حنان الدرقاوي
صبيحة يوم من أيام خريف عام 1984، حلت شاحنات عسكرية بمدينة ميسور. نزل منها عسكر كثر يحملون البنادق ويلبسون خوذات حديدية. طوق العسكر مركز المدينة واصطفوا على طول الطريق الذاهبة إلى ميسور القديم، حيث تبدأ الطريق إلى الجزائر كما يقول الكبار. أما نحن، فكنا أطفالا لا نعرف عن تلك الطريق شيئا.
ظل العسكر يتحركون طيلة الصبحية أمام أنظار الأهالي. لم يفهم أحد في البداية ماذا يفعل ذلك الجيش في مدينة صغيرة لا يحدث فيها شيء. لم نكن قد رأينا ذلك الحشد منذ يونيو \حزيران 1981 والانتفاضة الشعبية. كنا لا نزال نذكر كيف ضرب العسكر المتظاهرين ورموهم برصاص مطاطي.
يقول البعض إن العسكر استعملوا الرصاص الحي في الانتفاضة. كنا أحسن حالا من سكان الدار البيضاء التي مات فيها الآلاف في يوم واحد.
اجتمعنا جماعة من الأصدقاء لنراقب تحركات العسكر ولنستعد لمشاهدة فصول الانتفاضة الجديدة. لم نسمع خبرا طيلة الصباح وبقينا على استغرابنا من وجود ذلك الجيش رغم أنه لا تظاهرة قامت. هل يكونون قد نفوا زعيما آخر إلى ميسور بعد عبد الرحيم بوعبيد لم نسمع أيضا عن خبر نفي جديد.
عند الظهر، بدأت الأخبار تصلنا رويدا رويدا. هناك شخص هارب. البعض قال إن هناك أشخاصا كثيرين؛ وهناك من قال إنها عصابة مسلحة تابعة للخميني. هناك من قال أيضا إن جماعة من الجزائريين توغلوا عبر حدود الدهرة غير البعيدة من ميسور، ومن قال إن القذافي سلح مجموعة جديدة.
توالت الأخبار وتناقضت إلى أن جاءنا الخبر اليقين. السالمي الذي يعمل أبوه في مركز الشرطة أكد أن هناك طريدا مسلحا من فرق الباراشوت حاول قتل الملك، وهو طيار ويحاول الهرب عبر الدهرة.
عند الظهر، بدأت الأخبار تصلنا رويدا رويدا. هناك شخص هارب. البعض قال إن هناك أشخاصا كثيرين؛ وهناك من قال إنها عصابة مسلحة تابعة للخميني. هناك من قال أيضا إن جماعة من الجزائريين توغلوا عبر حدود الدهرة غير البعيدة من ميسور، ومن قال إن القذافي سلح مجموعة جديدة.
توالت الأخبار وتناقضت إلى أن جاءنا الخبر اليقين. السالمي الذي يعمل أبوه في مركز الشرطة أكد أن هناك طريدا مسلحا من فرق الباراشوت حاول قتل الملك، وهو طيار ويحاول الهرب عبر الدهرة.
كنا في مقتبل المراهقة، وكنا نسائل كل المعتقدات وكل الأصول. كنا متعطشين للمعرفة، لكن الكبار لا يجيبون على أسئلتنا، بل يجعلوننا نردد: الله، الوطن، الملك. لماذا هذا الشعار بالذات؟ لماذا هناك أشياء مقدسة لا تجوز مساءلتها؟
قبعنا طيلة اليوم في مركز المدينة وتوالت الأخبار والإشاعات عن الطريد؛ فهناك من رآه يهبط من السماء بالباراشوت وهناك من رآه وهو يطلق النار على جماعة من العسكر وينتصر عليهم. هناك من يرى فيه بطلا وطنيا ثار من أجل الكرامة والمواطن، وهناك من رأى فيه مخلصا ومن رأى فيه خائنا. لم يكن ممكنا الذهاب إلى الدهرة لنشاهده وهو يعبر الحدود إلى الجزائر ويصل سالما إليها مفلتا من غضب الملك.
كنا نعرف بغضب الملك منذ انتفاضة مراكش حين سلم الأطفال للمحاكمات وأطلق عليهم الرصاص. قال في خطابه إنه سيسحق كل من خرج للتظاهر، سيقتل ويحاكم كل من يخالفه الرأي. كنا نعرف ماهي الديكتاتورية، فآباء أغلبنا صور مصغرة من الملك. كانوا طغاة وكل تهاون من طرفنا كان مصيره الجلد. كنا نعيش في جو من القمع والبطش ولا شيء ينقذنا سوى التفكير أن الله رحمان رحيم.
في نهاية اليوم، كان نصف المدينة موقنا أنه رأى الطريد ورافقه عبر طريق ميسور القديمة نحو الحدود. كانت الشهادات تتقاطر ولحظة بعد لحظة، تصير واثقة من واقعة رؤية الطريد.
استمر شد الأعصاب ثلاثة أيام، قبل أن يرحل العسكر بعد فشلهم في القبض على الطريد. صار بطلا نتمنى أن نراه، أن نحييه على إفلاته من طاحونة الوطن وبطش الملك.
سنة 2006 بباريس، كنت مع الطريد من أجل استجواب حول كتابه عن ضباط الملك. سألته أين الخرافة وأين الواقع في حكاية عبوره من ميسور، فأجابني أنه هرب من جهة الناظور. عرفت حينها أن شعبنا خارق في خلق الأساطير.
التعليقات مغلقة.