تقدير الذات هو الأساس الذي يقوم عليه شعور الإنسان بالثقة والقدرة على تحقيق الإنجازات. عندما يدرك الإنسان قيمته الحقيقية، يصبح أكثر ثباتًا في مواجهة التحديات، وأكثر انفتاحًا على النجاح والسعادة.
ببساطة، تقدير الذات يعني الطريقة التي ترى بها نفسك وتحكم بها على قيمتك الشخصية. إذا كنت ترى نفسك شخصًا ذا قيمة وأهمية، فأنت تمتلك تقديرًا ذاتيًا مرتفعًا، وإذا كنت تستهين بنفسك وترى أنك أقل من الآخرين، فإن تقديرك لذاتك يكون منخفضًا. من المهم أن ندرك أن تقدير الذات لا يرتبط بالمال أو الشهادات أو الوظيفة، بل ينبع من شعور داخلي بأنك شخص يستحق الاحترام والتقدير.
تشير الأبحاث إلى أن المشاعر الأولى لتقدير الذات تبدأ في وقت مبكر جدًا من حياة الإنسان، وتحديدًا في الأسابيع الأولى بعد الولادة، وفقًا لما أشار إليه عالم النفس كريستوفر. مع مرور الوقت، يتأثر تقدير الذات بالتجارب الحياتية والمواقف التي نمر بها. عندما يتلقى الإنسان تشجيعًا وتقديرًا، ينمو تقديره لذاته بشكل صحي، أما إذا تعرض للانتقاد المستمر أو الإهمال، فقد يشعر بالدونية وعدم القيمة. بعض الدراسات تشير إلى أن 95% من الناس يقللون من قيمة أنفسهم، مما يجعلهم يعانون في حياتهم لأنهم يعتقدون أن الآخرين أفضل منهم.
يحدد الباحث راينر مارتنز أربعة أنماط رئيسية لتقدير الذات. النمط الأول هو الشخص الذي لا يقدّر ذاته ولا يقدّر الآخرين، حيث يرى نفسه عديم القيمة وكذلك الآخرين. النمط الثاني هو الشخص الذي يقدّر ذاته ولكنه لا يقدّر الآخرين، حيث يشعر بالغرور والتعالي. النمط الثالث هو الشخص الذي لا يقدّر ذاته لكنه يقدّر الآخرين، مما يجعله يشعر بالدونية وعدم الكفاءة. أما النمط الرابع، وهو النموذج الأمثل، فهو الشخص الذي يقدّر ذاته ويقدّر الآخرين، حيث يتعامل مع نفسه ومع الآخرين باحترام وتقدير متوازن.
عندما يكون تقدير الذات مرتفعًا، ينعكس ذلك على تصرفاتنا وسلوكياتنا، فنصبح أكثر قدرة على التعبير عن آرائنا، وأكثر مرونة في التعامل مع الصعوبات، كما نبني علاقات جيدة مع الآخرين ونشعر بالسعادة والرضا عن أنفسنا.
يمكن تعزيز تقدير الذات بعدة طرق، تبدأ بإعادة النظر في المعتقدات السلبية التي نحملها عن أنفسنا. آراء الآخرين فينا ليست حقائق مطلقة، والكثير من الأفكار السلبية التي نصدقها عن أنفسنا تكون مبنية على معتقدات خاطئة. علينا تصحيح هذه المعتقدات باستمرار والوعي بأن قيمتنا لا تعتمد على المال أو المكانة الاجتماعية.
يمكننا أيضًا التركيز على صفاتنا الإيجابية من خلال كتابة عشر صفات جيدة نمتلكها، سواء كانت عقلية أو اجتماعية أو جسدية، مثل الذكاء، قوة الملاحظة، الذاكرة القوية، الود، التسامح، أو الإبداع. عندما نركز على إيجابياتنا، يصبح من الأسهل تقبل أنفسنا كما نحن، بمميزاتنا وعيوبنا، ونوجه لأنفسنا مشاعر الحب والتقدير.
التعبير عن المطالب والحقوق يعد خطوة أساسية في تعزيز تقدير الذات. لا يجب أن نتوقع من الآخرين أن يفهموا احتياجاتنا دون أن نوضحها لهم، وعلينا أن نتعلم قول “لا” عندما تكون مطالب الآخرين غير مناسبة لنا. سواء في العمل أو في العلاقات الاجتماعية، يجب أن نكون واضحين بشأن ما نريده ونستحقه.
مساعدة الآخرين ولو بشيء بسيط تعزز شعورنا بقيمتنا الذاتية. يمكن أن يكون ذلك بكلمة طيبة، أو بمشاركة وقتنا، أو ببذل مجهود بسيط لدعم من حولنا. عندما نقدم شيئًا للآخرين، فإننا نشعر بأن لنا أثرًا إيجابيًا في الحياة، مما يعزز ثقتنا بأنفسنا.
تطوير المهارات بشكل مستمر يغير نظرتنا لأنفسنا ويجعلنا أكثر احترامًا لذواتنا. يمكن أن يكون ذلك من خلال تعلم مهارات جديدة في العمل أو في الحياة اليومية، مما يزيد من إحساسنا بالكفاءة والقدرة على تحقيق الأهداف.
يجب أن نعطي أنفسنا قيمة بدون شروط. نحن لسنا بحاجة إلى تحقيق إنجازات عظيمة أو الحصول على اعتراف الآخرين حتى نشعر بأهميتنا. تقبل الذات كما هي، بمميزاتها وعيوبها، هو المفتاح الحقيقي للسعادة. لا تحتقر نفسك، ولا ترى نفسك أفضل من الآخرين، بل عامل نفسك بحب واحترام، لأن ذلك سينعكس على حياتك بأكملها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يَحقرنَّ أحدُكم نفسَه”، وهذا أعظم درس في تقدير الذات.
التعليقات مغلقة.