إِسْمَايَ الْعَرَبِيَّانِ الْجَرِيحَانِ
جواد المومني
اَلْإِسْمُ تَأَرْجُحٌ مُسْتَمِرٌّ بَيْنَ صُورَةٍ وَ تَرْكِيبٍ، وَهُوَ تَدَاوُلٌ غَرِيبٌ بَيْنَ بِنَاءٍ قَائِمٍ وَ وَصْفٍ مُرِيبٍ.
مَاذَا يَقُولُهُ الْإسْمُ؟ هَلْ حِكَايَةً يَرْوِي لِآتٍ مُبْهَمٍ أَمْ تَفْصِيلاً يُقَارِبُ لِأَزْمِنَةٍ غَابِرَةٍ، رَابِضَةٍ بَيْنَ زَوَايَا الْجَسَدِ وَمَهَارَاتِ الْجِينَاتِ الْمُتَخَفِّيَةِ؟! ثُمَّ مَاذَا يُورِدُهُ الْإسْمُ مِنْ تَطَابُقٍ فِي الْمَرْسُومِ شَكْلاً وَ الْمَنْطُوقِ حَرْفاً؟ أَثَمًّةَ تَعَالُقٌ؟ هَلْ حَقِيقَة مَا تَعْنِيهِ هذِهِ الرَّابِطَةُ؟
إِنَّهَا حِكَايَةٌ قَابِلَةٌ لِلسَّرْدِ … !
وَالْإسْمُ، ذَاكَ الْمُجْتَرَحُ لِنَوَايَا السَّلَفِ؛ يُعَوَّضُ بِهِ نَقْصٌ أَوْ يُفْتَرَضُ مِنْهُ وَ فِيهِ رَغَبَاتٌ دَفِينَةٌ؛ هُوَ نَفْسُهُ، عَقْدُ شَرَاكَةٍ مَعَ الْغَيْبِ الْمُتَخَصِّصِ فِي إدْرَاكِ الْغَايَاتِ، يَسْعَى عَبْرَهُ الْكَائِنُ إلَى تَحْقِيقِ مَا لَمْ يُنْجِزْهُ وَ إلَى بَسْطِ رُؤْيَتِهِ، أَوْ مَا يُرَجِّحُهُ في قَابِلِ الزَّمَنِ !
“جَوَادُ” إسْمِيَ الثَّانِي،
“بُوبْكَرْ” إسْمِيَ الْأَوَّلُ.
بَيْنَ الْإسْمَيْنِ، امْتَدَّ تَارِيخُ الشَّخْصَيْنِ. لَمْ أَعْرِفْهُمَا أَبَداً. رُبَّمَا تَعَرَّفْتُ عَلَيْهِمَا كَأَطْيَافِ ذِكْرَيَاتٍ أَوْ مَسَارِ قِرَاءَاتٍ أَوْ سَيْلِ أُحْجِيَاتٍ. لَكِنَّنِي بِالنِّهَايَةِ عِشْتُ ظِلّاً لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا مَعاً.. لَسْتُ أدْرِي!!
يُحْكَى لِي وَ أَنَا بِكْرُ وَالِدَيَّ، أَنَّ حِكْمَةَ الْجَدِّ (مِنَ الْوالِدِ) ، وَ خِلَالَ مَنَامِهِ، اقْتَضَتْ حُضُورَ شَيْخٍ مُعَمَّمٍ بِرِدَاءٍ صُوفِيٍّ أَبْيَضَ، مُخْبِرٍ، آذِنٍ وَ آمِرٍ (أَوْ مُقْتَرِحٍ.. لِمَ لَا !) بِقُدُومِ ذَكَرٍ يُولَدُ بَعْدَ حِينٍ قَصِيرٍ؛ لَيْلَتَهَا كَانَتْ وَالِدَتِي فِي مَخَاضِهَا الْعَسِيرِ لِلْوَضْعِ، بِالْمُسْتَشْفَى؛ وَ سَيَكُونُ اسْمُهُ: ” بُوبْكَر” ( أبو بَكر (.
كَانَ مَا كَانَ وَ حَلَّ الذَّكَرُ بَيْنَ أَهْلِهِ، جَاهِلاً إسْمَهُ، رَاغِباً فِيهِ، حَقّاً وَ وَاجِباً.
ذَاكَ الْإسْمُ الْمُحَمَّلُ بِتَارِيخِهِ وَمَاضِيهِ، اَلْمُثْقَلُ بِدَلَالَاتِهِ الْعَقَدِيَّةِ، سَيُشَكِّلُ لَحْظَةَ صِرَاعٍ وَ خِلَافٍ أُسْرِيٍّ (مِثْلَمَا هُوَ فِي مَحْكِيِّهِ الدِّينِيِّ أيْضاً!) إِذْ أَنَّ الْجَدَّةَ (لَلَّا كَنْزَة) الْقَيِّمَةَ عَلَى حَاضِرِ الْعَائلةِ و حَاضِرَتِها، و بِأَخْتَامِها النُّورَانِيَّةِ ذَاتِ النَّسَبِ الشَّريفِ، ثَقُلَ عَلَى لِسَانِها النُّطْقُ بِكُلِّ حُرُوفِ الْإسْمِ، أَوْ تَجْمِيعِ لَفْظِهِ الْمُرَكَّبِ، فَكَانتْ عَاجِزةً عنِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَ الْمُضَافِ إلَيهِ فِي صَوتٍ وَاحدٍ. هَذهِ السَّيِّدَةُ، الَّتي سَتَتَوَلَّى الْعِنَايةَ وَ الرِّعَايَةَ بِي ( لا أدري، هَلْ بِي أَنَا أَمْ بِالْإسْمِ ؟! ) تَارِكَةً لِوَالِدَيَّ لَحَظَاتِ مُتَعِهِما، تَنْفِيذاً لِقَرَارٍ سَامٍ عَظيمٍ، يَقْضِي بِضَرُورَةِ الْاِكْثَارِ مِنَ النَّسْلِ، إذِ الْعَائلةُ فِي كُنْيَتِهَا (الْمُومْني) لَمْ تُسْعِفْهَا نَوَائِبُ الزَّمنِ و تَفَاصيلُ الْأقدَارِ، إِلَّا بِذَكَرٍ وَاحِدٍ (أبي) و أَرْبَعِ إناثٍ (عَمَّاتي)، وَ تِلكَ حِكَايةٌ أخْرَى…!!
