أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

إثيوبيا تستغيث بلا مساعدات… “أطباء بلا حدود

المصدر: النهار العربي
“يُعاقِب ملايين الأشخاص وهو موقف سياسي”. بهذه العبارة كان رد فعل إثيوبيا على قرار الولايات المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تعليق مساعداتهما الغذائية لأديس أبابا.
الشهر الماضي، علّقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تقديم المساعدات الغذائية لإثيوبيا بسبب “حملة واسعة النطاق ومنسّقة لتحويل مسار الإمدادات التي تتبرّع بها وعدم إيصالها للمحتاجين إليها”. وفي اليوم التالي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه “سيعلّق موقتاً المساعدات الغذائية لإثيوبيا”، مشيراً إلى “تحويل مسار الطعام”.
ما كان ينقص إثيوبيا الغارقة في أزماتها والحرب الدامية التي أرهقت إقليم تيغراي إلا خطوة إضافية تزيد معاناة شعبها الذي يتحمّل الفقر وسوء التغذية والأمراض والنزاعات، بالتزامن مع اشتداد أزماته المناخية والحصار الذي فرضه شحّ المياه والجفاف.. وأدى “صراع الجنرالين” في السودان إلى مفاقمة الوضع مع وصول مئات اللاجئين من الخرطوم للاحتماء في إثيوبيا هرباً من الحرب.
أمام هذا الواقع، تكثر التساؤلات عن معاناة هذا البلد الأفريقي في ظل الأزمات العالمية والأولويّات المفروضة من قبل زعماء الدول الكبرى الحاكمة. فأين إثيوبيا من هذه الأولويّات وكيف تتعايش مع كل هذه الأزمات؟
(أطباء بلا حدود)
الوضع بالأرقام..
في معلومات خاصّة لموقع “النهار العربي”، تشير بيانات “أطباء بلا حدود” عن سوء التغذية عام 2023 إلى أنه قبل تعليق التوزيع في كل أنحاء البلد، شهدت فرق “أطباء بلا حدود” الطبية ارتفاعاً مقلقاً في معدّلات الإصابة بسوء التغذية الحاد في إثيوبيا.
وتُظهر بيانات المنظّمة التي جُمعت بين كانون الثاني (يناير) نيسان (أبريل) في مرافق “أطباء بلا حدود” في شاير وشيرارو في تيغراي ما يلي:
– من بين ثمانية آلاف امرأة حامل وأم أنجبت حديثاً، يعاني 72.5 في المئة سوء التغذية الحاد، علماً أن منظّمة الصحّة العالمية تحدّد عتبة الطوارئ بمعدّل 15 في المئة.
– من بين 17,803 أطفال لم يتمّوا الخامسة من العمر، تبيّنت إصابة 21.5 في المئة بسوء التغذية الحاد متوسّط الدرجة، و6.5 في المئة بسوء التغذية الحاد شديد الدرجة والذي يعدّ مهدّداً للحياة.
– ولاية غامبيلا – مخيم كولي للاجئين: تضاعف عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعالجهم فريق “أطباء بلا حدود”، إثر معاناتهم سوء التغذية الحاد. وفي عام 2023، استقبلت فرق المنظّمة ما معدّله 86 طفلاً في الشهر مقارنة بمعدل 44 طفلاً خلال الفترة نفسها من عام 2022.
– تشهد المنطقة الصومالية في إثيوبيا العدد الأكبر من الأطفال تحت سن الخامسة المصابين بسوء التغذية الحاد، ويسجّل التلقيح فيها المستويات الأدنى في البلاد، ما يعرّض المجتمعات المحلية لخطر تفشي الأمراض.
إشارة إلى أن قبل تعليق المساعدات الأخير، كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي قد أعلنا تجميد المساعدات الغذائية إلى إقليم تيغراي الغارق في الحرب، إذ تبيّن للوكالتين أن “شحناتهما تتحوّل لتباع في أسواق محلية”.
ووقّعت الحكومة الإثيوبية وجبهة “تحرير شعب تيغراي” اتّفاق سلام في 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، لينتهي معه نزاع دام استمرّ لعامين، إلّا أن تطبيقه يسير ببطء.
عن تداعيات القرار…
في مقابلة خاصّة مع موقع “النهار العربي”، تحدّثت المديرة القُطرية لمنظّمة “أطباء بلا حدود” في إثيوبيا كارا بروكس عن قرار تعليق المساعدات وتداعياته بظل أزمة الجفاف وتفشّي الأمراض.
* كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في إثيوبيا؟
أوضحت بروكس أن “أكثر من 20 مليون شخص في إثيوبيا يعتمدون على المساعدات الغذائية اعتماداً كبيراً، وخاصّة من النازحين واللاجئين”.
