تستعد العاصمة الأمريكية واشنطن لاستضافة قمة إفريقية–أمريكية مصغرة خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 يوليوز الجاري، حيث تجمع هذه القمة خمسة قادة أفارقة بارزين، يتقدمهم الملك محمد السادس.
ويعكس هذا الحدث المهم توجه الولايات المتحدة نحو تشكيل تكتلات إفريقية موثوقة، بعيدا عن المحاور التقليدية والأنظمة التي تتسم بعدم الاستقرار. وإلى جانب المغرب، يشارك في هذه القمة كل من رؤساء كينيا (ويليام روتو)، رواندا (بول كاغامي)، أنغولا (جواو لورينسو)، الكونغو الديمقراطية (فيليكس تشيسيكيدي)، والسنغال (الرئيس الشاب باسيرو فايي).
ويأتي اختيار المغرب ضمن هذا التكتل المصغر ليس فقط لموقعه الجغرافي الاستراتيجي كبوابة إفريقية على المحيط الأطلسي، بل كذلك لثقله السياسي والدبلوماسي المتزايد. فمنذ الاعتراف الأمريكي الرسمي بسيادته على الصحراء في عام 2020، والذي تم مقابل استئناف العلاقات مع إسرائيل، لم يتراجع عهد بايدن عن هذا الاعتراف، بل على العكس، تعزز عمليًا في وثائق البنتاغون والاتفاقيات العسكرية المشتركة، مما يؤكد مكانة المغرب كشريك لا غنى عنه.
وعلى صعيد التعاون العسكري، يبرز المغرب كشريك أمني موثوق للولايات المتحدة، حيث يستضيف مناورات “الأسد الإفريقي” الضخمة التي تضم أكثر من 50 دولة، كما يتزود بأسلحة أمريكية متطورة تشمل راجمات HIMARS، صواريخ هاربون، وطائرات مسيرة. وهناك حديث متزايد عن احتمالية اقتناء مقاتلات F-35 وسفن بحرية أمريكية متقاعدة، في إطار اتفاقيات تهدف إلى إرساء توازن ردعي بالمنطقة، لا سيما مع إسبانيا. وفي سياق متصل، تؤكد واشنطن أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل الوحيد الواقعي والجاد لقضية الصحراء المغربية، ومن المتوقع أن يكون هذا الملف حاضرًا بقوة في مباحثات القمة، خصوصا في ظل الضغوط الأوروبية المتذبذبة.
أما فيما يخص المعادن الاستراتيجية، فيمتلك المغرب احتياطات هامة من الفوسفات والكوبالت، ويخوض نزاع صامت مع إسبانيا بشأن التنقيب في المناطق البحرية الغنية بالمعادن النادرة قبالة الأقاليم الجنوبية. وتتابع واشنطن هذا الملف عن كثب نظرا لأهميته في سلاسل التوريد العالمية ومواجهة النفوذ الصيني المتنامي في القارة. علاوة على ذلك، يعد المغرب من أبرز الدول الإفريقية المؤهلة لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا وأمريكا، مع محادثات جارية لإدماجه ضمن شبكات التزويد المستقبلية للطاقة النظيفة.
وبناء على هذه الأهمية الاستراتيجية، يسعى المغرب إلى تحديث اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة ليشمل قطاعات جديدة وواعدة كالذكاء الاصطناعي، الصناعات الدفاعية، والطاقة النظيفة، متجاوزا بذلك اقتصار الاتفاق على قطاعي النسيج والفلاحة. وفي المجمل، تعكس هذه القمة المصغرة توجه أمريكي جديد يركز على بناء شراكات استراتيجية مع دول إفريقية مختارة بعناية، مبتعدا عن اللقاءات الجماعية التقليدية، وذلك في مسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني في منطقة حيوية تشهد تحولات سياسية وأمنية متسارعة. وتأتي هذه القمة في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الإفريقية تحولات جوهرية، مع تركيز واشنطن على الاستثمار والتجارة بدلا من المساعدات التقليدية، مما يفتح آفاقا جديدة للتعاون مع المغرب كفاعل محوري في الأمن والتنمية المستدامة بالقارة.
التعليقات مغلقة.