أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

أسرنا والضغوطات النفسية، الإستيعاب والعلاج.

 بقلم : الحبيب عكي

  لاشك أن مما يهدد استقرار وسعادة الأسرة المغربية والعربية بشكل عام، نوع وحجم ما ينتشر فيها من الضغوطات النفسية والمعتقدات الخرافية والتصرفات العشوائية..التي توردها الموارد، وكل الأسر في الواقع تعاني من ذلك بشكل وحجم ما أو بآخر، يزيد من خطورته عدم الاستيعاب أحيانا، وعدم الاعتراف والمواجهة بالتصحيح أحيانا، إلى التهوين والتكتم والإهمال أو عدم القدرة على التصحيح المطلوب، الشيء الذي ولاشك سيفجر الأمر يوما ما لتحرق شهبه الصغار وتتطاير شظاياه على الكبار، الفاعلون والضحايا على السواء، ليس فقط، إلى درجة قد يمسهم الأمر في صحتهم النفسية ومعتقداتهم الإيمانية، بل قد يتجاوزها إلى اعتلال صحتهم الجسدية وقيمهم الأخلاقية وتصرفاتهم البشرية وعلاقاتهم الاجتماعية..، وليس ذلك على مستوى الأفراد فحسب بل ربما أيضا على مستوى المحيط الأسري والمهني والأقارب والمعارف ككل؟؟.

والضغوطات النفسية هي كل المشاعر السلبية التي تتلبس الإنسان، جراء أفكاره المعتلة وتعاملاته الخاطئة وحساسيته المفرطة وإخفاقاته في تحقيق بعض الرغبات والطموحات..، ما يخلق لديه بحكم التراكم والانزعاج نوع من القلق والتوتر والإحباط أو الاكتئاب والتفكير السلبي الزائد، الخفي والمعلن، الخفيف والحاد، اللازم والمتعدي، وكثيرا ما تغذيه أنماط الحياة المتوترة في عصرنا، عبر العديد من الحوامل الاجتماعية (السكن الجماعي غير المريح) والاقتصادية (الفقر والهشاشة أو الغنى والتيهان) و السياسية (لا تغيير ملموس يقع رغم الجهد) والثقافية (الاستلاب والاستهلاكية المفرطة) والصحية (ضعف المناعة ورداءة الخدمات)..، يزيد من حدة كل هذا عدم قدرة الإنسان على فعل شيء أي شيء اتجاه الأوضاع المختلة وبشأنها، إذ أصبح الأمر – بشكل ما – نمط حياة عامة، لا تتسم بغير كثير من العجلة والزحمة والضجيج وغيرها من الأمور المستنزفة للطاقة الإيجابية والشعور بالراحة النفسية والرحمة والمودة والطمأنينة والسكينة ؟؟. 

 

فهذه أسرة قد يعاني أفرادها من التفكك والهشاشة، ليس بينهم حوار، وإذا حدث فبدون تواصل، بينهم جدران من الأنانية والفرض وأمواج عاتية من التوتر والقساوة..، لا تراحم بينهم ولا مودة، ولا محبة ولا سكينة، ولا حوار ولا تواصل، ولا تماسك ولا تضامن أو غير ذلك مما تفرضه مسؤولية العيش الجماعي والأسري المشترك؟، وهذه أسرة كبارها على الدوام مستهلكون، لا وقت لديهم لغير معافسة لقمة العيش المرة صباح مساء، ويعتبرون ذلك أكبر همهم ومبلغ جهدهم وعطائهم لبعضهم البعض ولأولادهم، وهؤلاء الأولاد ورغم كل هذا الجهد المستنزف للآباء بشأنهم، فكأنهم لا يطعمونهم غير سحت ينبت فيهم شنيع النتوءات التربوية ويوردهم فظيع الموارد السلوكية، من الغضب والعنف والتفحش والتعثر الدراسي والإخفاق المهني والاكتئاب المزمن، الذي ربما قذف بهم في كوارث الانحراف والمخدرات، قبل الغرق بهم في نوبات الأعصاب والهيستيريا والتحدي المجاني والعناد السفسطائي الذي تعجز عن علاجه جلسات “الرقية الشرعية” أو حتى جلسات الطب النفسي في أبهى العيادات ؟؟.

