أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

استهداف المنتخب الإفريقي ممثل فرنسا بموجة من العنصرية دليل على قبح مجتمع يتغدى برضاعتها

حينما فاز منتخب إفريقيا بنسخة روسيا 2018 لم يحمل الأفارقة المسؤولية، لكن حينما فقدوها في قطر 2022، انطلقت العنصرية على الرغم من تألق مبابي الإفريقي ومنحه جائزة أفضل لاعب

بقدر ما رسم الأفارقة من فرح منسوب لفرنسا وتتويجات ترصع صدر قصورها وقلاعها على الرغم من الماضي الاستعماري الأليم، إلا أن الفرنسيين لم يقابلوا هذا التألق والترصيع بالذهب الذي تفتخر به فرنسا اليوم، إلا بموجة من العنصرية المقيتة التي لا تعكس قيمة فرنسا، مرحلة الأنوار ومونتسكيو وكل فلاسفة العصر الإنسي الذهبي، ولعل الرئيس الكيني، ويليام روتو، كان على حق حينما أعلن بعد نهائي كأس العالم 2022 وخسارة فرنسا أمام الأرجنتين أن هناك تعاملا بازدواجية وانتقائية مع المهاجرين الأفارقة، واصفا في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” هذا المنتخب بالمنتخب الإفريقي.

وبهذا الموقف عكس الرئيس الكيني عمق الجدور التي تجحد فرنسا بما تقدمه خدمة لعلمها، ومع ذلك لا تعترف بهذا السمو والكرم الإفريقي، حيث قال في رسالة تهنئة لمنتخب الأرجنتين مرفقة بصورة للاعبي المنتخب الفرنسي ذوي الأصول الإفريقية مع أعلام بلدانهم الأصلية، واضعا تعليقا “فريقي الإفريقي لعب مباراة رائعة في كأس العالم”، وقبل ذلك كان قد غرد “المنتخب الإفريقي الذي وصل إلى نهائي كأس العالم”.

 

ماكرون وتغذية سموم العنصرية

بعد الخسارة في المونديال أمام الأرجنتين نزل الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، لمواساة اللاعبين، لكنه ووفق المراقبين كان يميل للبيض أكثر من السود، وهو ما اعتبر عنصرية رآسية اتجاه من رصعوا الخزائن الفرنسية بالالقاب وآخرها مونديال روسيا 2018، الذي فاز به منتخب إفريقي بامتياز.

 

وفي هذا السياق، لاحظ المتتبعون وجود خطاب رآسي عنصري موجه من الرئيس الفرنسي إلى كل من هوغو لوريس وأوليفيي جيرو وبنجامين بافارد، وكلهم من أصول أوروبية، في مقابل تهميش اللاعبين من اصول إفريقية سوداء، إلا أن آخرين رفضوا هذا الطرح قائلين أن تلك المقاعد كان يجلس بها لاعبون من أصول إفريقية ويتعلق الأمر بكل من ستيف مانداندا وألفونس أريولا وكينغسلي كومان.

إلا أن الوقائع التي تلت المونديال أوضحت بجلاء تلك النظرة العنصرية اتجاه اللاعبين من أصول إفريقية، وهو ما انتبه إليه الرئيس الفرنسي نفسه ورئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، حيث قال رئيس الاتحاد، “نويل لو غريت،” إن ماكرون تدخل لإقناع اللاعبين بلقاء الجماهير عند وصولهم إلى فرنسا بعدما كانوا يرغبون في العودة إلى منازلهم مباشرة، مبرزا أن الرئيس “أراد لحظة تواصل مع الجماهير”.

المونديال والموجة العنصرية الفرنسية بعد الخسارة

طالت موجة من العنصرية لاعبي المنتخب الفرنسي من أصول إفريقية بعد المباراة، حيث تم تحميلهم مسؤولية الخسارة، البارحة حينما ظفروا بكأس العالم في روسيا 2018 وبلاعبين أفارقة لم يحمل هؤلاء اللاعبون مسؤولية الفوز، واليوم حينما خسروا النهائي وبضربات الترجيح وتألق مبابي الذي سجل ثلاثة، يحمل الافارقة مسؤولية الخسارة، إنها قمة العنصرية المقيتة التي غزت المجتمع الفرنسي.

