بقلم: الحبيب عكي
في المخيمات نصادف بعض الحالات من الأطفال والطفلات الذين يستوحشون ظروف مغادرتهم أهاليهم، ووقع التنقل والإقامة في فضاء مخيم بعيد، مع مؤطرين قد لا يعرفهم وأطفال جلهم غرباء، وقد يصل بهم الوحش إلى أن يبكوا بعض الشيء، أو يطالب بعضهم بالرجوع إلى أهله، أو على الأقل أن يكون في الفرقة الفلانية مع الأطفال الفلانيين والمؤطر علان العلاني، وقد تدوم هذه الحالة من الاضطراب لساعات أو أيام قليلة، قبل أن يتمكن المؤطرون من معالجتها عبر تدخلاتهم، وأنشطتهم الاندماجية التي سرعان ما يتفاعل ويندمج فيها الطفل (ة) المستوحش (ة) ناسيا ومتجاوزا ما قد كان به وبها من الخوف والارتباك، بل إن تفاعله واندماجه يكبر عبر المرحلة ولا ينهيها في الغالب أيضا إلا عبر البكاء والحزن الشديد لكن هذه المرة، على ما انقضى من أيام المخيم المرحة وأنشطته الممتعة، والتي جعلته مرة أخرى يبكي، كما بدأ المخيم كما يختمه، ولكن في المرة الأولى كان بسبب الاستوحاش وفي المرة الثانية بسبب الفراق بعد الاستئناس؟.
يلاحظ في المخيم أيضا، بعض الآباء لا يساعدون أبنائهم على الاندماج في المخيم والتركيز في أنشطته والاستمتاع بها، من كثرة ما يزورونهم أو يتصلون بهم هاتفيا ويشيرون عليهم في ما يحدث لهم، أو على الأقل من كثرة المكالمات وطولها يثيرون شوقهم إلى بيتهم وإخوانهم، بل قد يصلون عند زيارتهم إلى مطالبتهم بمرافقتهم وإخراجهم من المخيم غير ما مرة، إما لزيارة عائلة كان من الممكن تأجيلها، أو قضاء أغراض معينة أو جولة سياحية وسط مخيم هو في الأصل تربوي وسياحي؟، وكل هذا لا يساعد الابن على الاستقرار في المخيم.. ولا يساعد المؤطرين على الاشتغال معه على ذلك. وكل هذا خلل في علاقة الآباء بالأبناء وهم في المخيم، وربما في الحياة عامة، ترى كيف ينبغي أن تكون هذه العلاقة بين الآباء والأبناء حتى تخدم الأهداف التربوية والتكوينية التي يتجند الجميع في المخيم لتحقيقها وإظهار أثرها الإيجابي على الأطفال؟.
أولا، ينبغي على الآباء أن يحددوا الأهداف التي من أجلها أرسلوا ابنهم/ابنتهم إلى المخيم، ويساعدوه/ها على تحقيقها، وليس العكس؟. ثانيا، عليهم أن يطمئنوا على أن ابنهم/ابنتهم في المخيم يحيط به(ها) فريق متكامل من المؤطرين المكونين.. والمسؤولين.. ويحيطونه بفائق العطف، والحنان والرعاية والحماية.. والحرص على أمنه وتغذيته.. صحته وسلامته.. وفي نفس الوقت على تربيته وتكوين شخصيته وبصم شعوره وقراره بما ينفعه في حياته. ثالثا، على الآباء أن يعرفوا أن المخيم له قانون داخلي.. سواء ذلك الذي وضعته الوزارة الوصية والذي تسير بموجبه المخيمات وكله حرص ومسؤولية.. أو ذلك الذي تضعه الجمعية وتحرص على تطبيقه وكله أس التعامل مع الأطفال.. أس السلامة.. أس التغذية الصحية والمتوازنة.. ومن مكوناته برنامج عام وبرنامج قار ينظمان أوقات الاستيقاظ وأوقات النوم.. أوقات الأنشطة وطرقها.. أماكن الخرجات وشروطها.. الرياضة والسباحة.. أوقات تقييمية للبرامج وسيرها وعلاج ما قد يقع خلالها من الاختلالات والوقاية من عوارضها؟.
