أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

ابراهيم حريري …الريشة الناطقة بلغة الضاد.

متتبعي جريدة  اصوات  يحل عليكم اليوم  الكاتب ابراهيم حريري في حوار شيق  مع طاقم الجريدة .

هذا الحوار الذي جاء بهدف  تقريب هذا الموسوعة من القارئ المغربي وكذا تشجيع الشباب عن احياء ملكة القراءة في ذواتهم .

  • في البداية عرفنا بإبراهيم حريري وكيف انبثقت عندك موهبة الكتابة ومن كان له الفضل في اكتشاف هذه الموهبة؟

بداية أشكر لكم اهتمامكم بالمثقفين المغاربة واستضافتكم الجميلة.

إبراهيم حريري كاتب مغربي قادم من الدراسات التاريخية حيث حصل على الإجازة في التاريخ سنة 1992. مغربي حتى النخاع ويحاول الوصول إلى الفكرة الأساس في الحياة، من وجهة نظره المتواضعة، وهي أن السياسة في جوهرها جاءت لخدمة الإنسان لكنها حادت عن ذلك وصارت وبالا عليه؛ وهو يحاول، من خلال كتاباته، إدانة هذا الانزياح من أجل العودة إلى الروح الأصل.

موهبة الكتابة قديمة نوعا ما، لكن كنت أتَّسِم بالخجل الكثير، ويرجع الفضل إلى زوجتي مريم فضيل التي آمنت بقدراتي الكتابية وشجَّعتني على الخروج إلى العلن. ولن أنسى ثقة السيد عبد الكريم الأمراني المدير المسؤول عن جريدة “صوت الناس” والذي كان له الفضل في نشر أول نصوصي في جريدته وكانت عبارة عن يوميات تحت عنوان “مشاهدات عامل مغربي في السعودية” سنة 2006. بعد ذلك جاء دور السيد كميل حب الله صاحب “دار إفريقيا الشرق” والذي آمن ولا يزال يؤمن بالكتاب الجدد، ونشر لي روايتي الأولى الموسومة ب “شامة أو شتريت” سنة 2013، وجدَّدَ فِيَّ ثقته مرة أخرى وأصدر لي روايتي الثانية “محجوبة” سنة 2016.

  • أستاذ إبراهيم، حدثنا عن روايتك الاولى “شامة او شتريت” الصادر سنة 2013 والرواية الثانية “محجوبة” الصادرة سنة 2016 وخاصة ان أسلوبك ينهج الجمع بين اهتمامات متعددة يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والخرافي بالأسطوري والثقافي بالديني؟

 

أعتقد أن الرواية هي عالم متعدد أو عوالم متعددة أو كما قلت في إحدى اللقاءات الصحافية، فإن الرواية كائن امبريالي بالمعنى الإيجابي للكلمة وليس بالمعنى السلبي، بمعنى أن الرواية باستطاعتها أن تكون حاضنة لشتى أنواع الفنون: السرد، الشعر، اللوحة، الموسيقى وحاضنة لشتى أنواع المعرفة الإنسانية. لكن، لا يجب على الروائي أن ينسى مهنته الأساسية ألا وهي القصة التي يود أن يرويها وسط تلك الكومة من المعارف أو الأنواع الأدبية. هنا تكمن قدرة الكاتب على ما أسميه ب”الدَّوْزَنَة” كمصطلح قادم من الموسيقى والذي يعني بأن كل شيء داخل عمل روائي ما، يجب أن يتم وزنه بمكيال الذهب حتى لا يضيع الروائي في عمله أو يتُوه.

في روايتي الأولى “شامة أو شتريت” حاولت أن أقف على تأثير البروباغاندا في حياة الأفراد، ونحن نعرف أن كثيرا من شعوب العالم عانت ويلات البروباغاندا في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية وآسيا وحاولت أن أساهم في هذا المجهود مغربيا.

 

في رواية “محجوبة” كنت أمام تاريخ القرن الماضي بكل جراحاته وأماله مروياً في جزء من المغرب “المنسي” حين كانت البادية المغربية تعيش تحولاتها العنيفة ومقاومتها الشرسة.

