تواصل التطورات الجارية في الأراضي الفلسطينية والحرب المستعرة بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ومحيطه، إلقاء ظلالها على الساحة العربية والدولية، حيث تتجه الأنظار نحو الدول التي تربطها اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، ضمنها المغرب، وإمكانية التأثير على مستقبل هذه الاتفاقيات.
وبدأت بعض القراءات تستدعي الوقائع التاريخية في ما يجري وتلوح بإمكانية تكرار السيناريوهات التي كانت قد حكمت العلاقات بين المغرب وإسرائيل في هكذا ظروف، والتي بلغت حد إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط إبان الانتفاضة الفلسطينية لسنة 2002.
غير أن هذه القراءات تصطدم في الوقت الراهن بواقع جديد، إذ إن المغرب مرتبط بعلاقات واتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي تجعل اتخاذ خطوة من هذا القبيل إجراء “شبه مستحيل”، وهو الأمر الذي ذهب إليه المحلل السياسي محمد شقير.
وقال شقير إن قيام المغرب بقطع علاقاته مع إسرائيل نظرا للوضع الحالي ما بين إسرائيل وحماس،مسألة أصبحت مستبعدة، نظرا لأن السياقين يختلفان، موضحا أنه إذا كان المغرب أغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي في 2002 نظرا للحرب القائمة آنذاك والانتهاكات التي كان يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنه حاليا قد أبرم اتفاقيات أبراهام التي تلزمه بعدد من الالتزامات الحصرية.
وأضاف شقير أن المسألة ربما تختلف بشكل كبير ما بين الواقع السابق والواقع الحالي، المغرب أصبح مرتبطا باتفاقيات تلزم الدول، ومن الصعب جدا إعادة النظر في اتفاقية مع إسرائيل، لأن ذلك سيعتبر نوعا من العبث وعدم المصداقية.
وسجل المحلل السياسي ذاته أن المغرب في استئناف علاقاته مع إسرائيل حاول الفصل بين تعامله الثنائي مع إسرائيل، الذي تدخل فيه مجالات عدة، منها التعاون العسكري والاقتصادي، وتشبثه بالدفاع عن القضية الفلسطينية بحكم أن العاهل المغربي رئيس لجنة القدس.
وبين شقير أن المغرب ظل يندد بالانتهاكات التي كان يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي وينتقد هذه السياسات، وربما هذا ما دفعه إلى التريث وعدم الرفع من التمثيلية الدبلوماسية بين البلدين، بحيث حافظ على تمثيل بمكتب اتصال، رغم كل الضغوط التي كانت تقوم بها إسرائيل من أجل الرفع من مستوى التمثيلية.
وشدد المتحدث على أنه بعد اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، مازال الموقف المغربي متشبثا بهذه المسألة، لافتا إلى أن المغرب حاول دائما تأجيل قمة النقب 2 لأسباب عدة، من بينها الحكومة الإسرائيلية التي يعتبرها من أشد الحكومات يمينية وتطرفا.
واعتبر شقير أن المغرب سيكتفي بالدعوة إلى الحوار وإيجاد حل سلمي للنزاع، بالإضافة إلى أنه دعا بصفته الرئيس الحالي للجنة جامعة الدول العربية إلى اجتماع وزراء الخارجية، وسيقف عند هذه المسألة دون أن يصل إلى إغلاق مكتب الاتصال أو إعادة النظر في اتفاق أبراهام”، مؤكدا أن علاقات المغرب مع إسرائيل أصبحت “علاقات مقننة ما بين دولتين.
من جهته، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية الموساوي العجلاوي أن هناك تحولات كبيرة تجري على مستوى إسرائيل، تتحول فيها موازين القوى لفائدة الأحزاب اليمينية الدينية المتطرفة، وهذا ما يفسر حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، ويفسر تدنيس المسجد الأقصى باستمرار من لدن بن غفير، وسياسة الابتزاز والاستفزاز واحتقار المواطن الفلسطيني المسلم والمسيحي.
وقال العجلاوي، إن ما جرى مؤخرا في القدس يؤشر على تحول قوي في الكيان الإسرائيلي، وردود فعل من هذا القبيل كانت متوقعة، في إشارة إلى الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل.
ودعا الخبير في العلاقات الدولية إلى التمييز بين مستويين، موضحا أن القضية الفلسطينية منغرسة عميقا في الشعور الوطني المغربي، اللهم بعض الاستثناءات التي لا حكم عليها، مذكرا بأن فتح مكتب اتصال مع إسرائيل في التسعينات جاء مباشرة بعد اتفاق أوسلو في إطار الدينامية الجديدة، والمغرب أقفل ذلك المكتب مباشرة بعد الانتفاضة الفلسطينية كرد فعل على ما كان يجري في الأراضي الفلسطينية، وهذا موقف سجل للدولة المغربية.
وأضاف العجلاوي أن كل الرسائل الملكية والمواقف الرسمية كانت تحذر مما حصل الآن، وتؤكد أنه لا خيار للاستقرار والسلم في الشرق الأوسط إلا عن طريق القضية الفلسطينية، وأن قضية القدس محورية في القضية، معتبرا أن المبادرات الفردية للمتطرفين الإسرائيليين ستدخل المنطقة في مرحلة اللا-استقرار ومرحلة صعبة جدا، وهذا ما نشاهده الآن.
وأشار إلى أن خيار التطبيع الذي تبنته بعض الدول جاء لتنبيه الكيان الإسرائيلي إلى أن المبادرة العربية للسلام مطروحة وليس التطبيع من أجل التطبيع، وهي رسالة من أجل أن تتقدم إسرائيل بالحل السياسي وحل الدولتين.
واستبعد العجلاوي إغلاق المغرب مكتب الاتصال الإسرائيلي في الوقت الحالي، موردا أن المطلوب من المغرب هو الدعوة التي طالب فيها بعقد اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، لأنه يترأس الدورة، والمغرب لن يتخلى عن القضية الفلسطينية.
التعليقات مغلقة.