إن كل المدافعين عن ضرورة تخليق المشهد الصحفي والإعلامي واحترام أخلاقيات المهنة لا يغيبون أهمية وجود المناخ الصحفي والإعلامي الذي يصون مصالح وحقوق الممارسين، لأنه لا شرعية للممارسة الصحفية والإعلامية إذا كانت تفتقر إلى أبسط شروطها التي يشعر فيها المهنيون بالقدرة على الممارسة الحرة والمحترمة في محيطهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وهذا لا يأتي لمن تمارس عليهم الوصاية في كل مراحل الممارسة المهنية، ويتعرضون للمضايقات والتجاوزات.
المدخل إلى الشرعية كما نراه في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، يبدأ بمدى مساحة الحرية ومدى صيانتها، وتوفر شروط الارتقاء بها في المناح المجتمعي الذي يقدرها ويصونها ويشجع على تطورها.
إذن، بين فترة وأخرى يغرد البعض خارج السرب للحديث عن أخلاقيات المهنة في العمل الصحفي والإعلامي، وإن كان واقع ممارسته المهنية يكذب مثل هذه الخرجات المسجلة للسبق في الكلام عن متطلبات العمل الصحفي والإعلامي التي يجب عليه التقيد بها مهما كانت الإكراهات والإغراءات، أو كانت شروط المهنة تقتضي منه التحلي بأقصى درجات الحذر واليقظة حتى لا يكون عمله ضد مصلحته واستقلاليته المهنية التي يجب أن يكون حريصا على مصداقيتها وآثارها، مهما كانت طبيعة موضوعها وانعكاساته على الأطراف المعنية بها.
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نعطي الدروس للفاعلين، فيكفي ما يمتلكونه من الخبرة والمعرفة بواقعهم المهني المعرض لجميع الطوارئ، التي يجب أن يكونوا أكثر إدراكا لأبسط خطواتها وأرقاها، سواء اتجاه الأحداث أو القضايا أو الملفات أو الموضوعات التي اختاروا الكتابة عنها في مجالات الخبر والتعليق أو التغطية أو الدراسة أو الاستطلاع .. ونظن أن عموم الفاعلين أصبحوا بحكم التراكمات يفهمون أكثر من غيرهم ما يتطلبه فقه النوازل وفقه المقاصد في ممارستهم المهنية .. وبالتالي، ليسوا في حاجة إلى المزيد من المواعظ والإرشادات التي تنبههم إلى وظائفهم المهنية التي يجب أن تحترم الأخلاقيات المهنية.
هذه هي القضية الجوهرية التي أردنا في المستقلة بريس، أن نتحدث عنها، ونتمنى أن يشاركنا فيها أهل المهنة، سواء الذين يتفقون أو يختلفون معنا حول أبجديات الممارسة المهنية الصحفية والإعلامية، التي يجب أن تكون وجهة الجميع .. فعلى ضوء حقيقة الالتزام بالحد الأدنى من منظومة الأخلاقيات المهنية التي يجب الالتزام بها، نبرر هذا التذكير، لأن لا أحد من الفاعلين يتجاهل أهمية هذه الأخلاقيات.
إن ما يلاحظ من هزال وأحيانا من سخافات تفتقر إلى أبسط شروط العمل الصحفي والإعلامي، كتابة أو تصويرا أو تسجيلا أو إخراجا تثير المهتم قبل القارئ بضرورة الحرص على الأخلاقيات المهنية، التي تجعل المقال موضوعا للمتابعة والقراءة، وهنا تنتصب الأخلاقيات في المنتوج الصحفي والإعلامي، وكلما كان الحرص على صحة المعلومة أو الفكرة أو الصورة أو التسجيل في موضوع الصحفي أو الإعلامي كان من الصعب تكذيبه أو الطعن في مشروعيته المهنية، ونفس الأمر يكون في الموضوع النقدي اتجاه سلوك مسؤول، إذا توفرت للفاعل أسباب المساءلة، ويمكن تعميم ذلك على باقي أجناس الكتابة الصحفية والإعلامية بكل أدواتها المكتوبة أو المسموعة أو المرئية.
