أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الإنسان المعاصر بين موت نظم القيم و نظم قيم الموت .

محمد حميمداني 

 

سابقا أخبرنا ستيفن هوكينج عن موت الفلسفة ، لأنها لم تستطع مواكبة التطور في العلوم ، و إيراد هاته القولة هو من باب استعارة السؤال ، لنتساءل عن حضور القيم الإنسانية في عالمنا المعاصر ، و عن سبب موتها ؟ لصالح منطقي الجشع المالي و الحروب ، و ما تخلفه من ضحايا و كوارث في كل شيء ، بمعنى أن السؤال المحوري هل مات الإنسان نفسه مع موت الروح الإنسانية ؟ و هل باستطاعة البشرية استعادة هذا الإنسان الضائع في الأسواق و في لغة الحسابات و المصالح ؟

الأكيد إذا ما تلمسنا معضلات العالم المعاصر ، فسنجد خطين متوازيين قائمين ، الأول تحركه المصالح النفعية البراغماتية ، و بالتالي و لتحقيق هاته الرغبة التي تقتضي اكتساح الأسواق كما البشر ، لا تمانع النظم الكبرى في الإبادة ، و الغريب في الأمر باسم الدفاع عن الحق ، و بتصفيق أغلبية مخدوعة و أخرى مخدومة .

خلال مرحلة جورج بوش ، مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و تحطيم جدار برلين ، و بالضبط قبيل الحرب على العراق ، أظهرت البراغماتية الأمريكية أنها قادرة على التضحية بكل الأصدقاء من أجل تحقيق مصالحها ، و هو ما وقع تباعا مع صدام حسين العراق ، و نورييغا بنما ، و مبارك مصر ، … ، حاملة شعارا جديدا في العلاقات الدولية قوامه “لا صديق دائم ، و لكن هناك مصالح دائمة” .

منطق ضحى بكل القيم و أشعل فتيل حروب لا تنتهي و لن تنتهي ، على طول خريطة العالم ، في محاولة لإنتاج إنسان مهيأ نفسيا ، عبر كل المكونات الممكنة و ضمنها وسائل الإعلام ، لتقبل هذا الفكر الجديد ، و بكافة الوسائل الممكنة ، من خلال عملية غسل دماغ فردي و جماعي .

الخط المتوازي الثاني ، جسده شيوع مواقف الصمت و الانطواء اتجاه مجمل القضايا من قبل المثقفين لمواجهة واقع الهيمنة ، أو خضوعهم لسلطة الرأسمال و تحولهم إلى أبواق لتمرير تلك السياسات التي ضربت القيم الإنسانية في العمق ، و جعلت لغة المصالح تعلو على لغة الإنسان ، و لغة القتل تعلو على لغة العدالة … ، و الغريب في الأمر أن كل ذلك يمرر باسم العدالة الإنسانية و حقوق الإنسان و الديمقراطية … ، أي شرعنه القتل من خلال المفردات اللغوية ، و هو الوضع الذي دفع أحد أكبر إعلاميي الولايات المتحدة الأمريكية ، أن يطلب من الإعلاميين تقديم استقالتهم عن العمل في مهنة المتاعب و الحقيقة لصالح الحقوقيين ، جاء ذلك حينها احتجاجا على صمت وسائل الإعلام الأمريكية عن المجازر التي ارتكبت و ترتكب ضد الشعب اليمني بأطفاله و نسائه و شيوخه .

استحضار هذا الدرس هو من باب البحث عن العلل التي أوصلت الوضع الدولي إلى مزيد من الانحطاط الأخلاقي في مضمار العلاقات الإنسانية ، و التي تضحي بالإنسان باسم الإنسانية ، و تقتل جوا و بحرا و أرضا باسم الحرية ، و تثير القلاقل و النعرات في جميع البلدان باسم الربيع و الخريف و البرتقالي .. و الأخطر أنه و باسم العدالة و الديمقراطية و حقوق الإنسان يتم إشعال فتيل الأزمات ، كل هذا يتم أمام أعين و صمت المثقفين و الإعلاميين .

و هنا يمكن أن نتفق مع الكاتب “إدغار موران” و سؤاله الإشكالي الذي طرحه كعنوان لكتابه “عل نسير إلى الهاوية” ، الأكيد أن عالم اليوم و تآمر كل النخب على الإنسان ، يجعل عالم اليوم يسير نحو الهاوية ، فالتقدم العلمي لم يمنح إلا مزيدا من التسلح ، بل و البحث عن أكثر أنواع التسلح إبادة و فتكا بالإنسان ، دون أن نتطرق إلى القتل الاقتصادي من خلال التوزيع القسري للتخلف و الفقر ، و التاريخ شاهد على فظاعة ناكازاكي و هيروشيما في اليابان و قنابل النابالم في فيتنام ، و هلم جرا من أدوات القتل باسم الحق ، فيما تقف تلك النظم ذاتها متفرجة ، و لن نقول عاجزة ، عن إيجاد جرعة دواء لوقف نزيف معاناة الأسر أمام فيروس كورونا ، إنها لمفارقة عجيبة توضحت جليا و عرت طبيعة تركيبة النظم العظمى ، و التي لا تعدو أن تكون تركيبة عسكرية ديكتاتورية ليس ببزات و لكن بمساحيق شعاراتية تؤثث بها فضاءات الأمم المتحدة و التجمعات الدولية .

“أمارتيا سن” ، اعتبر عن صدق أن العولمة لا تزال سببا في خلق أزمات لا تفتأ في التناسل ، و تسير في اتساع و استشراء حتى باتت تعد بالفوضى و السديم ، لكن هل يكفي أن نقف مع قولة ملكة بريطانيا “سنلتقي حتما” و التي صرحت بها عقب الجائحة ، كتعبير عن عجز المؤسسات الرسمية العالمية ذات الطابع العسكري المحض عن إنتاج جرعة لقاح فعال ضد كورونا ، و التي من حسناتها أنها عرت الوجه القبيح للدول العظمى التي لم تستطع توفير سرير أو قنينة أوكسجين لمواطنيها .

الأكيد أن الإنسان قد تم قتله من قبل مجمعات الدراسات الاستراتيجة التي تضع خطط السيطرة و التدمير و اقتسام خيرات مجموع الدول الفقيرة ، أو التي يصطلح على تسميتها بالدول النامية ، بدل وضع خطط خدمة الإنسانية ، و إنتاج ما هو فعال لفيروس كورونا و لكل الفيروسات التي تنخر الجسد الكوني ، و لعل وضع كورونا قد يقلب المعادلات التي بنيت على منطق القوة ، لتتحول العلاقات الدولية إلى مستوى معين من التعاون خدمة للإنسان ، و عنا سنكون قد استعدنا الإنسان المفقود بقوة التصالح مع الضمير و القيم .

أمارتيا سن من جهته يحاول الإجابة عن هذا السؤال فيخبرنا أنه عندما نلتقي مرة أخرى بعد انتهاء الوباء ، علينا مواجهة هذا العالم اللامتكافئ الذي نعيش فيه من خلال بناء عالم أقل تفاوتا في المستقبل ، فمحاربة المجاعات و الكوارث البيئية ، و موت الملايين في العالم ، و التلوث البيئي … ، كل هذا حسب سن لا يحتاج لنظرية فلسفية مثالية للعدالة ، بل أن ما يحتاجه هو الانخراط في تفكير موضوعي ، في الخيارات الأكثر عدالة للجميع .

التعليقات مغلقة.