دعونا لا نتحدث عن الذين تاجروا في أكسجين كورونا ضدا على المصلحة العليا للمغاربة..
دعونا لا نتحدث عن المسؤولين الكبار في الدولة، مسؤولون يخجلون من التعامل بجواز سفرهم المغربي في المطارات، معوضين إياه بجواز سفر أحمر، ماذا تنتظر من هؤلاء غير التلكؤ؟
دعونا لا نتحدث عن الصحافيين الذين باعوا ذممهم من أجل تجميل صورة أولياء أمورهم بالوكالة.. هؤلاء باعوا ما بقي لهم من كرامة، ولو أتيحت لهم إمكانية بيع الوطن لما توانوا في ذلك، لأن من يبيع نفسه قادر على بيع كل شيء.
دعونا لا نتحدث عن صحافي قصده ذات يوم أمين عام حزب من أجل تلميع صورته بمقابل مادي، لكنه رفض رفضا قاطعا باسم استقلالية الصحافة، وها هو اليوم لا يتوانى في تلميع صورة شخص تبناه، لا لشيء سوى لأنه ثري.. ثري على حساب الآخرين، أي ثري دون مبدأ.
دعونا لا نتحدث عن مدير نشر إحدى الجرائد الذي انقلب خطابه جملة وتفصيلا، لأنه لا يكتب ما يريد، ولكن ما أُريد له من طرف أسياده، علما أن جريدته لا يقرأها إلا أصحابها.. مع العلم أنها تدعم من مال دافعي الضرائب
دعونا لا نتحدث عن الذين يستغلون سلطتهم للاستثمار في التعليم الخاص والعقار والمشاريع التي تبيض ذهبا.. دعونا لا نذكر أسماءهم حتى لا نُتهم بموضة التشهير التي أصبحت سلاحا لمن لا سلاح لهم.
دعونا لا نتحدث عن شخص يفوز بكبريات الصفقات.. شخص يجمع بين السلطة والثروة، شخص يريد أن يملك كل شيء.. شخص سطع نجمه مؤخرا وبات يشتري الناس مثلما تُشترى الأشياء.
دعونا لا نتحدث عن أمين إحدى النقابات، الذي يوزع المناصب على المقربين منه دون أن يرف له جفن، رائحة فساده تزكم الأنوف أمام الجميع دون أن يحرك أحد ساكنا..
دعونا لا نتحدث عن عمدة مدينة تنتظر الضوء الأخضر من رجل الظل،دون أن تكون لها القدرة على تسيير تلك المدينة هناك..
دعونا لا نتحدث عن الذين يراهنون على جعل التعليم في كف القطاع الخاص، مهندسون خلقوا أزمة عن سبق إصرار وترصد، كي يشجعوا فقراء الوطن على بيع ما بقي لهم من أسمال من أجل تدريس أبناءهم..
دعونا لا نتحدث عن الذين يتاجرون في مباريات التوظيف.. ودعونا أيضا لا نتحدث عن المساهمين في ذلك من أبناء الشعب المقهور، الذين لو أتيحت لهم فرصة سرقة ما تبقى من الوطن لن يعجزوا عن فعل ذلك، لأن في رأيي، من يقدم رشوة بقيمة 20 درهم، قادر على سرقة صندوق ما او ميزانية ما أو حتى أعطية أو تبرع ما.. نعرف بعضنا كثيرا، ونعرف ان المسكوت عنه يتواطؤ فيه الجميع ومن كل الطبقات، إذ لا فرق بين من يسرق ثورا ومن يسرق بيضة..
لكن دعونا نتحدث اليوم عن قضية التعليم، ودعونا نثير أيضا قضية المنابر الإعلامية المتفننة في نشر التفاهة، وبعض الجرائد الورقية والإلكترونية المسيرة من طرف من بيدهم الأمر.. دعونا نتحدث عنهم وعليهم، عن جرأتهم الكبيرة التي تتمثل في الحديث عن موضوع لا يعرفون عنه إلا الفتات، بل إنهم لم يكلفوا انفسهم عناء البحث، لأن نيتهم مبيتة مسبقا، ولأننا نعرف أن لهم خطا تحريريا لا يمكن تجاوزه مهما ادعوا وهم الاستقلالية، ومرجعية معينة وشخصيات يجب أن يكيلوا لها المدح مهما تفننت في فشلها الذريع..فمن منحهم الإذن لمحاكمة الأساتذة المضربين اليوم؟ ومن أعطاهم اليد الطويلة لإظهار شيء وإخفاء شيء آخر؟ لماذا لم يجدوا الشجاعة الكبيرة في فتح ملفات يعرفون تفاصيلها وخباياها أكثر من أي أحد، بفضل سهرات شقق أكدال، وبعض الأماكن الأخرى سواء بالرباط أو البيضاء التي تقام على شرفهم وتلك قصة أخرى.
من حق نساء ورجال التعليم أن يخرجوا اليوم للدفاع عن منزلة الحضيض التي باتوا يقبعون فيها.. صحيح أن بينهم من لا يستحق لقب المعلم.. صحيح أن في التعليم فسادا على غرار كل القطاعات.. لكن للتعليم مكانة خاصة، مكانة رمزية قبل ان تكون لها صفة أخرى. فلماذا يتهم بعض المشتغلين في الإعلام الأساتذة المضربين، كون أنهم يتكلمون باسم خلفية ما؟ ربما لا أريد أن أعطيكم درسا في علم الأفكار، وأن كل شيء يقوم به الإنسان ناتج عن خلفية معينة، أو كما يقول نيتشه “وحدها الحجارة بريئة”
ولقد تبدى لي حقدهم على فئة لم تعد لها ذرة صغيرة من الصبر، حينما حشروا أنفسهم في هاشتاغ تعليم الأجيال قبل المونديال. لا أدافع عن أي أحد في “كرونيك” اليوم، ولكننا نتحدث عن وزارة تجمع بين التربية الوطنية والرياضة، إذ لا يعقل أن تبني الملاعب بمئات الملايير، ولا تبني المدارس وتصلح الأقسام المهترئة من أجل تفادي الاكتظاظ. جرب ان تراجع درسا واحدا مع ابنك في المساء كي تعرف ان تدريس 40 تلميذا معجزة من معجزات العصور الغابرة، وللإشارة فإذا تمعنت في دلالة الهاشتاغ ـ وأنا لا أدافع عنه طبعا ـ ستجد أنه لا يأخذ موقفا سلبيا من الرياضة، وإنما يقول أن الأولوية للتعليم، بما أنه ثاني قضية بعد الوحدة الترابية، فكلمة “قبل“ لا تدل على النفي ولا على التفضيل، وإنما على الأولوية الترتيبية فقط.. كلنا ضقنا درعا بما يحصل اليوم في مدارسنا، ولا تتصوروا ما معنى أن تغلق المدارس.. لكننا في حاجة إلى من يقول كلمة طيبة، أما الذين يتكلمون فيما لا يفقهون فيه، أو يتكلمون حينما يتم لكزهم من طرف أولياء أمورهم، فمن الأفضل أن يصمتوا الآن، لأننا في حاجة إلى حكماء وليس إلى أبواق تمدح من يقدم لها أكثر
التعليقات مغلقة.