يبدو أن الحكومة قد قررت التحرك بالسرعة القصوى لحل أزمة صناديق التقاعد، وأن المسافة الزمنية ستة أشهر لإيجاد حل عملياتي وإلا أصيبت هاته الصناديق الشائخة بالسكتة القلبية التدبيرية، لكن الحكومة على ما يبدو فعنقها لا يتجاوز حدود الإطلال على أعمار المتقاعدين، أو الاقتطاع من رواتبهم، المقتولة أصلا.
هي فصول الإصلاح المفتخر بإنجازها للمغاربة، وهي خلاصات وعصارة الحوار الذي جمع الحكومة ووزارة الاقتصاد والمالية مع النقابات العمالية، الأسبوع الماضي، والتسريبات التي خرجت لأن البلاغات الرسمية لا تصرف إلا الطيب من الكلام المعسول.
وضع خلق جوا من حالة الغضب والبلبلة في الشارع المغربي الموجع بحرقة التساؤل عن نية الحكومة رفع سن التقاعد ل65 عاما.
الصورة السوداء القاثمة التي حملتها مختلف تقارير المؤسسات حتى الرسمية منها عن حالة صناديق التقاعد، لا تبشر بالخير، بل أن احتياطي هاته الصناديق مجتمعة لا يكفي لتذبير فترة ستة أشهر، لكن أن يكون المواطن دائما ديدن الفساد المؤسساتي وحالة النهب التي تعرضت لها هاته الصناديق، وغياب النجاعة والفعالية في التدبير، فهو الجريمة الكبرى التي لا يمكن أن تغتفر.
فالمواطن المغربي أصبح في التقدير الحكومي “الحيط لقصير” لتمرير أزماتها عبر المزيد من “التزيار” على مواطنيته، والقذف بها في مزابل ومتاهات السمسرة الحكومية الفاقدة لأي حل سوى الاقتراب من جيب المواطن لسلبه ما تبقى من مقومات صموده، أو من عمره الذي أفقده “التدبير” الحكومي حرارة الحياة، فاصبح جسدا بلا روح.
فالمخرج المقترح هو نقل الموظف مباشرة من العمل بعد طول عمر إلى المقابر، ومن هنا تكون الحكومة وصناديقها المبجلة المنخورة فسادا، في غنى عن حساب السلاسل والدفوعات وأصنافها وأنواعها، لأنها قذفت به بعد سن 65 سنة إن بلغه، إلى مقبرة النسيان الذي يعفي الحكومة عن الجواب ويزيل “وجع الرأس الحكومي” عن حل الأزمات المجتمعية ما ذام جيب الشعب المسكين مفتوح على المزيد من الاستنزاف.
الأكيد أكثر أن النقابات أصبحت هي الأخرى جزء من المأساة والمعاناة اليومية فيما يتعلق بالقضايا الكبرى والتي لم يتم النبش فيها بعد لقاء الزرود والكاميرات والنفخ في النتائج والأرقام والتصريحات الغزلية، إلا بعدما أخد بها الرأي العام المغربي علما، وأن المطلوب هو بطاقة مواطنة حقيقية وانتماء فعلي للوطن والانسان من بوابة بلسمة الجراح وإيجاد مخارج للأزمات القائمة بمشاركة فعلية لكافة المتدخلين القادرين على تقديم إضافة عملياتة للواقع المأزوم، لا أن تحمل الحكومة وتحت تهليل النقابات نعوش الموظفين وتنتظر إحالتهم على النعوش بدل التقاعد.
والغرابة كل الغرابة أن الجسد النحيف في الجسم المغربي هو من يتلقى الصفعات المتتالية، في الأجر والسوق، والتطبيب، والتعليم وهلم جرا من المآسي، ولكن في الجهة المقابلة، فالويل والثبور وعظائم الأمور لمن يقترب من تقاعد الوزراء والبرلمانيين أو أن يسائلهم حتى من أين لك هذا.
هكذا يختل النظام المؤسساتي باختلال مستوى تقدير المرحلة والصبر المواطناتي الكبير والذي لا يمكن أن يدوم ولا أن يستمر إلى ما لا نهاية، خاصة وأن الصلف الحكومي لا يقف إلا ليفتح من جديد في هجوم آخر على هؤلاء الدراويش من أبناء جلدتهم الصابرين القانعين، ولكن لكل شيء حدود، والانفجار قد يحدث في أية لحظة وبلا سابق إشعار ولا إنذار.
التعليقات مغلقة.