يحكي لي أحد الرقاة التقاة، وكنت كلما لقيته أسأله عن:”كيف حالك مع الجن؟، وكيف حال محرارهم اليوم مع البشر”؟، فيجيب: “لقد فعل الجن بالبشر ما أراد يا أستاذ، وسيظلون كذلك ما دام البشر مهووسا بدنياه على هواه بعيدا عن الصراط المستقيم”؟؟، يأتيك الواحد منهم يدعي أن به مس من الجن، وما أن أرقيه حتى يظهر لي أنه مجرد ضغط نفسي حاد وعلى أتفه الأسباب”؟؟، ولا يزال البشر تفعل به أفكاره المعتلة أفاعيلها ما لم يعودوا إلى كتاب الله وسنة رسول الله، محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؟؟. فهذه تلميذة جنها مدير مؤسسة يريد الزواج بها..فأفقدها بمجرد التفكير في الموضوع بوصلتها، وكم من التلميذات يتعرضن لكذا ابتزاز أو غيره؟؟، وهذه عانس متقدمة شيئا ما في السن،عيرتها صديقتها – الحميمة يا حسرة – بعنوستها فتلبستها جنية شريرة مدمرة لأعصابها واستقرارها وتوازنها وعملها ورشدها، وكم من العوانس في مثل حالها ومآلها وليس لهن من الأمر إلا القضاء والقدر؟؟، وهذا ولد كان يرى كل يوم احتقار أمه في البيت من طرف زوجة أخيه، و أخوه و والده لا يفعلان شيئا، فتلبسه أخوه “شمهروشا” يحرق البيت بما فيها وعلى من فيها؟؟، وهذه زوجة أوصلتها “كورونا” مواصيل العيادات والمقابلات والتحليلات والشبكات والوصفات التي لا قبل لزوجها بها، لا لشيء إلا أن أبنائها وهم أرباب أسر، لم يعملوا ولم يساعدوا طوال عمر الجائحة الممتد؟؟، وهذه وتلك..وهذا وذاك..ولا أحد يستطيع التصريح ولا حتى التلميح بالسبب الحقيقي لما يعانون منه، لك الله يا أعصاب الشباب والشابات والرجال والنساء من حرب الضغوطات النفسية المدمرة؟؟.

يقول النفسانيون والمدربون والباحثون والمهتمون أن من مظاهر الضغط النفسي في الأسرة ما قد يسود في طرف أو أطراف منها من:

  • الشك والخوف والإحباط وفقدان الثقة والارتباك.
  • تعكر المزاج والغضب والتوتر على أتفه الأشياء.
  • الشرود وعدم القدرة على التركيز في التفكير والعمل.
  • الاكتئاب والتمارض والتهرب من الواجب والشعور بالوحدة ولو وسط الناس.
  • الشعور بالرفض و الإهمال و إيثار الصمت والانسحاب من اللقاءات العـائلية.
  • ألام جسدية في بعض الأعضاء كالرأس والظهر والأسنان والمعدة و القولون..
  • ارتفاع الضغط الدموي وخفقان القلب وضيق التنفس والإمساك أو الإسهـــال..
  • اضطرابات النوم بالإكثار أو التقليل منه، بسبب الأرق والهروب من الكوابيس.
  • الشره في الأكل أو فقدان الشهية وما ينتج عنهما من الزيـادة أو فقدان الوزن.
  • الهذيان والذهان وما يؤديان إليه من رؤية أشياء وسماع أصوات غير موجودة.

