شكل حدث وصول المنتخب المغربي لنصف نهائي كأس العالم 2022، حدثا بارزا من جهة كون هذا الحضور شكل قفزة نوعية ليس لمسار الكرة المغربية، بل أكثر من ذلك الكرة الإفريقية والعربية، بعد أن وقع على مسيرة ملحمية، وأداء جيد أبهر كل المتتبعين للشأن الكروي العالمي، ومن جهة أخرى ما خلفه من موجة تعاطف عالمي وتداعيات كبرى نتيجة ما تعرض له من ظلم تحكيمي خلال لقاء فرنسا، والمؤكد أن اللقاء تجاوز الأبعاد الرياضية إلى الأبعاد السياسية والتي ستحتل حيّزا في تاريخ المغرب والعالم.
الصحافة الفرنسية حاولت التقليل من الآثار العامة للقاء والنتائج المنتظرة، حيث أشارت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، إلى ما أسمته الروابط الرياضية الجامعة بين المغرب وفرنسا من خلال إدراجها اسم الجوهرة السوداء، اللاعب العربي بن مبارك، ذا الأصول المغربية، والحامل للجنسية الفرنسية والمغربية، الذي صنّفته الجامعة الفرنسية رابع أفضل من لبس القميص الفرنسي بعد كل من “زيدان” و”كوبالا” و”ميشيل بلاتيني”، واصفة إياه باللاعب ذو التاريخ الأطول في اللعب للمنتخب الفرنسي (1938 ـ 1954).
إلا أن الصحيفة عرجت على ما أسمته الفوارق “الاقتصادية” بين المنتخبين، من خلال الإحالة إلى الأسهم السوقية للاعبي المنتخبين، عارضة قيمة لاعبي المنتخب الفرنسي في السوق الرياضي، والتي تقارب 1 مليار يورو، فيما لا تتعدى قيمة لاعبي المنتخب المغربي في نفس السوق أقل من 250 مليون يورو.
صحيفة «لوموند» بنت على هاته الخلاصة المتعلقة بالقيمة السوقية لتؤكد من وجهة نظرها طبعا من خلال إيراد مقالة لمؤرخ فرنسي يقول فيها إن اللاعبين يفضلون اللعب للمنتخب الفرنسي أكثر من المنتخب المغربي.
إلا أن الوقائع على الأرض تحطم هاته الأوهام الإحصائية والسياسية التي يتم تسريبها خاصة من خلال الأسماء الكبيرة التي فضلت معانقة العلم الوطني المغربي بعيدا عن هاته البروباغاندا الدعائية، وضمنهم اللاعب الفرنسي المولد والنشأة، رومان سايس، الذي اختار اللعب لصالح منتخب المغرب بدلا من منتخب فرنسا.
الأمر الذي يدحض كل الادعاءات الفرنسية ما رسمه الدولي المغربي حكيم زياش ردا على مدرب المنتخب الهولندي، “ماركو فان باستن“، الذي أنبه على اختياره اللعب للمنتخب المغربي قائلا: “كيف يمكنك أن تكون بهذا الغباء وأن تلعب للمغرب فيما أنت مؤهل للعب للفريق الهولندي؟”، لكن رد النجم المغربي كان صاعقا حيث قال له: “يبدو يا سيد فان باستن أن اختياري النابع من القلب لم يكن سيئا بالنتيجة النهائية!”.
الوقائع الميدانية التي رسمها “أسود الأطلس” ليس على رقعة الملعب فحسب بل من خلال استحظار قيم الانتساب الإنسانية الكبرى التي رصعت فضاءات المونديال وفرضت نفسها مادة إعلامية هامة تناقلتها مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ومواقع التواصل الاجتماعي، من خلال عرضها صور هؤلاء الأبطال وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم، وعلى رأسهم الناخب الوطني الفرنسي المولد والنشأة ، المغربي الانتماء، ورقص “سفيان بوفال“مع والدته محتفلا بتأهل فريقه للدور نصف النهائي، في مقارنات أخرى، وهو الأمر الذي دفع وسائل إعلام إنجليزية لطرح سؤال على عناصر المنتخب الإنجليزي، إن كانوا قادرين على التصرف بهذه الطريقة مع أمهاتهم أو زوجاتهم.
كما ألهب هذا الحضور، والمشاهد المؤثرة لقراءة الفاتحة والدعاء والسجود في الملعب أمام الجماهير وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وأظهر بما لا يدع مجالا للشك الارتباط بالجذور العميقة العاطفية الدينية منها والوطنية والاجتماعية والرياضية، وهو ما دفع صحيفة “الغارديان” البريطانية، لاعتباره أحد عناصر “الإلهام”.
ليشكل هذا الحضور المغربي العربي الإسلامي الإفريقي ملحمة من الملاحم الكروية الكبرى التي وحدت العالم العربي والإسلامي والأفارقة حول علم المغرب، دفاعا عن الهوية والانتماء المتجذر في التربة العربية الإسلامية الإفريقية، والتي لن تستطيع كل المحاولات الاستعمارية الجديدة المتجددة محوها مهما كانت قوة الظلم التحكيمي أو الابتزاز السياسي من أجل خدمة قضايا ضيقة لن تنال من شرف وكرامة هاته الأمة؛ ويكفي أبناء هذا الجيل فخرا أنهم جمعوا كل أركان الفريق الفرنسي في ركنية الدفاع، الأمر الذي دفعهم لاعتماد الخشونة لإيقاف كل مد مغربي مؤازرين بظلم تحكيمي حتى من داخل غرفة “الفار”، بل أن ما أثار الاشمئزاز وأسال موجة من الضحك على سمك المؤامرة، هو ما تعرض له الأسد “سفيان بوفال” بعد أن تم الاعتداء عليه وسط مربع العمليات، لكن وبدل إنصاف اللاعب والمنتخب، وفي مشهد سخيف ومقزز يوجه الحكم المكسيكي الإنذار للضحية ويترك الجلاد حرا طليقا.
التعليقات مغلقة.