في قلب الليل، عندما تغفو المدينة وتخلد إلى السكوت، كانت بن أحمد تشهد مشهدًا مأساويًا يذكرنا بغياب الإنسانية في أبسط صورها. ليلة أمس، تحولت شوارع المدينة إلى مسرح لأحداث عنف أودت بحياة شخص بريء، وأثارت تساؤلات عميقة حول مدى احترامنا لقيمة الحياة، سواء كانت حياة إنسان أو حيوان. الحادثة التي وقعت عندما أصيب شخص برصاص حي أثناء قيام جماعة محلية بما أسمته “تطهير المدينة من الكلاب الضالة”، تدفعنا إلى إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع التحديات المجتمعية، وهل نختار طريق العنف أم نبحث عن حلول أكثر إنسانية؟
الإنسان أولاً: عندما تتحول الحماية إلى خطر
في ساعات متأخرة من الليل، بينما كان أحد المواطنين يسير في أحد أزقة بن أحمد، فوجئ بطلقات نارية أطلقت بشكل عشوائي، أصابت فخده، وأدخلت الرعب إلى قلوب سكان المنطقة. هذه الحادثة لم تكن مجرد خطأ فردي، بل كانت نتيجة لسياسة عنف تمارسها جماعات محلية تحت ذريعة “حماية المدينة”. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف يمكن أن تتحول الحماية إلى مصدر للخطر؟ كيف يمكن أن نسمح لأنفسنا بإطلاق الرصاص في شوارع مدينة يعيش فيها بشر، وكأن حياتهم لا تساوي شيئًا؟
وزارة الداخلية كانت قد حذرت مرارا من استخدام الأسلحة النارية والمواد السامة في التعامل مع الكلاب الضالة، ودعت إلى اعتماد وسائل أكثر أمانا وانسانية. لكن يبدو أن هذه التوجيهات لم تصل إلى آذان من يهمهم الأمر، أو أنهم اختاروا تجاهلها. حيث أن الإصرار على استخدام العنف ليس فقط انتهاكًا للقانون، بل هو انتهاك صارخ للإنسانية.
الكلاب الضالة: ضحايا أخرى للعنف
في خضم الحديث عن الخطر الذي تعرض له الإنسان، لا يجب أن ننسى أن الكلاب الضالة هي أيضًا ضحايا لهذه السياسة القاسية. هذه الكلاب، التي لا ذنب لها سوى أنها ولدت في ظروف قاسية، تتعرض لوحشية لا يمكن تبريرها. فاستخدام الأسلحة النارية والمواد السامة مثل “الستريكنين” ليس فقط غير قانوني، بل هو أيضا عمل لا أخلاقي ينم عن غياب تام للرحمة.
في حين أن منظمات حماية الحيوانات، سواء الوطنية أو الدولية، كانت قد وجهت انتقادات حادة لهذه الممارسات، ودعت إلى اعتماد أساليب أكثر إنسانية في التعامل مع الكلاب الضالة. فلماذا لا نستمع إلى هذه النداءات؟ لماذا نختار العنف عندما تكون هناك بدائل أكثر حضارية؟
الإنسانية: هل فقدناها؟
الحادثة الأخيرة في بن أحمد تذكرنا بمدى هشاشة الإنسانية في مجتمعنا. ففي لحظة من اللحظات، ننسى أن لكل كائن حي حقًا في الحياة، وأن العنف ليس الحل. الإنسانية تعني أن نضع أنفسنا مكان الآخر، سواء كان إنسانًا أو حيوانًا، وأن نتعامل معهم بالرحمة والتفهم. الإنسانية تعني أن نبحث عن حلول تحمي الجميع، دون أن نلجأ إلى القسوة.
نداء إلى الضمير
إلى كل من يملك سلطة في بن أحمد، وإلى كل من يستطيع أن يحدث فرقًا: كفى عنفًا. كفى إطلاقًا للرصاص في شوارع مدينة يعيش فيها بشر. كفى قسوة تجاه كائنات لا حول لها ولا قوة. لنتذكر أن الإنسانية ليست مجرد كلمة، بل هي مبدأ يجب أن نعيش به ونطبقه في كل تصرفاتنا.
بن أحمد ليست مجرد مدينة، بل هي مجتمع يعيش فيه أناس لهم أحلامهم وآمالهم، وكائنات حية تستحق العيش بكرامة. الحادثة الأخيرة يجب أن تكون نقطة تحول في كيفية تعاملنا مع التحديات المجتمعية. فلنختار طريق الإنسانية، ولنبحث عن حلول تحمي الجميع دون أن نلجأ إلى العنف. لأن الإنسانية، في النهاية، هي ما يجعلنا بشرا.
التعليقات مغلقة.