بقلم: يونس التايب
في خضم ما يعتمل في واقعنا من تجاذبات، وما يظهر من حقيقة وجود إرادات مختلفة، بعضها متناقض، يبدو واضحا وجود ديناميكيتان بارزتان، تتواجدان في كل التنظيمات و التيارات، الفكرية و المدنية و السياسية.
ديناميكية تسعى إلى تعزيز القيم، وتقوية الجودة في التدبير، وتشجيع الجدية والاحترافية، وتقوية النماذج المضيئة وإبراز القدوة؛ في مقابل ديناميكية تسعى إلى توسيع دائرة الرداءة، و تسفيه القيم، وتمييع الذوق العام، واستحلال المغانم غير المشروعة، وتزكية فساد التدبير والولاءات الضيقة، وغض الطرف عن سوء استثمار الموارد العمومية.
لكن، من مؤشرات عدة، يظهر أن مجتمعنا لا زال، رغم كل شيء، حيا وصامدا، ولا زالت تناضل بداخله فعاليات سياسية و مدنية، من أطياف متنوعة، و نخب مثقفة من مدارس فكرية مختلفة، وطبقة متوسطة واعية، وشباب طموح وعازم، ورائدون في مجال المال والأعمال. كل هؤلاء يحملون حلما جميلا بإمكانيات وطننا، و مشروعية سعيه إلى أن ينهض ويحقق آماله. لذلك، ترى كل تلك الفئات مستمرة في نضالها من أجل ألا تنكسر إرادات الخير، وألا تتعطل بشكل نهائي القدرة على صناعة المستقبل.
و في سياق هذا النضال، تتحرك مجتمعيا، إرادات مؤسساتية و فردية، بشكل متجانس و متضامن، أحيانا، و بشكل متضاد و متصارع، أحيانا أخرى. مما يؤدي إلى التباس الرؤية و يمنع إفراز الحد الأدنى المطلوب من التراكم و من الالتزام بأخلاقيات السير في اتجاه تحقيق أهداف مشتركة، و تنسيق الجهود في فعل موحد يقربنا من ذلك المبتغى.
شخصيا كان دائما موقفي تابثا، ولن يتغير، بضرورة تذكير نفسي، و تنبيه أصدقائي و كل من يشرفني بالتواصل و يمنحني فرصة مناقشة هذا الهم المشترك، إلى ما يلي:
– كل الأمور إلى زوال، مهما تهيأ للبعض أن ذلك بعيد أو غير ممكن، مما يستلزم النسبية و الموضوعية Importance de la relativité et de l’objectivité .
– ديناميكية الحياة، سواء رغبنا في ذلك أو لم نقبل به، تسير في اتجاه التطور و التغيير، بمزيج من التعقد المتصاعد la complexité croissante، و تنوع أثر العوامل المتفاعلة ميدانيا la diversité et l’interactivité des facteurs et des impacts.
وبالتالي، وجب الحرص على تحصين الذات المجتمعية من خلال رفع قدراتها على استيعاب “المتغير المعقد”، و تشخيصه بدقة، و استنتاج الخلاصات الرصينة بالسرعة المطلوبة، و اتخاذ القرارات الناجعة لتحصين المكتسبات الوطنية و المجتمعية.
كما علينا، قبل أن يصير الواقع معقدا أكثر، و تتجاوز سرعة تفاعل أحداثه قدرتنا على التأثير فيها، أن نعي أنه لن تظل عالقة بالذاكرة الفردية و الجماعية، سوى مواقف النزاهة و التعقل؛ و لن تحضى بالاحترام و التقدير سوى المواقف التي تعكس سمو أخلاق أصحابها و رقي القيم التي يحملونها في وجدانهم؛ و لن تظل في الأذهان سوى ذكريات الفعل الرصين، و القول الحكيم، و السعي الإرادي، العارف و الصادق، في اتجاه عشرة أفاق أساسية، كالتالي :
1/ الوطن و ثوابت الأمة المغربية، و مصالح بلادنا الاستراتيجية، أولا.
