الرباط/فاس، المغرب – 26 يونيو 2025، شهد المشهد القضائي المغربي تطورات متسارعة خلال الأيام الماضية، حيث مثُل يوم الخميس 12 يونيو، نائب للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، في إطار الامتياز القضائي. يواجه النائب تهماً عديدة منها التخابر وتقديم معلومات لمالك موقع إلكتروني بإيطاليا استغلها في التشهير وابتزاز مسؤولين في القضاء والأمن. وفي سياق متصل، قرر قاضي التحقيق بالغرفة الأولى المكلفة بالنظر في الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس إطلاق سراح مقاولين معروفين على ذمة ملف التلاعبات في التجهيزات الطبية بمستشفى ابن باجة.
حيث أفادت مصادر مطلعة أن نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس، الذي أحالته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على أنظار الوكيل العام للملك بالرباط، قد تقرر متابعته في حالة سراح، وذلك على خلفية شكاية تتهمه بـممارسات غير قانونية وخروقات جسيمة.
وبحسب ما نشرته منابر إعلامية مغربية، فإن الأبحاث التي باشرتها الفرقة الوطنية جاءت بناء على تعليمات الوكيل العام، إثر شكاية تقدم بها مستثمر وصاحب فندق بمدينة فاس (م.م) ضد نائب الوكيل العام (م.م). وقد وجهت الشكاية إليه اتهامات خطيرة تشمل: الابتزاز، استغلال النفوذ، الرشوة، النصب، والتحرش الجنسي.
وكشفت التحقيقات أن نائب الوكيل العام استفاد من سيارة من نوع “فولكسفاجن Touareg” تم شراؤها وتفويتها له من قبل المشتكي سنة 2016، مقابل تدخله لصالح شقيق المشتكي المتابع في قضية اتجار بالمخدرات. كما بينت التحقيقات أن المشتكى به وفر الحماية للمشتكي سنة 2018 عندما كان مبحوثاً عنه بسبب شيكات بدون رصيد، حيث رصدت التحريات الهاتفية وجودهما تحت تغطية نفس اللواقط الهوائية في عدة مناسبات، إضافة إلى مكالمات هاتفية بين الطرفين خلال تلك الفترة. وصرح المشتكي بأنه كان يؤدي ثمن وجبات وسهرات واستهلاك الخمور لنائب الوكيل العام مقابل الحماية التي وفرها له.
كما اتهم المشتكى به بـتحرير رسائل كيدية بخط يده ضد زملائه في النيابة العامة وعدل بمدينة فاس، وبتواصله غير المباشر مع إدريس فرحان، صاحب موقع “الشروق نيوز 24″، عبر وسطاء. وأكد المشتكي أن نائب الوكيل العام هدده بنشر محتوى تلك الرسائل على منابر إعلامية أوروبية، وقد أثبتت الخبرة الخطية تطابق خط الرسائل مع خط يد المشتكى به. وأضافت المصادر أن شهودا أكدوا أن المشتكى به كان يسرب معلومات عن زملائه لوسطاء على صلة بإدريس فرحان بهدف نشرها.
في اتهام بالغ الخطورة، صرحت زوجة المشتكي بأن نائب الوكيل العام تحرش بها خلال فترة اعتقال زوجها، وحاول لقاءها منفردة لتسليمها مبلغ 100 ألف درهم. وعند رفضها، دعاها إلى مكتبه حيث حاول التأثير عليها وتحريضها ضد زوجها، قبل أن يحاول تقبيلها عند السلام، لكنها صدّته.
ومن ضمن الأدلة التي قدمها المشتكي، شريط مرئي مدته 19 دقيقة و07 ثوانٍ يوثق لقاءً بينه وبين المشتكى به سنة 2022، تضمن حواراً حول قضايا شيكات وعد فيها النائب بمساعدته، وطالب خلالها بمبلغ 40 ألف درهم مقابل تدخله في النزاع المعروض على القضاء. وقد صدرت تعليمات يوم الأربعاء عن نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط تقضي بـإغلاق الحدود في وجه المشتكى به، وقد تم تنفيذ هذا القرار فورا.
وفي ملف منفصل، لكنه يثير أيضا اهتماما كبيرا، قرر قاضي التحقيق بالغرفة الأولى المكلفة بالنظر في الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس، مساء يوم الخميس، إطلاق سراح مقاولين معروفين كانا محتجزين على ذمة قضية التلاعبات في التجهيزات الطبية بمستشفى ابن باجة.
ووفقاً للمصادر، فقد طالبت النيابة العامة المكلفة بالجرائم المالية من قاضي التحقيق محمد الطيوب إجراء تحقيق مع المشتبه فيهما “إ” و”ج” حول تورطهما في أفعال إجرامية تتعلق بـجريمة “الرشوة”. وبعد الاستماع إليهما، قرر قاضي التحقيق الإفراج عن الأول بكفالة مالية قدرها 20 ألف درهم، بينما أفرج عن الثاني بكفالة قدرها 10 آلاف درهم، وذلك في انتظار استكمال الإجراءات التحقيقية المقررة ليوم 2 يوليو المقبل.
يأتي هذا القرار في إطار قضية كبرى تمكنت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من كشفها، بناء على معلومات دقيقة قدمتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. وقد أسفرت التحقيقات عن تفكيك شبكة إجرامية متورطة في تزوير وثائق إدارية لبيع وتفويت أجهزة ومعدات طبية عمومية، مع تقديمها على أنها معطلة رغم أنها ما زالت صالحة للاستعمال.
كما أثبتت التحقيقات تورط المتهمين في ممارسة أعمال الاحتيال في حق مستفيدي الصفقات العمومية المتعلقة بهذه المعدات الطبية، بالإضافة إلى قيامهم ببيعها لعدد من العيادات الطبية الخاصة. وأسفرت عمليات التفتيش التي أجريت في منازل المشتبه فيهم وعياداتهم الخاصة عن ضبط العشرات من الأجهزة والمعدات الطبية التي تم الحصول عليها عبر هذه الأنشطة الإجرامية، بالإضافة إلى مجموعة من الكراسي والأسرة والشاشات ومكيفات الهواء وأجهزة الكمبيوتر التي تم بيعها بنفس الأساليب غير القانونية.
تجدر الإشارة إلى أن غرفة الجنايات الاستثنائية المكلفة بالجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس كانت قد أصدرت في 13 يوليو 2024 أحكاما تأديبية في حق عدد من المتورطين في قضية التلاعبات في التجهيزات الطبية بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن باجة، وهي القضية التي يتابع فيها 12 إطارا طبيا وإداريا، بينهم مدير المؤسسة الصحية المذكورة. وتشير مجريات التحقيق إلى أن القضية مرشحة للكشف عن تفاصيل إضافية قد تضع المعني بالأمر في موقف أكثر تعقيداً، وتفتح النقاش مجدداً حول ضرورة تعزيز آليات الرقابة داخل جهاز النيابة العامة.
التعليقات مغلقة.