المؤكد أنها علاقات متوترة ربما على امتداد كل العقود الأخيرة، فيها كثير من التحامل والتحامل المضاد، كثيرا ما تضررت جراءه مصالح الشعبين الجارين الشقيقين،على عكس ما كانت تقتضيه علاقات الأخوة وحسن الجوار التاريخي، كما أن سبب التوتر هذا هو في كثير منه عبارة عن ردود أفعال متشنجة بين النظامين الحاكمين في البلدين كما ينعت بعضهما البعض(العصابة# المخزن)، سرعان ما تطبل لمواقفهما العدائية جوقات من النخب الموالية هنا وهناك، وبشكل دعائي فيه كثير من الحماسة والتصعيد بدل التعقل والهدوء، وكثير مما يتجاوز كل الروابط التاريخية المتينة ويفرق بدل أن يراعي المصالح الجماعية المشتركة القوية ويوحد، وهكذا أصبح لدينا كثير مما يزيد الصرح الشامخ بين الشعبين شرخا وهدما بدل أن يرممه ويصلحه ولما لا يجدده؟؟.
ومع الأسف، كثيرا ما نقول أنه ينبغي أن نفرق بين خطاب الأنظمة بإكراهاتها وخطاب الشعوب بخياراتها، ولكن السائد على أرض الواقع في كثير منه، وكأنه لا يوجد غير خطاب الأنظمة وحده، بكل توتره وحدته وتجاوزه ربما غيره من المؤسسات التشريعية التي تجد نفسها عاجزة عن الفهم والمعارضة أو حتى النقد والتصويب، ومضطرة في المجمل للمصادقة عليه بدعاوي وملابسات، فإذا ساند ذلك الخطاب الرسمي الانفصال سوند، وإذا أمر بغلق الحدود أغلقت، وإذا علق المبادلات علقت، وإذا فرض التأشيرة على المسافرين من البلدين الجارين فرضت..وإذا..وإذا؟، وكأن الآمر الناهي في كل شيء والمستفرد بالملفات والقضايا، هي وحدها خطابات ومواقف رسمية للعصابة أو المخزن، ومع ذلك تتبجح الشعوب المغلوبة على أمرها بأنها معها ولو كانت ضد مصالحها وتاريخها، وهي في المجمل كذلك؟؟.
الأمر السيء الآخر، أن العلاقات المتوترة هذه استمرت بين البلدين الشقيقين من نظام إلى آخر، وبنفس دعوى المصلحة الوطنية التي لا يعلمها إلا زبانيتها من نظام العصابة التي يتحرك ضدها كل الحراك الشعبي في الجزائر، وهي التي تربط ربطا تعسفيا بين ما لا يربط بالضرورة من الأحداث والوقائع الطارئة والمصالح المشتركة والضاربة في عمق التاريخ، و تحمل جل المواقف من المناوشات ما ليس ضروريا ولا منطقيا، وفي هذا الصدد وكما يتساءل البعض هل قرار فرض التأشيرة من طرف المغرب على أبناء الجيران، هل كان صائبا؟، يتساءل البعض الآخر أليس من الجنون إقدام عصابة هؤلاء الجيران على دعم مليشيات الانفصال في المعبر الحدودي ب”الكركرات”؟، أو طرد سكان “العرجة” من أراضيهم في “فكيك” المغربية؟، أو التغطية على استشفاء زعيم الانفصاليين “إ.غالي” بجواز جزائري في إسبانيا..؟،أو هرطقة “الشروق” ضد رمز بلادنا وسيادتها..؟، فهل كان هذا من الضروري أن يقع أولا، وهل كان من الضروري أن تكون له علاقة بالحدود الحيوية بين البلدين ويزيد في إحكام إغلاقها بدل فتحها و انفراجها الذي أصبح ملحا بين الشعبين؟؟.
الأمر التصعيدي الآخر، هو أن يتجاوز هذا الاستفراد النظامي – العسكري – كل المعنيين في البلورة والمناقشة وحق المشاركة والمعارضة وإبداء الرأي، أو عدم الحرص على دستورية القرارات وإعطاء بدائل سلمية مناسبة بدل توترات الحرب المستفزة التي لا تبقي ولا تذر؟، بدء من غياب السادة العلماء والزعماء الجزائريين..إلى رؤساء الأحزاب المطبلين الذين لم نرى منهم مبادرة ولا معارضة..بل إلى رؤساء الحركة الإسلامية وجمعيات المجتمع المدني التي طالما ادعت الحرية والاستقلال..، فإذا بنا لم نجد لها غير مواقف مضحكة مخزية لا تقنع بها حتى ذاتها..، إذ يقولون نعم، نحن مع وحدة الأمة..ضد التفرقة ومخططات الاستعمار..مع ما وحدنا ويوحدنا قرونا مضت من الدين واللغة والأخوة والأرض والتاريخ والمصير المشترك، ولكن نظامنا اختار، وعسكرنا قرر، وعصابتنا سارت..ولا يمكن إلا أن نكون مع سياسة نظامنا – غفر الله لنا وله -..وينادون هم أيضا بالمتجاوز من مقترح “تقرير المصير”…الله يا زمان؟؟.
