مع أن وضعية “ما” أثارت الشكوك نحو حقيقة الأمر فالبعض يقول أنه تعمد الغياب ليثير بعضًا من الجدل، خصوصا بعدما فقد من ثروته مبالغ ضخمة نتيجة تطوعاته في الصين و اوروبا خلال جائحة كورونا ومع نفس الوقت تسجيل إنخفاض ايرادات شركته في فترة الوباء التاجي. لكن وضعيته الغريبة أحيت ذكريات غير مريحة حول كبار رجال الأعمال الصينيين الآخرين والمشاهير الذين إختفوا عن أعين الجمهور من قبل. في حين أنه من غير الممكن إفتراض أن “ما”، أحد مؤسسي التكنولوجيا الأكثر إثارة للإعجاب والأغنى في البلاد ، قد لقي مصيرًا مشابهًا، إلا أنه يجدر بنا الإشارة والتذكير أن الإختفاء في الصين ليس شيئًا يحدث للمعارضين فقط. على سبيل المثال، تم إختطاف مدير الأصول “زياو جيانهو” من فندق في هونغ كونغ عام 2017 وتم إحتجازه لدى الصين بعد أن إتهمه المنظمون بسحب المستثمرين من أسواق الأسهم في البلاد. لتُسيطر حكومة الصين فيما بعد على تسع شركات مالية له.

بقلم : صبرينة مسعودان
لم يعتقد المِلياردير الصيني “جاك ما” صاحب شركة “علي بابا” أن حياته ستكون على المحك بعد خطابه الأخير المثير للجدل في 24 اكتوبر بشنغهاي، حيث إنتقد نظام التنظيم الصيني لِخنقه الإبتكار و شَبه القواعد المصرفية العالمية بـ “نادي كبار السن”. قال ما في خطابه : “النظام المالي اليوم هو إرث العصر الصناعي، يجب علينا إنشاء جيل جديد للجيل القادم والشباب، يجب علينا إصلاح النظام الحالي”. أيامًا معدودة بعد الخطاب ويختفي فيها جاك ما ! حتى أنه لم يظهر كما هو مقرر في الحلقة الأخيرة من برنامج المواهب الخاص به، “Africa’s Business Heroes”،الذي يمنح رواد الأعمال الأفارقة الناشئين فرصة للتنافس على شريحة من 1.5 مليون دولار أمريكي. كما تم إستبداله بالمدير التنفيذي لشركة “علي بابا” في نهائي نوفمبر مع إزالة صورته من الموقع! وِفقًا لفاينانشيال تايمز، علق عن الأمر مُتَحدث بإسم “علي بابا” قائلا : إن”جاك” لم يكن قادرًا على المشاركة في لجنة التحكيم بسبب تضارب في الجدول الزمني”، بعد خطابه الأخير علقت بكين 37 مليار دولار لامبراطورية “ما” للتكنولوجيا المالية من الطرح العام الاولي المزمع إجراؤه في نوفمبر، الذي يعد وسيلة مهمة لجَمع المزيد من الأموال لتطوير الشركة، وهو القرار الذي قيل أنه إتخذه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” .كما أطلقت السلطات الصينية تحقيقا لمكافحة الإحتكار في “علي بابا” في أواخر ديسمبر وطلبت من مجموعة “آنت ANT” إعادة هيكلة عملياتها.
لحد اليوم لايزال الوضع الحقيقي لجاك ما مبهم وغير واضح ! بالرغم من أن CNBC نشرت منذ أيام قليلة نقلاً عن مصدر قريب من الوضع، أن جاك يَكذب و يُزيف وضعية غيابه. ليُعزز الخبر على الفور معنويات المستثمرين ،و قفزت الأسهم في علي بابا بنحو 5٪.
في ديسمبر 2015، ظهرت تقارير تفيد بأن “غو غوانغ تشانغ” مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الاستثمار “فوسون انترناشيونال”، قد إختفى. زعمت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أن الشهود رأوا الشرطة تأخذ “غو” بعيدًا في مطار شنغهاي. و في يناير 2016، أوقفت شركة أزياء و إكسسوارات شنغهاي “Metersbonwe” أيضًا تداول أسهمها مؤقتًا ، قائلة أنها لم تتمكن من الوصول إلى مؤسسها الملياردير تشو تشانغ جيان ، إذا أفادت مجموعة تشاينا ديلي الإخبارية التي تديرها الدولة أن الشرطة إحتجزت “تشو” للمساعدة في قضية تداول داخلي وتلاعب في الأسهم. وقالت ميترسبونوي في بيان أرسلته إلى بورصة شنتشن بعد أسبوع إن “تشو” عاد إلى العمل لكنه لم يوضح ما حدث، آخرهم رائد الاعمال “رن زهيكيانغ” الذي إختفى في مارس من العام السابق بعد أن نشر مقال على الإنترنت إنتقد فيه طريقة تعامل الحكومة الصينية مع جائحة كوفيد 19. على الرغم من أنه لم يذكر شي بالاسم، إلا أنه أشار إلى الزعيم الصيني عدة مرات ووصفه بـ “المهرج”. قال صديق له لصحيفة نيويورك تايمز بعد ايام من اختفائه أنهم قلقون للغاية وكانوا يبحثون عنه. أعلنت الحكومة في يوليو أن “رن” العضو السابق في الحزب الشيوعي و إبن مسؤول سابق في الحزب قد طُرد من الحزب. و صودرت ممتلكاته وحُكم عليه في سبتمبر بالسجن 18 عامًا بتهمة تلقي رشاوى و إساءة إستخدام سلطته كرئيس لمجموعة عقارية مملوكة للدولة، الكثير يزعم أنه عوقب بسبب حديثه ضد الرئيس الصيني “شي جي بينغ”.
مع أن الاحتمال الذي يُرجح فقدان “جاك ما” وتواريه عن الانظار بسبب إنتقاده للحكومة الصينية بعيدًا جدا بسبب نفوذه اقتصاديا و سياسيا، إلا أن كل شيء متوقع. خصوصا في الفترة الحالية مع سيطرة المنظومة الحكومية على كل شيء و إعتمادها على ايديولوجية سياسية متغطرسة.
التعليقات مغلقة.