ويشكل السباق نحو بناء التحالفات أهم سمات الدخول السياسي الحالي، حيث تسعى الأحزاب إلى تشكيل ائتلافات متماسكة ومنسجمة، أفرزت لحد الآن ثلاث كتل أساسية وهي تحالف أحزاب اليسار التي يقودها رئيس الحزب الديمقراطي ماثيو رينزي وأحزاب اليمين بزعامة سيلفيو برلسكوني رئيس حزب إلى الأمام إيطاليا، ثم حركة خمس نجوم بزعامة بيبي غريللو.
هذا السباق نحو التحالفات يغذيه جدل عميق حول قضيتين رئيستين تشغلان بال المواطنين هما الهجرة والنمو الاقتصادي ، إذ يتم توظيفهما من قبل الأحزاب المتنافسة لاستمالة أكبر عدد من الناخبين.
فخلافا لأحزاب المعارضة، أعلن الحزب الديمقراطي الذي يقود الأغلبية الحكومية عن تأييده لإقرار قانون منح الجنسية لأبناء المهاجرين المولودين في ايطاليا قبل أن يتراجع عن ذلك في خطوة وصفها سياسيون بأقصى اليسار بمحاولة لتجنب خسارة الأصوات في الاستحقاقات البرلمانية القادمة.
وكان وزير الداخلية ماركو مينيتي، الذي برز نجمه مؤخرا في الساحة السياسية والذي يتمتع بشعبيته المتنامية، قد أكد بأن “اندماج المهاجرين يتناسب كليا مع إحلال الأمن في البلاد”، مضيفا أنه يجب أن “نتحلى بالشجاعة لتسوية مسألة منح المواطنة لأولئك الذين ولدوا من آباء وأمهات يقيمون ويعملون في بلادنا بشكل قانوني”.
وبالنسبة لأحزاب اليمين فإن إقرار هذا القانون يعني نشوب “حرب سياسية” في البلاد ، حيث أكد زعيم حزب (فورتسا إيطاليا) اليميني بمجلس النواب ريناتو برونيتا أن إصرار رئيس الوزراء باولو جنتيلوني وأعضاء حكومته على المضي قدما في مشروع منح المواطنة للمهاجرين الذين ولدوا في إيطاليا “سيؤدي حتما إلى إسقاط حكومته” .
وأضاف “إذا ما تم إقرار هذا القانون سنقترح إجراء استفتاء إجباري فورا وسنجعل منه مفتاح الحملة الانتخابية المقبلة”.
غير أن العديد من المراقبين يرون أن هذه التحذيرات ليست سوى مناورات لصرف الانتباه عن غياب برامج انتخابية واضحة لخوض الاستحقاقات المقبلة، معتبرين أن وعود الأحزاب السياسية بتحقيق طموحات الناخبين الاجتماعية والاقتصادية يطبعها الغموض والارتجالية، إذ يتعهدون بإنجاز مشاريع جديدة لإنعاش الاقتصاد وتشغيل الشباب، ورفع الحد الأدنى من معاشات المتقاعدين وتحقيق مختلف المطالب دون تقديم ضمانات لتحقيقها.
وأظهرت استطلاعات للرأي أن الحزب الديمقراطي هو أحد الأحزاب الأكثر شعبية في البلاد بالنظر للنتائج الاقتصادية الجيدة التي استطاع تحقيقها والتي تجلت في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص شغل جديدة ثم إعادة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في إيطاليا.
هذه المؤشرات تجعل من الحزب الديمقراطي الأوفر حظا للفوز بالانتخابات رغم انه خسر الانتخابات البلدية التي جرت في يونيو 2017 والتي شهدت فوز تحالف اليمين ، بعدما فاز حزبا سيلفيو برلوسكوني (فورتسا ايطاليا) وماتيو سالفيني (رابطة الشمال) المناهض للهجرة تقريبا في كل المدن ال 22 المعنية بهذه الانتخابات متغلبا بذلك على يسار الوسط.
وفي محاولة للتقليل من تراجع حزبه ، قال رئيس للحزب الديموقراطي ماثيو رينزي ، إن “الانتخابات البلدية ليست لها أية علاقة بالانتخابات التشريعية”، فيما أكد زعيم فورتسا ايطاليا برلوسكوني، أنه إذا تمكن تحالف أحزاب اليمين من البقاء متحدا فسيواصل الفوز بالانتخابات التشريعية وتولي الحكم”.
أما الغائب تقريبا عن الانتخابات البلدية، فهي حركة 5 نجوم بزعامة بيبي غريللو (شعبوي) التي منيت بالهزيمة منذ الدورة الاولى وبمعظم المدن.
وبغض النظر عن هذه التباينات في نتائج الانتخابات البلدية التي غيرت مواقع بعض الأحزاب السياسية، تبقى انتخابات أبريل القادم نقطة فاصلة في الموسم السياسي الحالي، حيث ستكشف لا محالة قبل وبعد إجرائها عن تحولات قد تعيد هيكلة المشهد السياسي الإيطالي.
سهام توفيقي
التعليقات مغلقة.