الوهم الآخر، وهو استثمار كل هذا التوتر والتصعيد، لتصغير البلد الجار، وتحقيره وإظهاره -لا أدري أمام من -..بأنه ليس على شيء، لا في الموقف السياسي ولا في الرقي الاقتصادي، فبالأحرى الاختيار الإيديولوجي أو المعسكر التحالفي أو نظام الحكم الجمهوري(الحرية والثورة) أو الملكي(العبودية والحكرة)..؟؟، والواقع أن كلا البلدين بلد، ولعشرات الملايين من الساكنة لا يعيشون – بالماء والهواء – ولا يتسولون على موائد اللئام(اللهم لحاضنتهم في المخيمات)، أو ينتظرون فتاة بعضهم البعض، تعاطوا وتبادلوا أو تمانعوا وتقاطعوا؟، صحيح أن التاريخ جعل بعضهم أعرق من بعض، وبعضهم أكثر مقاومة للاستعمار من بعض..وبعضهم وبعضهم، ولكن عموما هناك تكافؤ في مجالات وتفاوت في أخرى، وحاجة التعاون والتضامن كما هو الحال بين جميع الشعوب مطلوبة ولازمة لأن يد الله مع الجماعة، وكما قال الشاعر:”تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا*** وإذا افترقن تكسرت أفرادا”؟؟.
وهكذا وبعناد المعاندين وبسطو الساطين على الحقائق، وهبنا الذي يجمعنا للذي يفرقنا..و وهبنا الأبقى الصامد للعابر الذي يزول، وكأن بعضنا شعوب بدون ذاكرة ولا واقع أو حق سياسي أو طموح مستقبلي غير الذي تراه فيالق المخزن أو عصابة العسكر، صحيح أن هناك بعض الحراك الاجتماعي في بعض مدن المغرب أيضا، لكنه جزئي محدود اجتماعي المطالب ولا وجه للمقارنة؟، عكس العصابة في الجزائر والتي نفهم الآن لماذا يتحرك ضدها الحراك الشعبي في كل الجزائر ولكل هذه الأشهر والسنوات، فعلاقاتها المتوترة مع المغرب الشقيق واستثمارها الفج في الانفصال غير المشروع لوحدته الترابية، نموذج فشل ذريع لسياستها مع البلد الجار وما ينبغي أن يحظى به من حسن الجوار، وما غيرها من سياسات البلاد بأحسن منها حالا ومآلا، ولا زال يصرخ بذلك الحراك الشعبي ويطالب بالرحيل قبل الإصلاح، وإن كان في الحقيقة ذلك الشأن شأنهم، ولكن فقط:
- أين تاريخ العلاقة بين البلدين وتداخل حياتهما المشتركة سياسيا واقتصاديا، ثقافيا واجتماعيا؟
- ماذا عن فترات العلاقات السيئة بين الشعبين وكيف تم إصلاحها وتجاوز هفواتها وبأية مرجعية؟
- كم هي الدواعي المعاصرة والرهانات الضرورية التي تدعونا اليوم إلى تمتين الوحدة والتعاون بيننا؟
- كم دراسة موضوعية لدينا لهذه المرحلة المتوترة، وماذا فقد أو ربح الشعبين.. قبلها.. أثنائها.. وبعدها؟
- هل دواعي إغلاق الحدود بين البلدين منطقية؟، وهل لا زالت المبررات المقدمة مستساغة في عالم اليوم؟
- ما هي الخلفيات الحقيقية للتوتر الحالي بين دعم الانفصال أو دعم الإرهاب.. طغيان الجيش..زعامة أفريقيا..؟.
- إعلام الفائض من نشر الغسيل بين البلدين على شاشات الفضائيات، هل هو جزء من الحل أم مزيدا من الإشكال؟
خلاصة القول، ما مدى استعداد الجزائر الجارة لحل المشكل، والمغرب ينادي بشكل رسمي بفتح الحدود، وبلجنة مشتركة تناقش على الطاولة كل شيء مما قد يكون من عوائق الجوار الطبيعي والتعاون المغاربي الذي طال انتظاره…لجنة مشتركة..وكل شيء؟؟، لكن مقابل ذلك، ربما لا حياة لمن تنادي، فقد تجاهلت العصابة النداء فأقبلت ليس على الاستمرار في غلق الحدود رغم مرارة وفظاعة جرمها، بل على قطع العلاقة الدبلوماسية برمتها، ولا ندري في الحقيقة أية علاقة كانت موجودة حتى تقطعها، أو على الأصح، ماذا تبقى منها حتى ناسف عليه؟، أم المهم عند البعض هو وهم المبادرة فبادروا، و ري غل القطع فقطعوا…فاللهم لا شماتة؟؟.
الحبيب عكي
التعليقات مغلقة.