أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الأسعار بين فشل التدبير الحكومي في المغرب وسوء تنزيل الخطب الملكية

بقلم الأستاذ محمد عيدني

 

 

يواجه المغرب اليوم تحديات كبرى تهدد استقراره وتوازنه المجتمعي. وذلك نتيجة مجموعة من السياسات المنتهجة التي لا تأخذ بعين الاعتبار الظروف الكبرى التي يمر منها العالم. وأثر “كورونا” على التوازنات وعلى الدخل الفردي والاستدامة في التنمية.

 

 

 

ما نلاحظه اليوم هو اتساع دائرة الفقر والمعاناة. يتزامن ذلك مع انتشار البطالة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني. وعجز الحكومة عن تدبير هاته الاختلالات. وبالتالي ضمان سيطرة فعلية على الارتفاع الهندسي في الأسعار. في مقابل عجز في الميزان التجاري وارتفاع نسبة البطالة والفساد المستشري داخل مؤسسات القطاع الخاص. وذلك من خلال عدم احترام الحد الأدنى للأجور والكرامة. في ظل تواطؤ مكشوف من مفتشيات الشغل النائمة عن زجر الاختلالات المسجلة.

 

فغلاء الأسعار أرخى بظلاله على كافة مناحي الحياة العامة. وأثر ذلك على قدرة العديد من الأسر المغربية على مواجهته وضمان الحد الأدنى للعدالة الاجتماعية المغيبة رسميا. وذلك نتيجة للآثار الكارثية التي طالت مختلف فئات المجتمع حتى الطبقات المتوسطة لعجزها عن تلبية احتياجاتها الأساسية.

 

واقع ما انفك جلالة الملك محمد السادس، نصره الله. يحث على أخده بعين الاعتبار في رسم السياسات العمومية. ومحاربة كل أشكل الفساد والتعدي على حقوق الفئات الفقيرة والمتوسطة. وهو ما عكسه جلالته في أحد الخطب التي وجهها للأمة في عيد العرش. حيث قال نصره الله: “ومن منطلق الوضوح والموضوعية. فإن ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية. هو أن آثار هذا التقدم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي. مع الأسف. جميع فئات المجتمع المغربي. ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم. وتلبية حاجياتهم اليومية. خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية. والحد من الفوارق ا لاجتماعية. وتعزيز الطبقة الوسطى. ويعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة. ولو أصبحت واحدا في المائة. تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة”.

 

خطاب عكس من خلاله جلالة الملك واقع الحال المسجل. وتأكيده أعزه الله على ضرورة إيلاء الوضع الاجتماعي الأهمية التي يستحق للتصدي له. ضمانا للأمن المجتمعي والاستقرار الاجتماعي باعتباره البوابة الأساسية لبناء مغرب لكل أبنائه.

 

إلا أن الواقع المسجل لا يعكس الإرادة والطموح المولوي السامي من قبل هاته السياسات العمومية المنتهجة في بلادنا من قبل الحكومة. إذ تعاني العديد من الأسر من الفقر وعدم القدرة على تلبية احتياجاتها الأساسية. في السكن والدخل الثابت والتعليم الجيد لأبنائها. وتتفاقم مع معاناة الشباب في العثور على وظائف مناسبة. وهو ما يعزز الفقر ويؤدي لعدم استقرار الأسر اقتصاديًا. في ظل معاناة النظام التعليمي المنتهج من تحديات عديدة. ضمنها الجودة وضعف البنية التحتية. وهو ما يساهم في حرمان الشباب من فرص الحصول على وظائف جيدة في المستقبل. وهو الأمر الذي يدفعهم نحو دائرة الفقر المستمر. إضافة لنقص التغطية الصحية وصعوبة الوصول للخدمات الصحية الجيدة. وهو ما يجعل الأسر الفقيرة عرضة للأمراض والمشاكل الصحية، فضلا عن إثقال كاهلها بمزيد من الأعباء المالية.

 

 

واقع وعت الرسالة المولوية دروسه. وحثت على ضرورة التوجه بفعالية لمجابهة إشكالات التنمية وضمان استدامتها. مع جعل التربية بوابة لتحقيق التنمية وانخراط المؤسسات التربوية في هذا الجهد الشامل الذي يشكل فلسفة أساسية للإقلاع الاقتصادي والتنموي. مع تفعيل آليات الرقابة وربط المسؤولية بالمحاسبة كقواعد أساسية وضرورية لضمان الأمن الاجتماعي. بدل البحث عن الأمن البوليسي الذي قد يعطل الانفجارات لكنه لن يوقفها حتما.