أولا، قبل المخيم:
يمكن للآباء أن يساعدوا ابنهم بتوفير ما قد يحتاجه من الأدوات في المخيم، وفي حدودها الدنيا كما قد يتوصلون بها من الجمعية المخيمة، أن يوصوا ابنهم/ابنتهم بما ينبغي أن يحرص عليه في المخيم.. وأن يعرضوا عليه بعض الوضعيات من.. ومن.. ومن..، ويروا كيف يمكنه أن يحلها.. ويطلعوه على ما قد يكون من صواب أو أخطاء في هذه الوضعيات والمواقف، وأن يكون للطفل قراره الحر في كل ذلك ومبادرته أفضل بكثير حتى من مساعدة المؤطر القريب فبالأحرى الوالد/الوالدة البعيد(ة).. وذلك هو المطلوب. لأن من أهداف المخيم، مساعدة الابن/الابنة على الاعتماد على نفسها دون تدخلات الآخرين في اختياراتها وقراراتها.. أو بأقل ما يمكن منها، وقد يكون ذلك بمساعدة تناقصية تدريجية من الآباء وغيرهم، ولكن استمرار هذه المساعدة وطغيانها كأن الابن/الابنة في المنزل مع والديه، لن يحقق الهدف، بل بالعكس؟.
ثانيا، وسط المخيم:
أن يحترم الوالد/الوالدة أوقات الاتصال بولده داخل المخيم، ومواضيعها المحدودة والمركزة على الاطمئنان على سلامة الطفل وبعض مشاعره اتجاه المخيم وتشجيعه على الاستفادة من أنشطته.. وتهنئته على ما يحقق من إنجازات يومية ويتخذه من مواقف وخطوات صائبة.. وليتجنبوا الاتصال في أوقات ذروة الأنشطة مثلا، وهو أمر مربك.. خاصة إذا كان لمجرد الاطمئنان أو ترك رسالة، يمكن تركها عند المؤطر إذا لم يكن هو بدوره منهمكا في النشاط مشرفا أو منظما مساعدا.. ولهذا فإن من الجمعيات من تأخذ الهواتف من الأطفال وتمنع استعمالها مطلقا أو جزئيا في حدود وللأوقات محددة.. ولكن هذا موضوع آخر خاصة في هذا الوقت، وقت الإدمان على الهواتف الذكية ومخيمات أبناء الجالية؟. ومقابل مثل هؤلاء الآباء، هناك أيضا آباء آخرون لا يتصلون بأبنائهم طيلة المرحلة إطلاق أو نادرا، حتى أن أبنائهم في قرارات أنفسهم يتساءلون: هل هذه هي مكانتنا عند آبائنا لا نستحق حتى مكالمة واحدة (ولو على عنين الأطفال)، فيبادرون هم بمكالمتهم ولكن بدموع حارة تختزل كل أشواقهم وتساؤلاتهم؟.
هناك بعض الأمور التي ينبغي على الآباء الاطمئنان عليها، وأن أـبناءهم في المخيم يمارسونها بشكل صحيح فعلا، دون وصاية ولا مصادرة رأي ، ومن ذلك:
-
موضوع الصلاة وكيف يدبرونها في المخيم؟.
-
التعامل مع المؤطرين و مع الزملاء، كيف يسير؟.
-
مدى الإقدام على المشاركة وتنمية الروح الجماعية؟.
-
مصروف الجيب وكيف يدبرونه خلال مرحلة المخيم؟.
-
استعمال الممتلكات الخاصة والمحافظة على العامة؟.
-
موضوع التفكير والحوار وحل المشكلات وفن اتخـــاذ القرارات؟.
وأخيرا، بعد المخيم:
يعني، عند عودة الطفل(ة) من المخيم، وقد عاد بمجموعة من العادات والمهارات والمكتسبات، فكيف نقيمها ونثبت الإيجابي منها.. بل ونصل إلى اعتماد روح وفلسفة بعضها في تربيتنا لأبنائنا وعلى رأسها.. أن الطفل يتعلم عبر المتعة والمرح لا عبر القسوة والألم.. أن الطفل في حاجة إلى تكامل العديد من الجوانب الروحية والمادية في حياته.. أن اعتباره وحواره ومشاركته – خاصة في ما يخصه – ضرورية.. أن تنظيم أوقاته وأعماله مفيد وحمايته خلالها واجب.. وأن الصداقات في حياته مهمة ولكن كيف يختارها.. وأن قدر من الترفيه البناء والاحتفاء بالإنجاز والعطاء له حق لا ينبغي أن يهضم..، تماما كما نعد أبنائنا للمدرسة ونحاول توجيههم ورعايتهم خلال مسارها والاستفادة من عطائها؟. ويبقى المؤطر في الأول وفي الأخير، هو عين الآباء على أبنائهم، ليس بعين الآباء التي قد تكون متساهلة وليس بعن المحاسب التي قد تكون قاسية.. ولكن بعين حاضنة للطفل أولا.. متفهمة له.. مقدرة لرأيه.. موجهة لاختياره عند اللزوم.. ومراعيا لمصلحة الجماعة وقراراتها ثانيا. وكلما كانت العلاقة بين الآباء والجمعيات جيدة تعاونية كان المخيم أنجح.. ولمصلحة الأطفال أضمن.. وهذا هو المطلوب. والله الموفق.
التعليقات مغلقة.