أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الأستاذة حميمداني “قضاء حوائج ذوي الاحتياجات و رعايتهم مقدم على قضاء حوائج و رعاية الأصحاء”

محمد حميمداني

صرحت الأستاذة فاطمة حميمداني ، عضو المجلس العلمي بتازة و منسقة خلية المرأة وقضايا الأسرة ، على إثر عرض ألقته بمناسبة تخليد اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة ، مشيرة فيه إلى أن الإسلام دعا للرعاية المتكاملة بهذه الفئة وتقديم مصلحتهم على من سواهم من الأصحاء ، و أن الرسول الأكرم حث على الرأفة بهم .

و أشارت منسقة خلية المرأة و قضايا الأسرة بالمجلس ، إلى أن الإعاقة تدل عن إصابة الإنسان بآفة أو نقص في بدنه ، أو فقد لبعض حواسه ، أو عقله و سلوكه ، وهو ابتلاء يجب أن يواجه بالصبر و الرضى و الاطمئنان ، لأن ذلك خير له ، فالابتلاء هو من أوسع أبواب تكفير الخطايا و السيئات ، مؤكدة أن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم أوصى برعاية هذه الفئة ، موردة حديثا عن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت “يا رسول الله إن لي إليك حاجة !” فَقَالَ  “يَا أُمّ فُلاَنٍ ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ” ، فخلا معها في بعض الطرق ، حتى فرغت من حاجتها . و هذا من حلمه وتواضعه و صبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة .  و هو ما يبرز الدلالة الشرعية على وجوب التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة ، صحيًّا و اجتماعيًّا ، و اقتصاديًّا ، و نفسيًّا ، و العمل على قضاء حوائجهم ، و سد احتياجاتهم من علاج و تعليم حسب القدرات ، و توظيف من يرعاهم و يخدم حاجاتهم .

و أضافت عضو المجلس العلمي بتازة أن الإسلام لم يكتف بإقرار الرعاية الكاملة لهاته الفئة من المجتمع ، بل دعا إلى العمل على قضاء حوائجهم ، حاثة على ضرورة تمتيعهم بكافة الحقوق قبل الأصحاء ، مشيرة إلى حادثة مشهورة مفادها أن سيدنا محمد (ص) عبس في وجه رجل أعمى – هو عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه – جاءه يسأله عن أمرٍ من أمور الشرع ، و كان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء و علية القوم ، يستميلهم إلى الإسلام ، و رغم أن الأعمى لم يرَ عبوسه ، و لم يفطن إليه ، فإن المولى تبارك و تعالى أبى إلا أن يضع الأمور في نصابها ، و الأولويات في محلها ، فأنزل سبحانه آيات بينات تعاتب النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم عتابًا شديدًا ، حيث قال تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم “عَبَسَ وَ تَوَلَّى ، أَن جَاءهُ الْأَعْمَى ، وَ مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى” ، فأصبح الرسول الأكرم بعد ذلك حينما يقابل هذا الرجل الضرير ، فيهش له و يبش ، و يبسط له الفراش ، و يقول له “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي !” ، و القصة تحمل أكثر من دلالة شرعية على ضرورة تقديم حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة على من سواهم .

و أشارت الأستاذة حميمداني ، أن رحمة الحبيب بهاته الفئة تجلت في عفوه عن جاهلهم ، و حلمه على سفيههم ، و تكريمه و مواساته لهم ، أخدا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ، سمعت رسول الله يقول “إن الله عز و جل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم ، سهلت له طريق الجنة ، و من سلبت كريمتيه [يعني عينيه] أثَبْته عليهما الجنة…” ، و هي دلالات تحمل مواساة لهم و دعوة إلى الصبر على المصائب ، و الرضى ببلوى الله عز و جل ، و احتساب الإعاقة على الله ، فلا جزاء له عند الله إلا الجنة .

و أكدت عضو المجلس العلمي بتازة ، أن الإسلام شرَّع عيادة المرضى عامة ، و أصحاب الإعاقات خاصة ، مواساة لهم و للتخفيف من معاناتهم ، مشيرة إلى أن الرسول الأكرم كان يعود المرضى ، فيدعو لهم ، و يطيب خاطرهم ، و يبث في نفوسهم الثقة ، و ينشر على قلوبهم الفرح ، و يرسم على وجوههم البهجة ، فتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف المدينة ، خصيصًا ؛ ليقضي له حاجة بسيطة ، أو أن يصلي ركعات في بيت المبتلى تلبية لرغبته .. ، فهذا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه – و كان رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقول للنبي (ص) ، “وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى” ، فوعده الرسول بزيارته و الصلاة في بيته قائًلا في تواضع “سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ..” . و أشارت عضو المجلس ، أن الإسلام شرع الدعاء لهم ، تثبيتا لهم و تحميسا على تقبل البلاء ، و أن الحكمة الشرعية في ذلك تتجلى في تقوية الإرادة في نفوسهم ، و العزم في وجدانهم ، مشيرة إلى أن رجلا ضرير البصرِ جاء إلى حضرة النبي (ص) ، فقَالَ الضرير “ادعُ اللَّهَ أنْ يُعافيني” ، فقَالَ الرحمة المهداة “إنْ شِئتَ دَعوتُ ، و إنْ شِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك” ، قَالَ “فادعُهْ” ، فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ و يدعو بهذا الدعاء “الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ و أتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي ، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ” .

و أكدت منسقة خلية المرأة و قضايا الأسرة بالمجلس إلى أن الإسلام حرم السخرية من الناس حين رفع شعار “لا تُظْهِر الشماتة لأخيك فيَرحَمُه الله و يبتليك” ، إذ قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَ لَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ و لَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ و لَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ، بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ و مَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” ، كما أحل الإسلام زواجهم ، عكس ما كان في الجاهلية ، ما داموا قادرين ، جاعلا لهم حقوقا ، و عليهم واجبات ، و الرحمة بهم ، و مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ من الأحكام التكليفية ، و التيسير عليهم و رفع الحرج عنهم ، قال تعالى – مخففًا عنهم – “لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَ لَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَن يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَ مَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً” ، رافعا عنهم فريضة الجهاد .

و أكدت الأستاذة حميمداني أن هذا التخفيف ، يتسم بالتوازن و الاعتدال ، حيث عامل في ذلك كل صاحب إعاقة قدر إعاقته ، و كلفه قدر استطاعته ، كما قال القرطبي رحمه الله ، و جعلهم الإسلام في سلم أولويات المجتمع الإسلامي ، مشرعا العفو عن سَفِيهِهِم و جاهلهم ، و تكريم أصحاب البلاء منهم ، لا سيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة و رفع العزلة و المقاطعة عنهم ، بل و رفع عنهم الحرج  .

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.