ستراسبورغ فرنسا : السيد الحاج نور الدين أحمد بامون
سهرة سنوية تنظم من طرف بيت العائلات التادي الشعبي بهوت بيار بفرنسا بالتعاون مع المركر الثقافي الإجتماعي ب”هوت بيار” بستراسبورغ، ضمنه قدمت “أمسية حكواتي”، وهي سهرة سنوية تنظم نهاية كل سنة خلال شهر ديسمبر، تضرب فيها العائلات موعد مع الحكواتي “المختار” لتنشيط السهرة، أين تكون بحفل حر يمكن للجميع حضوره للسماع والإستمتاع بنشاط فن الحكواتي.
يعترف الفن الشعبي للحكواتي بسرد القصص، مع تسجيل انتشار واسع في مدينة “ستراسبورغ” وأحيائها من خلال عمل طاقم النادي الشعبي وسهرة الحكواتي المدعو للتنشيط من سنة الى أخرى، لكون هؤلاء باتوا مختصين في الحكواتية وتنشيط السهرات العائلية.
لا تحتوي سهرات الحكواتي على جميع القصص التي يتم سردها على نفس الهيكل أو نفس الهدف، أو أحد أشكالها مع التنوع الثقافي واللغوي.
إذ عرفت فرنسا منذ السبعينيات فن الحكواتي كثرات شعبي مع بروز حركة إحياء سرد القصص القديمة، تم إستخدام مصطلح سرد القصص بشكل متزايد لتعيين فن سرد حكايات القصص للجمهور، بحيث ظهر مصطلح رواية القصص الحضرية لتحديد نوع جديد من حكايات رواية القصص على أساس الموضوعات الحديثة والحضرية الحديثة.
وتعتبر الحكواتية مهنة تراثية شعبية تاريخية جد قديمة ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع منذ قديم الزمن ومن قرون خلت، مهنة توارتثها الأجيال المتعاقبة.
الحكاواتية شخصية جسدها كثيرون على مدى عقود من الزمن، فهي مهنة عرفتها بيوت الشعوب عامة والعائلات خاصة، وتم الحفاظ عليها كموروث ثقافي، إذ انتشرت في المدن والقرى والأرياف، كما حظيت بشعبية كبيرة فكانت جزءا من التراث الشعبي ووسيلة للترفيه وتكريس القيم والمبادئ التي تحلى بها أبطال القصص والروايات، المرتبطة بالأدب الشعبي المتوارث من جيل إلى جيل، حيث أنه يتكون من حكاية وسيرة وشعر وفكاهة وغيرها.
تشير كلمة حكواتي من حكاية إلى قصة حقائق أو مغامرات خيالية من النوع الأدبي قبل كل شيء شفهي الذي يربط هذه القصص الحاضر بالماضي، وتكون الحكاية قصة قصيرة في محتواها ولكن طويلة في مضمونها الذي يهدف إلى الترفيه و التنوير، و يحمل في طياته قوة عاطفية جياشة أو فلسفية قوية.
الحكايات لها قصة، أصلها قديم، منها ما تم إختراعه وتحويله عبر العديد من الإصدارات المختلفة التي هي موضوع الأشكال الشفوية، والتعبرية التقليدية، ومنها الإصدارات الأدبية أو الشعبية أو القصص والروايات الورقية، والمستخرج منها الأغاني، والمسرحيات وما إلى ذلك، وتتطور هاته الحكايات حسب المجتمع الذي يعيشها وينتجها، وكيف ينقلها ومن يستقبلها؟.
لا يقوم الحكواتي فقط بالتركيز على موضوع معين على وجه التحديد في معرفة كيفية تكييف قصته مع جمهوره، بل يقوم بتعديل الحكايات وفقا لما يفترضه جو السهرة وما سيتوقعه من الجمهور وتفاعله مع الموضوع.
الحكواتية و السهرات العائلية:
إن الحكواتية هي الفن الشعبي، هي الإرث المنبثق من الإنتاج الفنيّ البسيط والعفوي الذي تتوارثه الأجيال المتلاحقة حتى صارت جزءا ثقافيا من التراث المادي المحفوظ، بل وصل الأمر بأن يحفظ كموروث تراثي تاريخي من أصل ثقافي.
يختلف الفن الشعبي من حضارة لأخرى، حيث تتعدد صور الفن الشعبي بين مسموع ومرئي، حيث بات يظهر جليا في أهازيج الهدهدة والمناغاة الفردية والجماعية، وحكاوات الأجداد وسرد الجدات خصوصا للأحفاد للسهرات العائلية، و أساطير الأمم من حيث الحفلات والمهرجانات، والأغاني في الأفراح وغيرها، فن يشجي أذن المستمع من جمع الحضور، ويحرك المشاعر السامع.
شعبية الحكواتية و سهراته:
رغم حلول التلفزة والإذاعة منذ عقود ووسائل التواصل الإجتماعية، وتقنيات الأنترنيت و اليوتوب و غيرهم حديثا، إلا أنها لم تتأثر بهم، ولم تنقص من قيمتها وشعبيتها لما تحمله صفة شخصية الحكواتي وسماته على المجتمع.
سمات شخصية الحكواتية التي يتميز بها، هي النفحة في زرع القيم والفضائل التي تتسم بها شخصيات الروايات التي تغذي نفوس المستمعين وعقولهم ولا سيما الشباب منهم، إذ تبقى راسخة عن قناعة وتقبل فردي عن قناعة، وتعزيز للواقع المقبول، على عكس ما تضخه وتقدمه حاليا المحطات الفضائية ومقاهي الإنترنت من عادات غريبة ورداءة، فهي منحلة ومخلة بالحياء ومنفرة، وتحفر العقول عن المسرى القويم والطريق الصحيح. فهاته السهرات العائلية من العادات المجتمعية لها دور أساسي أولا في لم الشمل الأسري و الحفاظ على روابطه .
فهي تمكن من شروط الحماية من مخاطر الإنزلاق والآفات الخطيرة المدمرة والمشتتة والمساهمة في غرس القيم والفضائل عن طريق الشخصيات والأحداث وتسلسل الروايات، خاصة عند الشباب وتوجيههم بالاتجاه الصحيح، وأيضا غرس الصفات الإيجابية الحميدة مثل الصدق والشجاعة لاسيما الأدبية والمروءة والأمانة، ومنح القدرة على جذب انتباه المستمعين وتشويقهم لمعرفة باقي التفاصيل، وضمنها الاستنتاج ومنح المجال بالسباحة بخيال واسعة للوصول للحقيقة التي يرسمها عالم السهرة.
الحكواتية و السهرات العائلية:
تعد في حد ذاتها وسيلة تسلية جماعية وفي الوقت نفسه وسيلة تثقيف وترسيخ للقيم والأخلاق التي تحلى بها أبطال القصص والروايات التي يسردها الحكواتية، وما يزيد في الحماسة والتشويق عند قيام المنشط بتجسيد شخصيات الرواية وطريقة كلامه وتحريك يديه والحركات البلهوانية في بعض اللقطات التعبيرية سواء برفع صوته أو تضخيمه أو تخفيضه.
التعليقات مغلقة.