الحبيب عكي
مع كل دخول مدرسي، وبقدر ما تغمر مجمل الأطفال والتلاميذ مشاعر الفرحة وسرور العودة إلى الدراسة وحياة العلم والأساتذة والفصول والأصدقاء، خاصة بعد استراحة عطلة صيفية طويلة وفرحة النجاح والانتقال إلى مستوى أعلى يقربهم من تحقيق أحلامهم، بقدر ما يغبطهم كل هذا بقدر ما تتجدد معاناتهم مع وقائع دخول مدرسي ممتد ومضطرب وموغل في إجراءات إدارية روتينية بطيئة، واختلالات تربوية معقدة قد تكون مفتوحة على كل شيء وتتجاوز الجميع، أو على الأقل تخيب آمال فئة عريضة من التلاميذ والآباء، بدء من فرصة إيجاد مقعد في مؤسسة مناسبة.. إجراءات التسجيل الغارق في الكتابة والحضور بدل الرقمنة وإمكانية التسجيل عن بعد.. اقتناء الكتب والأدوات والتهاب الأسعار.. البحث عن وسيلة النقل.. المسكن.. اللباس.. الإقامة والإيواء المريح والمساعد على تمدرس جيد إن لم يكن ضامنا له؟.
وطبعا، تختلف مواقف الآباء تجاه هذه الإكراهات ومواجهتهم لها بين الحرص والاهتمام إلى البرود والإهمال، بين الانفراد بالرأي والتصرف إلى التشاور والتعاون مع الأبناء وأفراد الأسرة، بين الإنفاق بسخاء حد الاستدانة إلى تقتير مخل ومماطل..، فأي تعامل وسط ينبغي على الآباء اتخاذه؟، وما عائد ذلك على نفسية التلميذ(ة) وحسن تمدرسه أو تحصيله العلمي والتربوي وهو الأهم؟. إذن هذه دعوة صريحة إلى الحوار مع الأبناء والتعاون معهم بشأن أمر دراستهم التي تهم الأسرة ككل وينبغي أن تتعاون بشأنها، من بداياتها إلى نهايتها وليس فترة الامتحانات والنتائج فحسب. وأي حوار لابد له من أجواء الثقة المتبادلة المفعومة بالمحبة المحسوسة وغير المشروطة والأخذ والعطاء من المناقشة حسب اللازم والممكن من المقترحات والحلول، ومما تنبغي مناقشته بشأن الدخول المدرسي مثلا:
-
اختيار المؤسسة: وغالبا ما تكون أقرب مؤسسة في الحي، إذن ليس هناك فرصة أفضل، اللهم من أراد أن يقع اختياره على مؤسسة خصوصية، وأسعفه مدخوله الشهري على ذلك، فإنه يقع على اختيار الفرص الكثيرة، عمل تربوي مؤطر ومراقب وأنشطة موازية شيقة ومكثفة، نقل مدرسي و وسائل الإيضاح، وأجواء من الدوام المكثف لا إضراب ولا غياب..، وكيفما كان الحال فينبغي أن يتم ذلك بالتشاور مع الإبن (ة) الذي يهمه الأمر، ثم لا شيء سيغني عن المواكبة والتواصل مع المؤسسة في كلا التعليمين، وهما أمران ضروريان؟.
-
إجراءات التسجيل: من الأفضل أن يتحمل مسؤوليتها ويتكلف بها الأبناء أنفسهم، وإن لزمتهم بعض المساعدة فمن إخوانهم الكبار ممن سبقوهم في المستوى، وفي ذلك اعتماد على الذات وتدريب على اكتشاف الدواليب والمعاملات..، كما على الإدارة أن تيسر الأمر وتراعي حداثة مرتفقيها، بل أن ترقمنه حتى تخلصه من قلة الإطار البشري وعقليته الإدارية المتخلفة أو المزاجية أو فقط المضغوطة من كثرة المهام وقلة الوقت والمساعدة؟.
-
شراء الكتب والأدوات: وينبغي أن تقتصر على اللازم والضروري، بدء من طلبات الأساتذة ولوائحهم، ويمكن أن يتكلف بها الأبناء كذلك، وإن كان هناك من تدخل ومساعدة من طرف الآباء، ففقط من أجل مراعاة الجودة ومراقبة العلامات التي قد يعجب بها التلاميذ وهي تروج للشذوذ وتطعن في عقيدتهم؟. كما أن الكتب ينبغي طبعها وهي قابلة لإعادة الاستعمال حتى يمكن شراء بعض الكتب المستعملة وهي في حالة جيدة، أما الكراء من المكتبات المدرسية أو الاستفادة من الجمعيات الخيرية وحملة مليون محفظة الوطنية فينبغي تركه لمن يستحق، لا كما يحدث في بعض الأحيان حيث يستنفذها أبناء الموظفين ومن يتوسطون لهم على حساب غيرهم ممن يستحقها فعلا؟.
-
اللباس والنقل المدرسي والإيواء: وهنا يحتاج الأبناء إلى المساعدة الأبوية فعلا ، بحكم هذه الأشياء مرتبطة بإدارات خارجية وربما مواعيد قبلية كطلبات الحصول على الداخلية أو إقامة للفتيات أو السفر للبحث عن الكراء، أو إجراءات تأمين مقعد في النقل..، كما أن جل ملابس اليوم قد تحمل علامات وماركات قد تروج للشذوذ وتطعن في العقيدة، ولكنها تستهوي عاشقات وعشاق الموضة ويحرصون على اقتنائها، وينبغي حمايتهم من رمزيتها ودلالاتها المشينة؟.
-
تأمين الأجواء الدراسية منذ البداية: فهناك الكثير من الأشياء قد تضايق الأبناء وتشوش على بدايتهم الدراسية وربما استمراريتها، ومن ذلك من لا يعجبه قسمه ويريد تغييره بأي ثمن؟، من لا يعجبه أستاذ أو زملاء مكررين مشاغبين حشر معهم في نفس القسم؟، من يرى أنه سيدرس مع الصغار فقط أو مع المتفوقين لن يتركوا له مجالا للبروز فبالأحرى النجاح؟، من يرى أن قسمه فيه اكتظاظ ولا يجد فيه مقعدا مناسبا حسب طوله وسمعه وبصره؟، من يرى صعوبة مادة أساسية أو تواصلية لن يتغلب عليها وستسبب له مشاكل كثيرة؟، من يزعجه ميثاق القسم بكثرة ممنوعاته.. أجواؤه الأسرية المفككة والمتوترة.. كثرة إضرابات الأساتذة المتعاقدين.. بعد المؤسسة وغياب النقل.. الساعات الإضافية التي ستفرض عليه أو يضطر إليها..؟.
التعليقات مغلقة.