إهدار ضربات الجزاء كانت كافية لتفجر مخزون الحقد اتجاه افريقيا والافارقة، حيث ترك الكثير من المعلقين عبر حسابات اللاعبين في مواقع التواصل الاجتماعي عبارات مهينة.

 

التدفق الحاقد اتجاه الأفارقة وموجات الكره الانسيابية دفعت كلا من كولو مواني، من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتشواميني، من أصول كاميرونية، إلى إغلاق التعليقات في حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، علما أنهما أديا مباريات جيدة طيلة المونديال، علما أن كيليان مبابي، وهو هداف البطولة وأفضل لاعبي المنتخب الفرنسي، من أصول إفريقية، حيث إن والده كاميروني وأمه جزائرية.

كينغسلي كومان، وهو من أصول غينية، تلقى العديد من العبارات الجارحة والتعليقات المحرضة، حتى أن ناديه بايرن ميونيخ الألماني، نشر تغريدة على “تويتر” للتضامن معه جاء فيها “عائلة بايرن تقف خلفك أيها الملك، العنصرية لا مكان لها في الرياضة أو في مجتمعنا”، في حين أدانت شركة “ميتا” المالكة لموقعي فيسبوك وإنستغرام، عبر الناطق باسمها، هذه الحملة العنصرية معلنة عن حذف كل التعليقات المسيئة.

 

عنصرية الرياضة جزء لا يتدزأ من العنصرية السياسية

لن ننسى مواقف الرئيس الفرنسي، ماكرون، وقرار تخفتض التأشيرات بنسبة 50 في المائة بالنسبة للمغرب والجزائر و30 في المائة بالنسبة لتونس، كأوراق ضغط في موضوع الهجرة، وهي القرارات التي لا تعكس، ولا تغدي، إلا قيم العنصرية والكره اتجاه الآخر في إطار علاقة نفعية بعيدة عن القين النبيلة الانسانية.

 

وغدى السياق القانوني هاته النظرة العنصرية من خلال عرض الحكومة الفرنسية مشروع قانون جديد لتنظيم وضع المهاجرين، في نهاية شهر نونبر الماضي،يقوزم على تسليم شواهد الإقامة للعاملين في “المهن المطلوبة”، أي المهن التي تحتاجها فرنسا فقط، أي المجالات المهنية التي تعاني نقصا في العمال، فيما تتم ملاحقة الآخرين وترحيلهم في مواقف تعكس الوجه اليميني العدائي لقيم الحرية والعدالة والمساواة.

 

إذن هي قيم البراغماتية وتغدية الكره العنصري داخل جميع مؤسسات المجتمع الفرنسي، وما يمكن قوله أن هاته النظرة والسياسة هي تركيبة وجزء من ماض استعماري، وأن المنتخب الإفريقي مثل إفريقيا أحسن تمثيل ونال تقدير كل العالم، وأن الخروج بضربات الترجيح، حظ ليس إلا، وأن أسود إفريقيا حققوا على الأرض ملحمة في رقعة الميدان عكست قوتهم على الرغم من الحقد العنصري، وما تألق “مبابي” أيقونة وعلامة سطوع النجم الإفريقي وسط سخافات قيم الكره والموت التي تغلف المشهد العام الفرنسي، إلا دليلا وعربونا على قوة قارة، وإرادة حياة لشعوبها، والكلمة الأخيرة التي التي يمكن قولها، أن اتركوا إفريقيا وأبناءها يديرون مصائرهم بأديهم لا يريدون منكم جزاء ولا شكورا، فقوة إفريقيا في أبنائها ووحدتهم هي أساس مستقبلها الجميل بعيدا عن “ماما فرنسا” الممثلة بفريق أفريقي بامتياز، والرافضة للاعتراف بقوة قارة على صنع أمجادها.  

التعليقات مغلقة.