نقلت مصر مؤخراً رسائل حازمة لإسرائيل مفادها أن عبور لاجئين فلسطينيين من غزة إلى سيناء سيعرض اتفاق السلام بين الدولتين للخطر.
ونقلت الرسائل في سلسلة من الاتصالات بين محافل رفيعة المستوى في مصر ونظرائهم في إسرائيل، ووصل مضمونها إلى القيادة السياسية الأمنية في البلاد. أوضحت مصر عدم موافقتها على عبور لاجئين إلى سيناء. وحسب أحد المصادر، كانت الرسالة المصرية بأنه “إذا مر حتى ولو لاجئ فلسطيني واحد، فسيلغى اتفاق السلام”.
وقال مصدر آخر إن الرسالة المصرية كانت أرق، وبموجبها فإنه “إذا ما مر حتى ولو لاجئ مصري واحد، فسيعلق اتفاق السلام”. وشرح المصدران الرسائل الحازمة التي أطلقتها مصر بخليط من الغضب والقلق؛ غضب نابع من تصريحات وأوراق مواقف مختلفة أوصت بإخراج الفلسطينيين من غزة كحل ممكن لمشكلة القطاع. وزارة الاستخبارات برئاسة الوزيرة غيلا جمليئيل، أوصت بذلك في ورقة رسمية نشرتها، وفي الأسابيع الأخيرة كانت بضعة تصريحات مشابهة لوزراء ونواب على رأسهم وزير المالية سموتريتش الذي كرر الأقوال في عدة مناسبات.
ينبع القلق المصري من عبور مئات آلاف الفلسطينيين في غزة إلى سيناء وبقائهم هناك. ووفقاً المصدر، فإنه لا يمكن لأي دولة أن توافق على استيعاب مثل هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين، وسيصبحون مشكلة مصرية دائمة”، على حد تعبير أحد المصادر. لهذا القلق دافعان أساسيان: الأول، أن يحاول الفلسطينيون ترك غزة على خلفية الوضع الإنساني المتهالك في القطاع. والآخر أن يحاول الفلسطينيون الفرار خوفاً من الحرب.
مسألة محور فيلادلفيا
كما أن هذا هو السبب الذي جعل مصر تبين لإسرائيل معارضتها الشديدة لاتساع القتال نحو رفح وسيطرة إسرائيلية على محور فيلادلفيا. يتركز في منطقة رفح اليوم نحو 1.4 مليون من أصل 2.2 مليون من مواطني القطاع. وتخشى مصر من أن ستؤدي عملية إسرائيلية في المدينة إلى فرار جماعي إلى سيناء. ولما كانت إسرائيل تمنع عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم في شمال القطاع، فإنها عملياً لا تترك لهم أي إمكانية غير الفرار جنوباً.
ترى إسرائيل في ذلك مشكلة حقيقية؛ لأن لواء عسكرياً لحماس يعمل في رفح مع أربع كتائب، ولا بد من هزيمتها كجزء من نية فرض الهزيمة على قدراتها العسكرية في القطاع. كما أن السيطرة على محور فيلادلفيا حيوية لقطع التهريب بين سيناء والقطاع. وحسب تقديرات مختلفة، في المنطقة عشرات أنفاق التهريب التي تعمل اليوم أيضاً. وقد استخدمتها حماس لتهريب الناس والبضائع، وأساساً الوسائل القتالية.
إن السيطرة على محور فيلادلفيا ستفرض على الجيش الإسرائيلي بقاء طويلاً إلى أن يتوفر حل دائم لمشكلة التهريب. وثمة حلول ممكنة كهذه: بقاء دائم لإسرائيل في المكان؛ وإقامة عائق تحت أرضي مثل العائق الذي أقيم في حدود إسرائيل – غزة؛ ومرابطة قوة متعددة الجنسيات؛ ومرابطة قوة مصرية معززة. تتطلع إسرائيل إلى دمج عدة حلول بالتوازي، مثل بناء عائق يعزز بعمل مصري أو دولي دائم وربما بكليهما. أما إمكانية بقاء دائم لإسرائيل فهي ضعيفة، لأن العالم سيعتبر ذلك احتلالاً متجدداً للقطاع، وتلزم إسرائيل بجواب لمشاكله. وقد أوضحت إسرائيل بأنها تعتزم فك ارتباطها عن غزة تماما في نهاية الحرب، وليس كما تفعل حين كان معظم البضائع والوقود تدخل إلى غزة من البلاد. وكي لا تتهم بأنها تخنقه، فعليها السماح للغزيين ببوابات دخول وخروج. ولأنه لا ميناء أو مطار في غزة، ولأن المعابر من إسرائيل ستغلق، فلن يتبقى للفلسطينيين إلا معبر رفح لإدخال وإخراج البضائع والأشخاص.
المصلحة في هزيمة حماس
كل هذه الخطوات تستوجب تنسيقاً وثيقاً بين إسرائيل ومصر. تجري اتصالات بين الطرفين منذ بداية الحرب، وتتواصل رغم غضب القاهرة على حكومة إسرائيل. كما يقوم المصريون بدور فاعل في الاتصالات لصفقة المخطوفين.
للحكم في مصر عطف قليل على حماس كجزء من سياستها حيال حركة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، تقيم علاقات متفرعة مع حماس كجزء من جهودها لتوسيع نفوذها، لكن أيضاً كبوليصة تأمين ضد تسلل نشاط حماس إلى أراضيها.
وقدرت محافل مختلفة في إسرائيل بأن لمصر مصلحة واضحة في هزيمة إسرائيل حماس؛ لتعزيز الجهات المعتدلة في المنطقة في وجه المحور المتطرف بقيادة إيران. وعلى حد قولهم، على إسرائيل العمل في القاهرة لتبديد مخاوف مصر بأن تمس الحرب في غزة بالمصالح المصرية، وعلى رأسها إمكانية عبور لاجئين فلسطينيين إلى سيناء.
التعليقات مغلقة.