وأضافت أنه “حتى قبل سريان قرار التعليق، شهدنا فترة مطوّلة من التوزيع المتقّطع وغير المنتظم للمساعدات الغذائية خلال فترة مأساوية على المستوى الإنساني في كل أنحاء البلاد. فالسكّان يعانون أسوأ نوبة جفاف منذ أربعة عقود وضائقة اقتصادية وأعمال عنف متكرّرة. ويدفع نقص الغذاء بالمجتمعات الأكثر حاجة نحو آليات تكيّف ضارة، كبيع ممتلكاتهم للحصول على طعام واللجوء إلى التسوّل وعمالة الأطفال. وسيزداد الوضع سوءاً في ظل التعليق المطوّل لتوزيع المساعدات الغذائية”.
* ما هي أكثر المناطق حاجة إلى المساعدات؟
أوضحت المديرة في المنظّمة أن “توزيع الطعام معلّق في كل أنحاء البلد. في أيار (مايو)، عُلِّق في تيغراي فقط. وفي حزيران (يونيو)، طُبَّق القرار في جميع أنحاء البلد. تحتاج جميع المناطق إلى استئناف توزيع المساعدات الغذائية بالكامل، إذ يتسبّب تدنّي الاستهلاك الغذائي بزيادة خطر الإصابة بسوء التغذية ونقص المغذيات الدقيقة كفقر الدم ويُضعّف الجهاز المناعي. وفي ظل ضيق نطاق حملات التلقيح، يزيد سوء التغذية من خطر الإصابة بأمراض معدية كالحصبة والكوليرا، فيما تتفشّى الأمراض في مناطق عدّة من إثيوبيا”.
(أطباء بلا حدود)
* ما عدد المستفيدين من خدمات “أطباء بلا حدود”؟
لفتت بروكس إلى أنه “في عام 2022، وفّرت أطباء بلا حدود أكثر من 163 ألف استشارة خارجية في المشاريع الموزّعة على 6 ولايات من أصل 11 ولاية إثيوبية (عفر وأمهرة وغامبيلا والأمم الجنوبية والمنطقة الصومالية وتيغراي). ووفّرنا أيضاً علاج الملاريا لنحو 34 ألف شخص وساعدنا في ولادة 1,290 رضيعاً وأدخلنا 1,910 أطفال إلى البرامج الاستشفائية للتغذية العلاجية”.
* ما الاحتياجات الأساسية للإثيوبيين في ظل نوبة الجفاف الشديدة؟
وأفادت المسؤولة في المنظّمة بأن “الأمم المتحدة تقدّر عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في إثيوبيا بأكثر من 20 مليون شخص، من بينهم 10.2 ملايين شخص يعيشون في ولايات تيغراي وأمهرة وعفر. تستمر الإغاثة الإنسانية في شمال إثيوبيا، رغم أنّها لا توازي حجم الاحتياجات التي لم تُلبَّ بعد لملايين الأشخاص في الولايات الشمالية خاصة”.
وتابعت: “أما الجفاف الشديد الذي أفيد بأنه الأسوأ منذ أربعة عقود، فقد ساهم في بعض الاحتياجات الإنسانية التي تشهدها أطباء بلا حدود وليس في كلّها. يرتفع عدد المرضى الذين يلتمسون علاج سوء التغذية من أطباء بلا حدود في إثيوبيا تدريجياً في موسم الجفاف الذي يعدّ نهجاً موسمياً”.
وقالت: “نعلم أن سوء التغذية دوري في إثيوبيا ويتفاقم في مواسم الجفاف أو الفيضانات ويتأثّر بعوامل أخرى كالنزاع والنزوح. ما زال السكّان مضّطرين للنزوح بسبب النزاع، وما زالوا يواجهون تفشّي أمراض معدية مميتة كالكوليرا أو يخسرون منازلهم ومصادر كسب رزقهم بسبب الجفاف والفيضانات. وفي معظم الأحيان، يواجهون تحدّيات كثيرة للوصول إلى الرعاية الصحّية الأساسية”.
في السياق، ذكرت أن “اللاجئين يواجهون تحدّيات ملحوظة للحصول على ما يكفي من الطعام، بمن في ذلك 400 ألف شخص ينحدرون من جنوب السودان في منطقة غامبيلا. فبسبب وضعهم كلاجئين في إثيوبيا، لا يستطيعون العمل ويعتمدون على المساعدات أساساً. وسبق أن واجهوا اقتطاعاً في حصصهم الغذائية من 84 في المئة إلى 60 في المئة من الحد الأدنى الموصى به يومياً، والذي يبلغ 2,100 سعرة حرارية”.
