أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

أنجيلا ميركل و ترامب أي معادلة لأي حرب ناتو.

 محمد حميمداني

ستودع المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل| منصبها و تنهي حياتها السياسية الحافلة بالمنجزات العظيمة ، دون أن يتظاهر الناس لإسقاطها ، أو أن تعلن سياسة الأرض المحروقة ضد خصومها و تتشبث بكرسي الرآسة ، بل أنها فضل ترك السياسة بمحض إرادتها على الرغم من علو سهرها في الساحة السياسية ، على النقيض من ذلك آثر “ترامب” حرق الكل ، إن لم يتربع على كرسي البيت الأبيض ، مسيلا الدماء في الأربعاء الأسود في مبنى “الكابيتول” .

انتخب الألمان “ميركل” فقادت البلد لمدة تقارب العقدين عرفت خلالهما ألمانيا تحديات كبرى ، استطاعت أن تواجه تلك التحديات بهدوء و عقلانية ، جاعلة نفسها تحت تصرف القانون ، فلا عاشت فضيحة إدارية أو مالية ، و لا استغلت إمكانيات الدولة لخدمة مصالح شخصية و لو بسيطة لها و لا لعائلتها ، و لا خرقت قواعد التعاقد الديمقراطي الذي يربطها بالألمان ، و لا احتلت نشرات الأخبار لمدد طويلة ، و لا كونها شخصية سماوية ، على العكس من ذلك تصرفت وفق روح القانون و البرنامج السياسة الذي أوصلها لسدة الحكم ، خرجت من بيتها المتواضه و ستهود إليه و لجيرانها القدامى لتعيش بصحبتهم بقية حياتها في هدوء و سكيتة و راحة ضمير .

على العكس من ذلك طبق رئيس البيت الأبيض نظرية معاوية “شدوا عليها بالنواجذ” موثرا حرق الكل من أجل الماء و النساء و الشهرة ، فأزهق أرواحا ، و لا زال حسب آخر خرجة إعلامية أنه لن يعادر البيت الأبيض بالقوة ، رافضا الاعتراف بإرادة الشعب .

ستخرج “ميركل” مرفوعة الراٍ” و قد تركت ألمانيا القوة الأولى في الاتحاد الأوروبي ، و الشعب الالمني من جهته لم يعتبر هطاءها منحة و لا فضلا بل واجبا من أجله انتخبت × فيما “ترامب” لا زال يدافع عن الضيعة السياسية ، كدفاع عن ضيعاته التجارية و علاماتها المميزة .

مع الهجمات الإرهابية التي استهدفت سوريا ، فتحت ألمانيا “ميركل” أبوابها للمهاجرين السوريين ، لم تسأل عن هويتهم و لا ملتهم و لا جنسهم و لا عرقهم ، ضامنة لهم الأمن و الأمان و الشغل و مستقبل الأبناء ، لتمثل قيمة الإنسان و الإنسانية المعدومة في عالمنا المعاصر ، على النقيض من ذلك أغلقت أمريكا “ترامب” الحدود مع المكسيك بسور برلين عظيم ، و هددت بطرد كل ما لا يمت للعرق الأبيض بصلة ، لأن السود كما الملونون لا يحملون من أمريكيتهم سوى الجنسية ، و قد عرت كورونا هذا الواقع ، إذ سجلت أعلى نسبة للوفيات في صفوف السود و الملونين ، نتيجة تردي أوضاعهم الاجتماعية و غياب الرعاية الصحية ، و تقشي العنصرية الممارسة اتجاههم .

لتضرب سيرة “ميركل” صفعة لحرية العالم “الحر” و لكل أنظمة قهر الإنسان باسم العدالة التي لا تعني إلا المزيد من تراكم الأموال لدى الكارتيلات الضخمة ، و التي يعد “ترامب” و عائلته و صهره “كوشنير” أحد رموزها .

قال “مايكل كرانش” في كتابه “ترامب بلا قناع ، رحلة من الطموح و الغرور و المال و النفوذ” متحريا عن الصفقات المالية و العقارية المعقدة التي عقدها “ترامب” في مدينة “أتلانتيك سيتي” و “نيويورك” ، و علاقة الحب – الكره التي تربطه بوسائل الإعلام التي أرجعها إلى عقود مضت ، أي بمشاريعه في مجال الرياضة الاحترافية ، مقتفيا الشكل الذي أقام به “ترامب” إمبراطوريته لتصير علامة مميزة ترتكز على اسمه و صورته العامة ، و التي أكد عبرها “ترامب” أنه “هو هاته العلامة المميزة” .

أكيد أن المقارنة بين الشخصيتين غير متقاربة ، ففرق بين “ميركل” ، النادلة البسيطة التي حلقت في سماء مستشارية ألمانيا بجهدها و مثابرتها و علمها ، و بين شخصية “ترامب” التي حلقت في فندق  ” Trump International Hotel & Tower® Chicago ” ، “تووير بشيكاغو” بطوابقه 92 فوق منطقة “ذا لوب” و طريق “نورث ميتشجن أفينيو” ، و هو ذا التصميم الساحر بواجهته المصممة من الفولاذ المصقول غير القابل للصدأ ، و زجاجه المصبوغ بالألوان القزحية ، و الذي يعد أطول مبنى خرساني مسلح في العالم ، و هذا جزء من فيض في إمبراطورية “ترمب” دون أن ننسى عائلته أيضا و صهره “كوشنير” ، و التي ساهمت في خلق هاته الكاريزمية المهووسة بالمال و السلطة و النساء ، و حب الظهور ، و محاربة كل المنتقدين و خاصة وسائل الإعلام ، و التي لم تسلم منها حتى وسائل الإعلام الصديقة له ، و لا أصدقاءه و أعوانه المقربون الذين يتعرضون للعزل لمجرد النطق بكلمة لا .

إنها مفارقة كبرى بين شكل إنساني راق احتضن هموم الألمان و البشرية ، و فكر “عسكري” قائم على التدمير للبشر و للحجر و الطاعة و الربح السريع بأقدر الأساليب .

التعليقات مغلقة.