وتبقى الوقاية خير من العلاج، ودرهمها خير من قنطار علاج، لذا من المهم جدا أن نتحدث عن سبل الوقاية من الضغوطات النفسية وكيف يمكن أن نحصن أسرنا منها ومن تأثيراتها السلبية على الصحة والجسد في كل الأوساط، أوعلى الأصح كيف يمكن أن التخفيف من تداعياتها، يضيف الأطباء المعالجون والخبراء أن كل هذه المظاهر السابقة للضغط النفسي والسلوكي والعضوي لا تعالج بشيء أفيد من:

  • ضرورة التفكير السليم والمنطقي والمتحرر من الأوهام ومن الفوبيا.
  • التوازن في برامجنا الحياتية بين الروحي والجسدي والفكري والترفيهي..
  • قراءة القرآن الكريم والأدعية والأذكار، وتعزيز ذلك بمواسم العبادات وفضائها.
  • التواجد الراتب في جماعة من الخيرين الثقاة والتحدث معهم مما يخفف الضغط.
  • ضبط العلاقات الاجتماعية مع الناس فلا تابع ولا متبوع ولا فارض ولا مفروض.
  • تغذية صحية ومتوازنة بدل الهروب إلى كوارث الكافيين والتدخين والكحول والمخدرات.
  • ممارسة الرياضة والمشي والتنفس والتأمل، وتخصيص أوقات خاصة للهوايات والفسحات..
  • عدم الإفراط في العمل إلى درجة الإجهاد والاستهلاك الدائم وضغط التفكير السلبي المشوش..
  • قبول الذات والعمل على تنميتها دون المقارنة مع الآخرين ولا الحساسية المفرطة اتجاه أقوالهم وتصرفاتهم.
  • عدم متابعة أخبار الكوارث ولا إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وما تسببه من القلق والتشتت والمقارنات..

وأخيرا، وفي إطار العلاج دائما، أكيد أنه مهمة كل الجهود السياسية التي سترمي إلى تخفيف الضغوطات في حياة المواطنين، ومهمة كذلك كل الجهود الصحية التي ستعمل على علاج المرضى ومساعدة الضحايا والعناية بالمبتلين وأعدادهم مهولة وقد تزيد حسب ضجيج الأرقام على(70%)من المرضى، ومهمة كذلك كل الجهود التربوية والاجتماعية التي ستعمل على إيضاح المفاهيم وبناء التصورات وتنعيم العلاقات وإفشاء بعض المساعدات، ولكن أهم من كل هذا ما لا نستغني عنه من الجهود الفردية والأسرية والتي لا بد لها من إحياء آداب العيش الجماعي المشترك، وما يستوجبه من التعامل بين الناس باللطف واللين والاحترام المتبادل المفعم للرحمة والمودة والمعزز للثقة والسكينة، وقبل هذا وذاك رد المرء أمره إلى الله تعالى والتعلق به وحسن التوكل عليه، فهو صاحب الأمر كله في الحال والمآل، جلسة تربوية أسرية وعائلية يلتقي فيها الآباء بالأبناء، سمر ليلي واجتماع عائلي مرن و مرح، على موائد وفوائد من الذكر والعلم والمباح من البسط والترفيه، يسمح بالتعبير والإشراك، بالاهتمام والتنفيس، بالحوار والتواصل، بالتفقد والتحفيز والتشاور والتعاون..وب..وب..وبما لا يعد ولا يحصى من أبواب الخير والمسابقة في الخيرات، وسواء كان الأمر واجبا أو مستحبا أو ضروريا يفرضه حال أسرتك علاجا أو وقاية، فرمضان كريم برحماته على الأبواب، ونوع من الحجر الصحي يلوح به فيه ربما، ولعلها تكون فرصة لتجريب ذلك لمن لم يألفه وكثرت ضغوطاته، وتعزيزه لمن اعتاد عليه فخفت وانعدمت ضغوطاته أو تكاد؟؟.

 

التعليقات مغلقة.