 

 

واتصالا بهذا السياق قال جلالته في إحدى خطب العرش: “أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية. وللنهوض بالسياسات الاجتماعية. والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة. وكما قلت في خطاب السنة الماضية، فإنه لن يهدأ لي بال، حتى نعالج المعيقات. ونجد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية والاجتماعية”.

 

 

خطاب يعكس الهم اليومي لأمير المؤمنين من أجل ضمان الاستدامة في التنمية. والاطمئنان الاجتماعي باعتباره المدخل الفعلي لتحقيق الأمن السياسي. عبر التصدي للأسباب الفعلية التي تساهم في تفاقم مشكلة الفقر وتغذيه، ضمانًا للمستقبل.

 

إن الخروج من هاته الأزمات يتطلب تبني سياسات شاملة. تتضمن تحسين جودة التعليم. وتوفير فرص عمل للشباب. بالإضافة لتعزيز برامج الرعاية وتطوير البنية التحتية. وتحسين الخدمات الأساسية بما يكفل للأسر الفقيرة حياة كريمة.

 

فما نلاحظه اليوم من سياسات منتهجة من قبل الحكومة. هو بداية إعلان حرب فعلية على جيوب المغاربة. وذلك من خلال إضافة 10 دراهم و2.5 درهم لنسبة لقنينة الغاز كخطوة أولى في هذا الهجوم على هاته الجيوب المنهكة.

 

 

والسؤال المطروح. هل الدعم المقدم يستجيب لهندسية فوضى السوق. والارتفاع المهول في الأسعار؟ ومن المسؤول عن هاته الفوضى المشتعلة والتي طالت كل شيء. حتى القطاني التي وصلت لدرجات قياسية غير مسبوقة. حيث تم تسجيل ارتفاع ثمن القطاني بشكل جنوني لا قدرة للفئات الفقيرة ولا حتى المتوسطة على شرائه. ونفس المنحى تخضع له حركة الخضر والفواكه واللحوم. بدرجة لا يمكن فهم واقع وجود الدولة في باب ضبط وضمان استقرار الأسعار. باعتباره أداة فعالة لضمان الاستقرار الاجتماعي وبالتالي السياسي. فما جدوى جهاز الدولة إن كانت الأسواق خارجة من عقاله وغير مسيطر على تقلباتها؟ وهل منح 500 درهم كدعم كافية للاستجابة لهاته التقلبات التي تغزو الجيوب نتيجة فوضى الأسعار وجهنمية ارتفاعها الهندسي. أمام انحسار القدرة على الصمود.

 

 

فالتقارير الاقتصادية الميدانية تشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية. ضمنها المواد الغذائية، قنينات الغاز وفاتورات الكهرباء والماء والمواصلات… زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وهو ما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من حدة الفقر والتفاوت الاجتماعي.

 

أكيد أن هناك ظروفا تعمق الأزمة ذات صلة بتقلبات السوق الدولية وموجة الجفاف التي ضربت بلادنا. ولكن الأخطر هو غياب هيكلة فعلية لاقتصاد وطني مؤسس على حاجيات السوق المحلية. ومجيب لكافة حاجياتها قبيل التفكير في اقتصاد الأزمات. والتصدير بثمن بخس أمام المنافسة الدولية الشرسة. فيما السوق الوطنية تعيش تحت رحمة لهيب أسعار مواد توجه للخارج بثمن بخس.

 

فمن الضروري العمل على بلورة سياسات وإجراءات فعالة لمواجهة هذا الواقع المتفجر. وحماية المواطنين من تداعيات السوق السلبية. عبر تبني سياسات اقتصادية تحافظ على استقرار الأسعار وتحد من التضخم. كما يجب العمل على تشجيع الاستثمار وتعزيز الإنتاج الوطني لتقليل الاعتماد على الواردات. باعتبار هاته الخطوة هي المدخل الفعلي لضبط السوق. وضمان الأمن الغذائي الوطني. وتجنيب البلاد ويلات مختلف الانفلاتات التي يمكن أن تسجل.

 

 

إن تحقيق التنمية وضمان الرفاه الاجتماعي الذي يشكل المدخل لضمان الأمن السياسي من بوابة الاستقرار الاجتماعي. ينطلق من الاهتمام بالشباب وخلق الفرص الفعلية لاستقرارهم النفسي والاجتماعي. وهو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس، أعزه الله. في الرسالة السامية التي وجهها للمشاركين في الدورة الأولى للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية. حيث قال جلالته: “وقد اعتمدنا في ذلك هندسة جديدة. تروم النهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، عبر التصدي المباشر، وبطريقة استباقية، للمعيقات الأساسية التي تواجه التنمية البشرية للفرد، طيلة مراحل نموه. وكذا دعم الفئات في وضعية صعبة”.

