سعيد بنيس يُحذر من نهاية المغرب الذي نعرفه ويتحدث عن التحولات المجتمعية الكبرى في زمن الرقمنة
جريدة أصوات
في ندوة علم الاجتماع التي نظمتها الجمعية المغربية لعلم الاجتماع يوم الأربعاء 17 يونيو 2025 بكلية علوم التربية، أطلق سعيد بنيس، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، نداءً حازمًا حول التحولات العميقة التي يمر بها المجتمع المغربي، معتبراً أن “المغرب الذي نعرفه انتهى”.
وفي حديثه حول دور علم الاجتماع في فهم هذه التحولات، استعرض بنيس استنتاجات أولية حول الانتقال من مجتمع التواصل الواقعي إلى مجتمع الاتصال الرقمي، ومن ثقافة الشفهي إلى ثقافة السمعي البصري، ومن المواطنة التقليدية إلى مواطنة افتراضية، مرسلاً رسائل تحذيرية بشأن مخاطر تفكيك الروابط الاجتماعية التقليدية وتبدل القيم.
واستند بنيس إلى إحصائيات دقيقة أليَّفها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، حيث بلغت نسبة استعمال الهواتف الذكية والإنترنت بين المغاربة 99%، مع مؤشرات تدل على أن الأسرة المغربية تتسم بطاقة اتصال عالية، لكن قلقه يزداد من تأثيرات الاستخدام غير الحذر والمتزايد لوسائط التواصل الاجتماعي، حيث يشارك 94.3% من البالغين فيها، مع وعي محدود لمخاطرها.
وأشار بنيس إلى تراجع البُنى الأبوية التقليدية وتفكيكها لصالح حكامة أسرية مبنية على التفاهم، مع ظهور توترات داخل الأسرة نتيجة التباعد الاجتماعي وتغير مكونات الروابط الاجتماعية، حيث تعرض الرابط الأسري لأكثر من ثلث الضرر (33%)، مقارنة برابط العمل، في حين ظل الرابط السياسي ضعيف التأثر.
وفي سياق حديثه عن الوسائط كمحدد رئيسي للتحولات الاجتماعية، طرح بنيس ثلاثة منطلقات أساسية: أولها، اعتبار وسائل التواصل وسيلة تنشئة افتراضية تتأثر بقيم داخلية وعمودية، والثانية، دراسة ديناميات القيم الصاعدة مقارنة بتجلياتها في الواقع، والثالثة، اعتماد مقاربة متعددة المواقع تجمع بين الواقعي والافتراضي، باعتبارها ميدانًا ذا هوية مزدوجة وتحولات مركبة كما وصفها الفيلسوف إدكار موران.
وحذر بنيس من مخاطر المنصات الرقمية مثل تيك توك، التي أصبحت محور قضايا اجتماعية وصحية، مع ظهور لجنة تحقيق برلمانية في فرنسا تركز على آثارها الإدمانية والعنيفة، والتي تتسبب في انحرافات خطيرة مثل العنف والإدمان والتنمر والابتزاز عبر الإنترنت، مؤكداً أن الانحراف الافتراضي يُشكّل تحديًا لسياسات الدولة.
وفي جانب القيم، أشار بنيس إلى ظهور مفاهيم جديدة مثل “السيلفي” و”المكاشفة” كوسائل ترابط اجتماعي حديثة، حيث أصبحت التفاعلات الرقمية بمثابة جسر يمر عبره الرابط الاجتماعي، معتبراً أن الأسرة أصبحت تعتمد بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث، مما يهدد برفض الاقتصاد التربوي التقليدي.
وفي ختام كلمته، لفت سعيد بنيس إلى مصطلحات مثل “الغرائبية الهوياتية” و”التيه المواطناتي”، موضحًا أن جيل المستقبل يعاني من اضطرابات الهوية وهوية مغتربة، مع تزايد الأمية الرقمية وتبعاتها على الفضاء العام الافتراضي.
وفي مسار مستقبل علم الاجتماع، اقترح بنيس منهجية تقوم على التشخيص، والفهم، والاستباق، بهدف تقديم معطيات موضوعية لصناع القرار، مع التأكيد على ضرورة التحدي الإيجابي وإثراء النقاش العمومي، مع إبراز دور المدرسة المغربية في التصدي لهذه التحولات وتثبيت الهوية الوطنية في عصر الرقمنة
التعليقات مغلقة.