 

  • نلاحظ من خلال رواية محجوبة تنوعا أدبيا بين النثر والشعر وبين لغتين اللغة العربية سردا واللغة العامية حوارا، كيف جاء هذا المزج؟ ولماذا تم استعمالكم اللغة الدارجة في أعمالكم؟

طبيعة الشخوص داخل رواية ما هي التي تفرض مستوى ونوع الحوار. رواية “محجوبة” تدور في فضاء البادية المغربية وأبطالها أناس عاديون في بيئة بدوية، لذلك كان ولا بُدَّ، من أجل تحقيق الواقعية والوقع اللازم في نفسية المتلقي، أن أستعمل العامية. غير أن العامية التي استعملتها في الرواية هي عامية منقحة قريبة من العربية. لقد كان هذا الاختيار صعبا لكنه ضروريا للمحافظة على المعنى المرجو وجاء على المستوى الجمالي مقبولا وغير مستفز. 

  • ألم يؤثر استعمالكم للغة الدارجة المغربية في مؤلفاتكم، على القارئ العربي في فهم اللغة العامية المغربية؟

أعتقد أن العامية المغربية قريبة معنى ومبنى من العربية المعيار خاصة في البوادي، لذلك لا أعتقد أن استعمال الدارجة المغربية في عمل روائي قد يكون له تأثير معين على القارئ العربي. إن القارئ الجيد باستطاعته أن يبذل مجهودا من أجل فهم بعض المصطلحات أما المعنى فإنه في متناوله. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الأغنية المغربية والفيلم المغربي قد صارا متوفران في السوق العربية، بالإضافة إلى السياحة البين-عربية. كل هذه العوامل تجعل من العامية المغربية غير بعيدة عن مسامع باقي الشعوب العربية كما هو الحال مع العامية المصرية (في كتابات نجيب محفوظ) والسعودية (في كتابات عبد الرحمان منيف) واللبنانية والسورية أيضا.

  • أستاذ ابراهيم حريري جاء في إحدى حواراتك السابقة أنك تحضر مسودة حول المعانات الناتجة عن حرب الصحراء هل يمكنك أن تحدثنا عنها؟

 

الرواية في طور الطباعة بإذن الله وأرجو أن يتقبلها القارئ المغربي بصدر رحب. الرواية الثالثة أريدها وأتمناها الجزء الثالث من ثلاثية أحلم بها تحكي تأثير السياسة على الإنسان: ابتدأت في الرواية الأولى “شامة أو شتريت” بمناقشة تأثير السياسة القومية، الوطنية والصهيونية على الإنسان. وفي الرواية الثانية “محجوبة” حاولت أن أناقش، في قرن كامل، تأثيرات السياسة على المواطن البسيط، من 1908 إلى السبعينيات . من البدايات الجنينية الوطنية المغربية، مرورا بانبثاق هذه الاخيرة وسعيها لتحقيق الاستقلال ثم الاستقلال وما تَلَتْه من خيبات.

وفي الرواية الثالثة المقبلة (قيد الطبع) أناقش تأثير “المناكفة السياسية” على امرأتين غيبت الصحراء رجلهما وقصة كفاحهما المشترك من أجل استجلاء مصيره.

  • كيف كان تجاوبكم الشخصي وتجاوب القراء مع تصميم غلاف كتابكم “محجوبة “؟

تصميم الغلاف من إنجاز دار النشر وباقتراح مني حيث وقع اختياري على لوحة لصديقي الفنان التشكيلي الأنيق سيدي عبد الله اليعقوبي الذي أوجه له أرقى التحيات بهذه المناسبة. شخصيا أنا راض بشكل كلي على اللوحة وعلى التصميم وأعتقد أن الكثيرين أعجبوا بالتصميم وكانت سببا، خلال أيام المعرض، لاقتناء الرواية من طرف العديدين.

  • ما مدى تأثير كتاباتكم على القارئ؟

أعتقد أن الرواية تسمح للمتلقي، للقارئ بأخذ المسافة اللازمة بينه وبين الأحداث التي يقرأها، وما أقدمه شخصيا، هو قراءة الشخوص للأحداث الروائية/الحقيقية وأطلب بالتالي من القارئ أن يكَوِّن رأيه الشخصي.

الرواية أيضا تمرين على التفاؤل. فمهما كانت سوداوية الأحداث الروائية، مهما كانت سلبية شخوص الرواية، فإنها تعطي للمتلقي تلك الشحنة من الأمل سواء بتجاوز سلبية الشخوص أو بالتماهي مع دينامية شخوص أخرى.