(أطباء بلا حدود)
 
* ما تداعيات النزاع والصدمات المناخية على صحّة السكّان؟
ورأت المديرة في المنظّمة أن “النزاع قد يؤدي إلى إلحاق أضرارٍ بالبنية التحتية ويمنع الناس من الحصول على الخدمات والرعاية الصحية التي كانوا يحصلون عليها سابقاً. كذلك يجبر النزاع وغياب الأمن الناس على ترك ديارهم، فيضطرون في كثير من الأحيان للعيش في ملاجئ عشوائية مكتظّة تفتقر إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي المناسبة. هذا وقد زادت حركة نزوح الناس جراء الصدمات المناخية كموجات الجفاف الشديدة والفيضانات العنيفة، وأسهمت مجموعة عوامل مرتبطة بالمناخ في انتشار الكوليرا في المنطقة”.
* ما التحدّيات التي تصعّب كبح تفشي الكوليرا؟ ولماذا يودي الكوليرا بحياة المئات في إثيوبيا مع أن تجنّبه ممكن؟
في حديثها لـ”النهار العربي”، اعتبرت أن “التفشيات الأخيرة التي ضربت منطقة القرن الأفريقي أثبتت أنّها عصيّة على الاحتواء وتطلّبت السيطرة عليها عدداً من عمليات الاستجابة المنسّقة. أنظمة الصحّة العامة ضعيفة التجهيز وتفتقر إلى الموارد البشرية والإمدادات والأدوات الطبية، فيما غياب الأمن الذي يعمّ المنطقة يعيق فعلياً الوصول إلى المجتمعات المتضرّرة”.
بدورها، أشارت منسقة الشؤون الطبية لـ”أطباء بلا حدود” في إثيوبيا سامرين حسين إلى أن “تفشّيات الكوليرا الحالية تعتبر من بين الأطول مدّة على الإطلاق في تاريخ المنطقة، وتحدّث العديد منها في آن واحد. تمثّل التحدّيات البيئية عقبة أخرى، إذ أدّت الفيضانات العارمة إلى زيادة مخاطر تفشّي الكوليرا ولوّثت مصادر المياه وأضرّت بجودة إمداداتها وأسهمت في ضعف خدمات الصرف الصحي، وصعّبت على وكالات الإغاثة الوصول إلى بعض بؤر تفشّي الكوليرا في المنطقة”.
(أطباء بلا حدود)
* كيف يؤثّر التأخير في توزيع المساعدات الإنسانية على عمل “أطباء بلا حدود”؟
عن تأخّر المساعدات، رأت أن “تعليق توزيعها لا يؤثّر على عمل المنظّمة ولكنه يؤثّر بشدّة على جميع سكّان المجتمعات التي تقع فيها مشاريعنا. نعمل مع الأطراف المعنية في توزيع المساعدة الغذائية منذ أشهر عدّة. وهذه ليست المرة الأولى التي ننبّه فيها إلى الخطر. يعدّ تعليق توزيع المساعدات الغذائية على مستوى البلد تطوّراً خطيراً، وعلى جميع الأطراف المعنية أن يكونوا على دراية بعواقب هذا القرار، وأن يبذلوا قصارى جهدهم لاستئناف توزيع المساعدات الغذائية عاجلاً على الفئات الأكثر حاجة”.
* كيف يمكن حماية الأطفال في ظل تأخّر توزيع المساعدات واستمرار سوء التغذية؟
شدّدت بروكس على أن “المكمّلات الغذائية ليست حلاً لأزمة توزيع الغذاء الحالية. يحتاج الأشخاص، ولا سيما الفئات الأكثر حاجة كالأطفال دون سن الخامسة، إلى الحصول على الطعام تكراراً وبانتظام للتخفيف من خطر نقص المغذّيات الدقيقة كفقر الدم وضعف الجهاز المناعي. يزيد ذلك من المخاطر الصحية التي تطال هذه الفئات والمجتمع بأسره، إذ تشمل تفشي الأمراض المعدية. تبرز الحاجة أيضاً إلى توزيع منتظم للغذاء حتى لا يلجأ السكّان إلى آليات تكيّف سلبية كبيع الممتلكات أو التسوّل أو عمالة الأطفال للحصول على الطعام أو تأمينه لعائلاتهم. وتتوفّر القدرات والخبرات في إثيوبيا لإجراء توزيع مستهدف للمساعدات الغذائية بصورة فورية وتأمينها للمجتمعات الأكثر حاجة”.
إنّه واقع أليم لمستقبل بلد حتى المساعدات الدولية لم تعد تُعينه وتُسنده. الأسئلة كثيرة عن قدرة صمود الشعب الإثيوبي أمام كل هذه الأزمات. فهل تنفجر الأزمة في ظل غياب الاهتمام والحلول؟ وكيف ستكون تداعياتها على جيرانها؟

التعليقات مغلقة.