2/ بناء مستقبل وطننا، بشراكة مع جميع أبناءه، بدون إقصاء و لا تهميش و لا تسفيه لكل الأراء و المبادرات الرصينة، على قاعدة احترام القانون و مؤسسات دولتنا الوطنية.
3/ سياسات عمومية تحقق الإدماج الاجتماعي، و تحمي الكرامة، وتشجع الاستثمار و خلق فرص الشغل، و تعصرن تدبير المرافق العمومية، و تساهم في تحقيق تنمية مستدامة و عدل مجالي يقضي على العزلة و البؤس الذي تغرق فيه مناطق عدة، لتلتحق بمستويات التنمية و العمران التي نفتخر بها في بعض جهات المملكة.
4/ تعزيز ثقافة وطنية جامعة و صونها عن العبث و التسفيه، و تشجيع إعلام حامل لهاجس إبراز تنوع الثقافة المغربية و تثمين غنى روافدها، و محاربة التفاهة و الرداءة.
5/ توفير خدمات صحة عمومية و تربية و تكوين، في مستوى القرن 21، كما يستحق ذاك المواطنون.
6/ تعزيز آليات مشاركة نساء و رجال المغرب، و شبابه، في تشخيص الواقع و تتبع مسار السياسات العمومية، و تجويدها والرقي بالديناميات المجتمعية فيها.
7/ رد الاعتبار للديمقراطية التمثيلية، عبر تنقية بركها الآسنة، وتجديد آلياتها، و تعطيل الممارسات المخلة بفلسفتها، وإبداع تدابير يمكنها أن تضمن حكامة جيدة للشأن العام، و تشجع أكبر قدر من مساهمة المواطنين في تحديد الاختيارات و السياسات و البرامج، محليا و جهويا و وطنيا.
8/ مبادرات الخير و التضامن و التسامح، و تشجيع التعالي عن الصغائر و التفاهات، و تجاوز غرور الأنا، وتغليب منطق تحقيق الطموحات عبر الكفاءة و الاستحقاق، عوض منطق الولاءات السياسوية والاصطفافات و بيع الذمم و الضمائر.
9/ نبذ كل خصومة في غير خدمة قضايا الوطن الكبرى. لأن كل غلبة في غير مصلحة عامة و أفق إصلاحي وطني هادف، هي جهد ضائع لا قيمة له، و لا يهم الناس في شيء.
10/ الاهتمام بقضاء أمور من يحتاجون كل دقيقة من تفكيرنا، و كل جزء من ذكاءنا، و كل ما تراكم من تجاربنا و مداركنا و كفاءاتنا، و ما ترسخ من قدرتنا على المواكبة، حتى يخرجوا من بؤس التهميش و الفقر، و يتغلبوا على المشاكل التي لا تحصى من حولهم.
هي عشرة أفاق أرى أنها تستحق أن نسعى إليها سعيا حثيثا، و أن نركز في دلالاتها بإمعان، و أن نستشف ما يمكنها أن تحدثه في واقعنا الوطني من تغيير إيحابي صارخ. و يبقى لزاما استحضار أن ذكاء مواطنينا كفيل بفضح سلوك الأشخاص و إظهار حقيقة ما يقترفون، مهما حاول البعض إظهار فعله بغير ما كان عليه. لذلك يلزمنا أن نبتعد بعملنا عن التهافت الهدام، حتى نجنب أنفسنا وزر خطيئة نسف ما تحقق من تراكمات و مكتسبات، ونبقي على حظوظ صناعة المستقبل.
إن أكبر عيب هو أن نترك مسؤولياتنا الحقيقية، و ننشغل بسفاسف الأمور و الجدال و التجاذبات المبنية على مصالح صغيرة، هنا وهنالك، و نغفل عن أن الخير أبقى، و أن العدل مع الذات و مع الآخرين أرقى، و أن فضل التركيز على ما ينفع المغاربة، أعظم أثرا و قيمة.
التعليقات مغلقة.