بالفعل، المجال الصحفي والإعلامي يحتاج دائما إلى مراجعة قواعده وقيمه ومبادئه وقوانينه انسجاما مع التحولات التي يرصدها الفاعل حول موضوعه، والتي تصل إلى أقل من عشر الثانية في كل جوانب مشروع العمل الصحفي والإعلامي الذي يشتغل عليه في الأجناس المتعارف عليها، التي تتطلب منه الإحاطة الجادة وامتلاك المعلومة والقدرة على الحضور التنافسي بواسطة قواعد العمل ومناهجه وتقنياته، التي تمكنه من الإنجاز الموضوعي المطلوب منه في هذا العمل الصحفي أو الإعلامي .. في إطار المساحة المتاحة له، وفق الشروط القانونية والمهنية السائدة.
إن إدراك المهني عموما لواجباته المحددة تقتضي منه امتلاك هامش الحرية التي تسمح له بإنجاز عمله الصحفي والإعلامي، بعيدا عن الوقوع في الأخطاء التي يفرضها موضوع العمل الذي ينجزه في الأجناس الإعلامية والصحفية المسموح بها في إطار القوانين التي يجب أن تحرص في مضمونها على توفير الحماية للصحفي والإعلامي، بدل تقييده كما هو ملموس في كل المنظومة المعمول بها حتى الآن، أو التي يتوقع تفعيلها بالثغرات والنقائص التي تعاني منها .. وإن كان من المفروض في الممارس في ظل عيوبها الراهنة، وبما تستوجب من حسن التعاطي معها أثناء صياغة العمل الصحفي والإعلامي .. ولعلم الفاعلين، فالكثير منهم وخصوصا البارزين في التخصصات المهنية التي يعملون فيها يستحضرون ما قلناه عن الأخلاقيات المهنية التي تحدد في نهاية المطاف المنتوج الصحفي سلبيا وإيجابيا.
حتى لا يذهب الفاعلون بعقولهم بعيدا عن الموضوع .. نقول، إن حسن الانتباه والإدراك والوعي العميق بمتطلبات العمل الصحفي والإعلامي في كل أجناسه هي التي تمنح الفاعل شرعية الدفاع عن وجاهة تحليله أو تغطيته أو موضوع خبره، ودون ذلك يكون تجاهل الأخلاقيات سببا في التورط في القضايا والمشاكل التي لا يكون الفاعل الصحفي منتبها إليها، وهذا ما يفرض كما قلنا استحضار كل الشروط التي تتحكم في صحة الممارسة الصحفية والإعلامية.
يقودنا هذا التحليل إلى أن الفاعل الصحفي أو الإعلامي غالبا ما يضع في اعتباره وجود ما يجعل عمله ناقصا وعاجزا على التأثير المطلوب منه في بعض الأحيان، لذلك يجب مراعاة كافة العوامل المؤثرة في موضوع العمل الصحفي والإعلامي حتى لا يجد الفاعل نفسه في قفص الاتهام أو التقصير في جوانب ممارسته حتى لو كان بسيطا .. ومن المؤكد، أن عموم الفاعلين يرغبون في تجويد عملهم، بعيدا عن قوة الوسائل التي توظف للتقليل من قيمة الممارسة الصحفية التي أصبح مقياس نجاحها أو فشلها مرتبط بمدى الوعي اليقظ والدائم بأهمية هذه الأخلاقيات التي تتكيف مع أوضاع مجتمعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والثقافية.
في ختام هذه المقاربة، نوجه عناية الصحفيين والإعلاميين إلى ضرورة الوعي بأهمية الأخلاقيات المهنية في مجالات التخصص التي يتقنونها، وأن ينتبهوا إلى المخاطر والمستجدات والعراقيل التي يمكن أن تجعلهم في بعض الظروف مهملين لمضمون هذه الأخلاقيات ولضرورة الحرص على الالتزام بها في ممارستهم اليومية.
التعليقات مغلقة.