هذِهِ الْمرأةُ السَّيدَةُ، جَدَّتِي، لَمْ يَتَسَنَّ لَها قَطُّ ـ رَغمَ الْمُحاوَلَاتِ ـ نُطْقٌ سَلِيمٌ لِاسْمِي (الْحَفيدِ الْمُنْتظَرِ) فَحَصَلَ أَنْ عَجَّلَتْ بِصِرَاعٍ بينَ الْأقطَابِ، لَكنَّ إصْرَارَ الْجَدِّ، الْحاجِّ، كان قَاطِعاً يومَ الْعَقِيقَةِ: سَمَّى اللهَ وَ نَحَرَ الْكَبْشَ عَنِ الْمَوْلودِ، أَبِي بَكْر (بُوبْكَر).
طَبعاً، لَنْ تَقِفَ الْأُمُورُ هُنَا، وَ سَيَكُونُ لِلْجَدَّةِ رَدَّةُ فِعْلٍ تَحذِيريَّةٌ؛ سَتَشمُلُ غَضْبَةً، تَوَّجَتْهَا بِإضْرَابٍ عَنِ الْكَلامِ ( قَدْ يَكونُ إسمي مَصدَراً لِلْكَلامِ حِينَ أكْبُرُ بَعدَ ذَلكَ، يَا لَلْمُفَارَقَةِ !!) وَ انْعِزَالٍ في الْمَخْدَعِ. سَتَتَدخَّلُ أطرَافٌ لِتُلَيِّنَ الْمَوَاقِفَ، رَغْبَةً فِي الْحَلِّ؛ (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّ الْإسمَ حَمَّالٌ لِمَاضِيهِ!) لِيَقترِحَ وَالِدِي أنَّ الْإشْكالَ يَزُولُ بِتَبَنِّي إسْمٍ آخَرَ، ثَانٍ (جَوَاد) تَيَمُّناً بِاسْمِ أصْدَقِ رُفَقَائِهِ، وَ الْحَقِيقةُ وَرَاءَ ذَلكَ، رُبَّمَا تَكْمُنُ في حَلْقَةٍ أخرى أَجْهَلُهَا، وَ رُبَّما ظَلَّتْ وَ سَتَظَلُّ مُتَسَتِّرَةً عَلى الْجَمِيع!
اِسْتَسَاغَتِ الْجَدَّةُ الْفِكرةَ، سَرَى الْإسمُ هَيِّناً طَيِّعاً، وَ طَابَتْ حُرُوفُهُ عَلى لِسَانِها، نَطَقتْ بهِ عَالِياً ثم زَغْرَدَتْ. سَيَأمُرُ الْجَدُّ بِإحضَارِ كَبْشٍ ثَانٍ، سَيُسِيلُ دِمَاءَهُ… وَ سَأَحْيَا أَنَا … بِاسْمِي الْجَرِيحِ الْآخَرِ (وَ تِلكَ عَقِيدَةٌ أُخرى) !.
إِسْمَايَ صَنِيعَةُ آخَرِينَ.
إسْمَايَ، لَمْ أَخْتَرْهُمَا، وَ لَا أَحَدَهُمَا.
إسْمَايَ تَوَاضُعٌ بَيْنَ أَطرَافٍ أخْرَى، غَيْرِي.
إسْمَايَ وَلِيدَانِ لِأَحْلَامٍ، رُبَّما. تَأسِيسٌ لِصَدَاقاتٍ، اِحْتفَاءٌ بِهَا وَ تَأثِيثٌ لَهَا، رُبَّمَا!
إسْمَايَ غَايَةٌ أَمْ رُضُوخٌ؟
إِسْمَايَ مَحْوٌ وَ كِتَابَةٌ..
إسْمَايَ تَحْقِيقٌ لِوُعُودٍ أَمْ بَرٌّ بِنُذُورٍ!!
إِسْمَايَ وَرْطَةٌ أَمْ تَوْرِيطٌ؟
إسْمَايَ الْإثْنَانِ أَحْمِلُهُمَا عَلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ.
إسْمَايَ، أَ عَمْرِي أَنَا أَمْ عَمْرُ صَاحِبَيْهِمَا؟
إسْمَايَ نَبْشٌ فِي عَلَاقَاتٍ لَمْ أَعْرِفْهَا، لَمْ أَعِشْهَا وَ لَمْ أُرَتِّبْهَا..
إسْمَايَ لَمْ أُسَمِّهِمَا… لِي!!
أَنَا بِإِسْمَيْنِ… أَنِا بِكَبْشَيْنِ.
التعليقات مغلقة.