 

  • ماهي اهم الاعمال التي قد ساهمت في تكوين رؤيتكم الفكرية والادبية؟

أعتقد أنني تلميذ المدرسة الروائية الروسية والأدب الاشتراكي في السبعينات كما لا أخفي تأثري بكافكا وغيره. عربيا، لا أحد ينكر التأثير الجميل لكل من منيف، جبرا، محفوظ وغيرهم. على مستوى الفكر، أظنني أميل إلى مدرسة الحوليات مع المؤرخ الفرنسي الكبير بروديل، كما لا أنكر عشقي الكبير لتاريخ العقليات وللكتابات التاريخية المشاكسة “المدرسة التاريخ المراجع Ecole Révisioniste. عربيا، أحب كثيرا كتابات العروي، الجابري، الخطيبي، كيليطو، جعيط، عبد الفتاح إمام…الخ. ولِحَدِّ الآن أحاول الحفاظ على هذا التنوع الذي لا يقيم وزنا للاختلافات بين المدارس.

 

  • ماهي أبرز المعيقات التي تواجه الكتابة الإبداعية اليوم من منظوركم الشخصي؟

 

لعل أبرز معيق أمام الكتابة الإبداعية اليوم هو القدرة على التفرغ للكتابة دون التقيد بجهة ممولة ما. الكتابة الإبداعية الجادة تتطلب بحثا مضنيا وقراءات متعددة ووقتا كبيرا من أجل إنجاز عمل يليق باسم رواية.

العائق الثاني هو ضُعف القراءات النقدية التي يمكنها أن تعطي للعمل توهجا إضافيا.

وشخصيا، لا أعتقد في ما يسمى بضعف القراءة ذلك أن القراء موجودون لكنهم يستنكفون عن القراءة لانهم ينتظرون دائما وغالبا رأي النقاد.

وفي هذه النقطة بالذات، هناك مجهود يبذل من طرف بعض الجمعيات المشكورة لكنه عمل غير مؤسساتي وربما هذا من وظائف الناشرين الذين عليهم إيجاد الآليات للإشهار والتعريف بالأعمال وعلى العموم،  فإن المناخ العام يتقدم ببطء وتؤدة لكنه يتقدم.

  • من هم الروائيون الذين تقرأ لهم؟ وماهي رواياتك المفضلة؟

أقرأ اليوم للمغاربة بشكل متزايد وأحاول ألا أسقط في نزعة “آخر الإنتاجات” التي غزت الأدب أيضا. أقرأ لشغموم، الأشعري، حليفي، وأقرأ للشباب أيضا. أما عن رواياتي المفضلة فهي “الأم” لماكسيم غوركي، الجريمة والعقاب، مائة عام من العزلة، الطاغية، مدن الملح، زمن الأخطاء، طوق اليمام وغيرها كثير، وأعتذر إن خانتني الذاكرة ولم أذكر البعض الآخر..

  • حدثنا عن سندك “مريم فضيل ” في أسطر؟

مريم فضيل إنسانة تشع حيوية ونشاطا وتبحث دوما على دفعي نحو التشبت بالكتابة كلما استبدت بي مشاعر اليأس والقنوط من جحود عالم الأدب. إنها تضحي من أجلي ومن أجل أبنائنا. وفي خضم انشغالاتها بيني والعمل والأسرة، لا أعرف حقا كيف تجد الوقت لتكتب نصوصا جميلة وأتمنى من كل قلبي أن تلتفت لكتاباتها أيضا. إنها تشيع في بيتنا المتواضع البهجة والحبور. أنا لا أعرف كيف أختزل وصف زوجتي، حبيبتي وأم أولادي، إلا أنني من دونها لا أساوي شيئا، من دونها ستنهشني أفكاري السوداوية وجنوحي نحو القنوط واليأس، إنها النبراس الذي أستضيء به.

  • كلمة اخيرة توجهها حضرتكم لجمهور القراءة؟

أشكركم جزيل الشكر للاستضافة الكريمة وأريد أن أجيب على سؤال مغيب، ماذا نربح من الكتابة؟

في تدوينة لأحد الزملاء الكتاب، تكلم عن رجل يؤدي عنه ثمن قهوته كل يوم، فلما ألحَّ الروائي والقاص على معرفة من يقوم بالأمر، أخبره النادل أنه أحد قرائه المعجبين بكتاباته.

بفضل الكتابة، أنا اليوم جِدُّ غني بمعارفي من كل المشارب، من بائع الفواكه الجافة في الحي الذي أقطنه والذي يحب القراءة كثيرا إلى رجال السياسة ورجال الأعمال وغيرهما. تلك النظرة المليئة بالاحترام والتقدير هي ما نربحه وذلك لعمري هو الغنى الحقيقي. للوصول إلى “الغنى” يجب أن تقرأ كثيراً كثيراً كثيرا،ً بكل اللغات وفي كل الأجناس.

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.