 

فالرسالة الملكية أكدت على ثلاث عناصر أساسية: أولاها الاهتمام بالعنصر البشري باعتباره بوابة لتحقيق التنمية والقاعدة الأساسية للإقلاع الاقتصادي. وثانيهما ضبط خط عمل القطاع الخاص وإلزامه باحترام القوانين وتوجيهه لخدمة المجتمع. وثالثهما ضبط حركة الأسعار وحماية المواطنين من الغول المتحكم فيها. وإيقاف وزجر تنامي الاحتكار. وغياب الحكومة عن مهامها الرقابية المطلوبة في باب إيقاف جنونها القاتل والموثر للأجواء الاجتماعية. بانعكاسات كل ذلك على الاستقرار السياسي. أي أن المطلوب هو التصدي لمشكلة غلاء الأسعار وتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقراراً وتنمية للمواطنين في المغرب. والابتعاد عن جعل جيوب المغاربة الفقراء حطب الاستجابة لمخططات الحكومة الفاشلة.

 

فلا يمكن بالمطلق تحقيق النجاعة في التدبير إلا بجعل هاته السياسات خادمة للمجتمع. وليس للرأسمال والشركات والمصالح الخاصة ذات الصلة بمكونات الحكومة. مع ضرورة تعزيز تنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة. وتفعيل البرنامج الحكومي الذي يهدف للانتقال لطور جديد في الحكامة الجيدة للمؤسسات والمقاولات العمومية. وتعزيز دورها في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

 

 

فالبرامج المعدة من قبل الدولة منذ عام 2023 ذات الصلة بنظام الدعم الاجتماعي المباشر. والمتعلقة ب”مشروع المرسوم رقم 2.23.1067 بتطبيق القانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر. لا يمكن أن تعطي النجاعة المطلوبة والفعالية في ظل الاختلالات المسجلة. واستشراء حالة الفساد وغياب كل شكل رقابي للدولة في مجال عدم احترام القوانين والإجراءات المعمول بها من قبل مؤسسات القطاع الخاص. وهو ما يعمق الأزمة، ويجعل المواطن تحت لهيب سعار السوق. والذي لا يمكن بالمطلق أن تساهم 500 درهم في الحد من حرارة تأثيره الخطير على الأمن المجتمعي وبالتالي السياسي.

 

إن المغرب أمام مفترق طريق خطير يقتضي إعادة النظر في كافة السياسات المنتهجة واعتماد الحكمة المولوية مرجعا. وأيضا اعتماد نظام التعويض عن البطالة بدل دعم 500 درهم. مع توفير الشغل للمغاربة تمكينا لهم من العيش الكريم. وللمساهمة في ضمان الثروة والبناء الاقتصادي والتنموي. لأن الوصفات التي تعتمد الأسبرين غير قادرة على ضمان استقرار ورم خطير يتهدد الجسد المؤسساتي الدولتي المغربي. 

 

الإشكال الذي وعى جلالة الملك درسه. ودعا في سياقه لفلسفة فعلية لتنزيله. وذلك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة. حيث قال جلالته أعزه الله: “إننا نحرص دائما على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين”.

 

وأكد جلالته نصره الله، في خطاب موجه للأمة بمناسبة عيد العرش: إلى ضرورة “إطلاق جيل جديد من المبادرات المحدثة لفرص الشغل، وتطوير الأنشطة المدرة للدخل”.

 

إن المطلوب هو جعل التنمية خادمة للمجتمع. لا أن تتسم السياسات العمومية بالعشوائية في التدبير. وهو المسجل فيها. لأنها لا تعكس توجهات فعلية يمكن أن تؤسس نمط اقتصادي تدبيري فعال ومفهوم المعالم. فالدولة لا هي حررت الأسعار في كل الاتجاهات. ولا هي تدخلت بفعالية لضبط حركة الأسعار والسوق. وما يمكن تلمسه في تناقض واستغراب هو تدخل الدولة في باب المنافسة بين الشركات لتحافظ على ارتفاع الأسعار. كما هو حاصل في سوق شركات الاتصالات. لتزيد من تركيم أرباح هاته الشركات. في المقابل تغمض عينيها في الحالة التي يتعلق الأمر فيها بالفقراء وذوو الدخل المحدود من مواطني البلاد. وهو ما يعكس توحش الحكومة في استهدافها للأمن الاجتماعي بتبعاته السلبية على الاستقرار.  

التعليقات مغلقة.