استيقظنا صباح يوم السبت الماضي على احداث كأنها اقتطعت من فيلم هليودي، فمئات من مقاتلي حماس يقتحمون السياج الفاصل بين غزة و مستوطنات ما يسمى بالغلاف برا و جوا و بحرا في وضح النهار و بمنتهى اليسر. رأينا كما رأى العالم الشبان الفلسطينين و هم يصولون و يجولون في شوارع المستوطنات في غياب شبه تام لأي رقيب او حسيب و هم يقتلون الجنود و يأسرون المستوطنين.
استيقظ العالم على هذا الحدث الجلل و العظيم فأختلف الناس في ردود افعالهم الى ثلاث فرق. فمنهم من بارك العملية و اعتبرها نصرا عظيما و هدما لاسطورة الجيش الذي لا يقهر و الذي تحول في لحظات الى جيش من ورق يعبث به المقاومون الفلسطينيون و كأنهم مجموعة من الصبية لا حول لهم و لا قوة.
و فريق اخر من اللوبي الداعم لاسرائيل رأى في هجوم حماس عملا ارهابيا، حيث هاجموا مدنيين عزلا في يوم عيدهم فقتلوا الاطفال و النساء و اقتادوا اعداد منهم كأنهم قطعان ماشية الى داخل القطاع. تبنى هذا الرأي كل الدول الغربية و الولايات المتحدة الاميركية بطبيعة الحال و الاعلام بجميع قنواته بتأثير من جماعات الضغط الصهيوني التي تسيطر بشكل رهيب على صناع القرار في العالم.
اما فريق ثالث، فقد حاول ان يأخذ العصى من الوسط و يتبنى اسلوبا معتدلا لا الى هؤلاء و لا الى هؤلاء. فهم ضد قتل المدنيين كيفما كانوا و هم يرون الحوار و التعايش هو الحل الامثل لتحقيق السلام العادل و الشامل في المنطقة.
لعل الرؤية من خلال الضباب و انتظار ما ستؤول له الامور بعد هذه الأحداث هو عين الصواب. و الاكيد ان السؤال الابرز هو ان كانت حماس قد حسبت حساباتها جيدا قبل القيام بهذه العملية. فدخول حماس السلس الى مستوطنات الغلاف يطرح اكثر من تساؤل، هل كان مفاجئا كما قيل، ام انه هناك من غض الطرف و يسر الاقتحام من اجل اجندة مسبقة يتم تنفيذها الان؟ هل حسبت حماس رد فعل اسرائيل بترسانة اسلحتها و سيطرتها على الجو؟ و هل تملك حماس الحاضنة الشعبية و هل الناس في غزة على استعداد لتقديم التضحيات؟ و هل فقدان الغطاء السياسي و الدعم الدولي سيعطي المصداقية للانتقام؟
ان القضية الفلسطينية تتجاوز حدود غزة و يلعب فيها العديد من اللاعبين الاقليميين و الدوليين و تتداخل فيها مصالح الدول مع الاعتبارات الجيوسياسية في اطار ما يسمى بمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بدأ بتفاهمات ابراهام و حملات التطبيع بهدف الاجهاز على القضية الفلسطينية إلى الأبد.
حينما هاجم حزب الله اسرائيل في 2006 قامت الاخيرة بالانتقام فحولت بيروت الى ركام و مسحت بها الأرض. فقال حسن نصر الله قولته الشهيرة “لم علمنا ان ردت فعلهم هكذا، اما هاجمناهم”. ان النهايات التعيسة هي اكثر شيوعا من السعيدة و العاقل من يرى المآلات و يحسب حسابه لاي رد فعل لا تحمد عقباه، و نرجو ان يكون الاخوة في حماس قد اعدوا لكل امر جوابه.
التعليقات مغلقة.