بعد أن علمنا أن شخصا قام بإحراق جسده أمام بوابة بمؤسسة عمومية بمدينة الرباط في الخامس من رمضان المبارك، لم نكن نعلم أنه فنان مسرحي، لكن عندما علمنا بهوية الشخص وأنه الفنان المسرحي “أحمد جواد” أحزننا الأمر في أنفسنا كثيرا.
جاء السؤال إلى الذهن كيف لإنسان كيف ما كانت ظروفه أن يقدم على إحراق نفسه بالكامل، دون التفكير في عواقب هذه العملية الاجرامية الذي فعلها في نفسه؟ هل “أحمد جواد” كان بالفعل يريد أن ينهي حياته؟ أم أنه كان يريد فقط التهديد؟
بالفعل أسئلة كثيرة تراودننا، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
فإقدام “أحمد جواد” على سكب مادة قابلة للاشتعال على نفسه أمام وزارة الثقافة والشباب والتواصل بالرباط بدم بارد، لم يكن صدفة، ولكن كان مخططا له سابقا.
لم يتنبه له أحد بتدوينة كتبها على صفحته بالفيسبوك قال فيها “صدقوني لم أعد أحتمل كل هذا العذاب وأعذروني على ما سأقدم عليه في القادم من الأيام”.
فهذه العبارات تفسر أن الفنان كان يعيش تحت ضغط الحياة، تحت وطأة نفسية متأزمة جراء ما يتعرض له من إقصاء وتهميش وحكرة وظلم، فظن أنه بإنهاء حياته بتلك الطريقة البشعة، وحرق نفسه وتحمل ألم الحرق أحسن وأرحم له من العذاب والظلم والإقصاء والتهميش الذي يتعرض من مؤسسة عمومية، فدورها حماية الفنان والممثل والمغني والشاعر والكاتب… وأن تضمن لهم عيشا كريما.
بالفعل أمر صعب ولا يتحمله العقل، الكل ظن أن “أحمد جواد” يعاني من مشكل نفسي أو عقلي جعله يرضى بحياته وينهيها بهذه الطريقة المؤلمة.
لكن “أحمد جواد” كان على يقين تام أنه وصل إلى المرحلة الأخيرة من النضال، من أجل فرض نفسه وإعطائه حقه المشروع مثله مثل أي فنان يستفيد من جميع حقوقه المشروعة.
فقد كان “أحمد جواد” قد سكب مادة قابلة للاشتعال على نفسه بالكامل وأضرم النار في جسده ليحترق في اليوم العالمي للمسرح كرسالة منه على أنه كيف للعالم أن يحتفل بالمسرح والفنان المسرحي يعاني الويلات وهضم كل حقوقه.
نقل على مثن سيارة الإسعاف في حالة حرجة إلى مستشفى “بن سينا” بالعاصمة الرباط، بعد ما قدم له أحد المارة مساعدة، حيث تم إطفاء النار بواسطة الملابس وقنينة للإطفاء.
مكث هناك، ثمانية أيام، إلا أنه لم يتحمل الألم، وفارق الحياة متأثرا بحروقه البليغة التي كانت من الدرجة الثالثة، رحم الله الفقيد وإنا لله وإنا إليه راجعون.
توفي أحمد جواد وفي قلبه الغبن، ودفن معه ظلمه وإقصاءه وتهميشه وحكرته.
ضحى “أحمد جواد” بحياته في اليوم العالمي للمسرح ليقول للعالم، أن الفنان المسرحي المغربي يعيش مقموعا وليس هناك أي احتفال ما دام أن جميع حقوقه مهضومة.
مات “أحمد جواد” ضحية تسيير عشوائي، “وباك صاحبي”، وانعدام التواصل، وكلمة “سير حتى نعيط ليك”، وغيرها من الكلمات التي تعود الفنان سماعها، وهي طريقة غير مباشرة التي تعبر عن الاقصاء.
حقيقة الأمر أن هناك عدة مؤسسات عمومية تدعي أنها تحارب الرشوة والاحتكار، لكن الاحتكار، و”الوجهيات”، و”باك صاحبي”.
هذه هي ركائز المؤسسات العمومية حاليا ببلادنا العزيزة.
رحم الله الفقيد وإنا لله وإنا إليه راجعون. وداعا “أحمد جواد…”
التعليقات مغلقة.