ورقة اللجنة المنظمة للندوة- لا يؤثر على ما هناك من مجتمعات وثقافات وبيئة حاملة محيطة فقط، بل ايضا على كيان انسان نفسه وانسانية انسان تبدو بأفق غير ما ينبغي من وضوح رؤية.

 

صورة وغيرها تدفع الباحث والمهتم والمتتبع، للسؤال حول درجة قدرة انسان عالق في متاهات عالم أزمات ومنطق نزاعات مقلقة، وحول درجة قدرة الانسان على ما ينبغي من تبصر وتخطيط واستشراف مستقبل، وحول طبيعة علاقته بزمن باتت إشكالا مطروحا بقدر معبر من القلق.

 

فهل استسلم الانسان للكائن من تجليات أزمات باعتبارها نتيجة حتمية غامضة، أم  أن هناك محاولات لإعادة بناء وترتيب عالم وفق ما يقتضيه الأمر من عقلانيات.

 

سياق تستحضر فيه ورقة ندوة”التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات”، سؤال المصالحة بين الانسان والعالم والزمن، ومع هذه المصالحة رؤية وطرح “هارتموت روزا” الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني، وتأملاته حول ما هناك من مفارقات وسعي محموم نحو سيادة وعالم وعيش وسلام، وحول ما هناك من درجة قيم انسانية وانصات والتفات، فضلا عما هناك من خوف وهاجس انجراف نحو عدم مستقر واستقرار وفوضى تروم مصلحة ما وهيمنة ما.

 

هكذا ترى انشغالات الانسان بعالمه، اقد حان الوقت للتفكير بشكل مختلف فيما هناك من علاقات تحكم هذا الانسان بهذا العالم، بعيدا عما هناك من أنماط سياسية واقتصادية ومالية وصناعية وتكنولوجية، تسببت فيما هناك من اضطراب وعدم استقرار، وعيا بكون ما تمر به البشرية من نزاعات هنا وهناك، يشكل سياقا وفرصة لتوحيد نفسها وإعادة القيم لصميم مستقبلها وروح تطلعات، تخص قيم عيش مشترك وحوار وتسامح وتعاون، مع  سؤال النموذج الذي يمكن اعتماده في العلاقة مع الآخر من الأنسان والعالم والحضارة والتفكير والزمن، في أفق كل سلم وسلام رافع داعم، وكذا سؤال سبل استثمار ما هناك من زمن أزمات من اجل تعزيز انتقال الأنسان والبشرية وايقاع عالم صوب رؤى جديدة ومتجددة.

 

أسئلة وغيرها، هو ما شكل مساحة نقاش وتطارح أطره أساتذة باحثون متخصصون ودارسون خبراء في المجال ضمن ندوة “التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات”، كل من “الأستاذ مصطفى بوسمينة” من خلال مداخلة بعنوان”لغز الزمن”، وهو عالم كيميائي- فيزيائي مغربي، ورئيس “الجامعة الأرومتوسطية” بفاس، ومستشار “أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات بالمغرب” ورئيس “شبكة الأكاديميات الافريقية للعلوم”، ساهم في تحرير ثلاثة صحف علمية دولية، وصنف ضمن صفوة الباحثين عالمياً عام 2020 من قبل “جامعة ستانفورد” الأمريكية، ولعله من العلماء المغاربة الأكثر تأثيراً في مجال البحث العلمي على الصعيد الدولي، بمساهمات مهمة في “فيزياء الأنظمة البوليمرية متعددة الأطوار”.

 

أما المحلل النفسي “جليل بناني” في ندوة الجامعة الأرومتوسطية بفاس، فقد عرض من جانبه لموضوع موسوم ب”في مصادر الانزعاج المعاصر”، ولعل الأستاذ “جليل بناني”، هو طبيب ومحلل نفسي مغربي، يعمل منذ عقود من الزمن من أجل نقل التحليل النفسي إلى المغرب مع مواصلة البحث في تاريخ هذا المجال، يعمل منذ سنوات على توجيه البحوث في علم النفس ب”جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس”، وهو عضو مشارك في “مركز التحليل النفسي” “الطب والمجتمع” ب”جامعة باريس ديديرو”.

 

فيما توجه الاقتصادي الباحث “ادريس خروز” بهذه المناسبة، الى طرح سؤال مفتوح في مداخلة له بعنوان “بين القلق والنشوة.. أي رؤية للوقت لأي مستقبل”، ورغم تخصصه في علم الاقتصاد فالأستاذ “خروز” عاشق للفكر والثقافة والفنون والانسانيات، وقد عمل مديرا للمكتبة الوطنية ورئيسا لرئاسة “مؤسسة روح فاس” وإدارة مهرجانها الشهير للموسيقى الروحية.

أما “الأستاذ محمد زين العابدين”، مدير “قطب الاتصال والثقافة في الإيسيسكو”، فقد ارتأى في مداخلته مناقشة جدل”الفن بلا تفكير سياسي”.

 

وضمن برنامج ندوة فاس العلمية بالجامعة الأرومتوسطية هذه، تناول الأستاذ “عز العرب لحكيم بناني” جملة أسئلة ذات صلة من خلال مداخلة بعنوان “ظواهر الزمن الحميمة: كيف نريد تغيير العالم في الوقت الذي غيّرنا فيه العالم”؛ وهو باحث مغربي وأستاذ الفلسفة التحليلية وفلسفة الدين في “جامعة سيدي محمد بن عبد الله” في فاس.

 

وكانت ندوة “التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات” بالجامعة الأرومتوسطة بفاس، أمس الأربعاء 31 ماي 2023، بحضور أكاديمي نوعي، وتأطير وتدبير من الأستاذ الباحث والأديب والسيميائي والناقد “الدكتور عبد الرحمن طنكول” الغني عن كل تعريف، فهو عميد “كلية الآداب والعلوم الإنسانية” ظهر المهراز بفاس، ورئيس “جامعة بن طفيل” بالقنيطرة سابقا، وعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ب”الجامعة الارومتوسطية” بفاس حاليا.

التعليقات مغلقة.