أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

التسول الالكتروني: عندما يصبح التسول في العالم الافتراضي ينافس التسول في شوارع الواقع

الكاتبة: حليمة صومعي

يعتبر هذا الموضوع من الأهمية بما كان لأنه يمس جانبا كبيرا من حياتنا اليومية، ويتعلق الأمر هنا بظاهرة تحولت من عالمنا الواقعي إلى عالمنا الافتراضي، وسنتكلم اليوم عن التسول في الفضاء الأزرق الذي أصبح منتشرا بشكل واسع في مناطق التواصل الاجتماعي.

للأسف، فهذه الظاهرة أصبحت مستفزة جدا، فمثلا بعض المتسولين أصبحوا يستعملون التسول عبر الانترنت للاغتناء وشراء أشياء ذات رفاهية لا يتوفر عليها الناس الميسورون.

الأمر تجاوز الحد وبات عبثيا، لأن الظاهرة كانت تؤرق الناس ولا زالت تؤرقهم في الشوارع والأزقة وهي مليئة بمختلف المتسولين، إذا بهم يجدونها قد لحقت به إلى الفضاء الأزرق.

حول هذا الموضوع قال الصحافي، عادل دادي: “منذ بدء استخدام الشبكة العنكبوتية، ظهر التسول الإلكتروني بإرسال رسائل عبر الـ Email طلباً للمساعدات المالية، وفي السنوات القليلة الأخيرة، استفحلت الظاهرة أكثر مع تعدد وسائل التسول عبر الأنترنيت بالمغرب، حيث لجأ العديد من أفراد الأسر التي تعيش أوضاعا معيشية صعبة، إلى استعمال برامج التواصل الاجتماعي منها الفيس بوك وتويتر لطلب المساعدة. الظاهرة تفاقمت وطفت على السطح “طلبات المساعدة المالية الإلكترونية”، لتوفير مُتطلبات الحياة، أو المُساعدة في علاج مريض يعاني من مرض خطير، أو جمع تبرعات لضحايا حوادث السير، عبر حسابات أغلبها وهمية، تركز على الجانب العاطفي، وسرد القصص المأساوية، غير أنه في كثير من الأحيان تكون قصص زائفة، إذ يتفننون في ابتكار وابتداع عمليات وهمية لهم ولأطفالهم وجمع تبرعات هائلة” (1).

وقبل التحدث عن الظاهرة في المغرب، لا بأس من مشاهدة بعض مظاهرها على مستوى العالم.

ففي مواقع التواصل الأوروبي تشهد الظاهرة تناميا ملحوظا، بل وأصبح التسول والاحتيال وجهان لعملة واحدة، فأغلب المحتالين يدخلون إلى موقع تواصلي معين ويستجدون الناس إما بأسماء وهمية، أوانتحال شخصيات شهيرة لجمع التبرعات.

وتعد هذه الطريقة ناجحة على أكثر من مستوى، وفي ذلك تقول إيمان الشامخ: “الأمر الذي قد يثير غضبك على العالم أكثر هو أن معظم هؤلاء الأشخاص -تحديدا أولئك المجهولين الذين يبثون هذا النوع من التعليقات على مواقع التواصل محتالون وموهوبون في احتيالهم.

على سبيل المثال ضُبِط شخص بحساب وهمي عبر إنستغرام منتحلا هوية إحدى الشخصيات الشهيرة، ويطلب مبلغا لمساعدة أسرة فقيرة، زاعما أنه يمكث حاليا خارج البلاد، وعند عودته سيُرجع المال مع مكافأة مالية كبيرة.

هذا النمط من الاحتيال أصبح فنا يمارسه ويطبقه مَن يريد التسلق نحو الثراء بدون تعب، حتى إنه أصبح مهنة ينقصها فقط التسجيل في بطاقة الهوية” (2).

فالنموذج الغربي، لم يعد التسول نمطيا بل اتخذ شكله المنفرد، فنجد هناك نوعا من التسول الالكتروني يدعو للغرابة الشديدة، فمثلا بعض المواقع يتواصل فيها أشخاص يتسولون أشياء باهظة جدا، أو يطلبون أموالا بأرقام كبيرة جدا، حتى أن بعضهم يطلب كالا ليشتري سيارة، وبدأوا يجنون أموالا بالملايين في وقت وجيز:

“نعم، الأمر أشبه بتدشين مشروع ما، وباستخدام خدمات الاستضافة المجانية أو غير المكلفة والمواقع المتخصصة مثل “GoFundMفي العادة يطلب المتسولون عبر الإنترنت من الجمهور المساعدة في العديد من الاحتياجات، بما في ذلك جراحة تكبير الثديين، والعلاج من أبسط الأمراض إلى أخطرها، لكنهم في العادة يعرضون أخطرها لجلب الاستعطاف أكثر مثل علاجات السرطان، كما لا يخجل بعضهم من التسول لشراء سيارة جديدة على سبيل المثال لا الحصر” (3).

وقد لفتت الظاهرة الرأي العام العالمي، وأصبح الكثيرون يتكلمون عن ظاهرة بلغت شكلا في منتهى الغرابة، وجعلت الفضاء الأزرق ملاذا للنصب والاحتيال والاغتناء بطرق سريعة.

والأسباب التي جعلتها بهذا الشكل هي غياب الردع القانوي وغياب مساطر تشريعية زاجرة؛ لأن غياب المادة القانونية حول تجريمه جعلته يستفحل بهذا الشكل الكبير.

لكن بعض الدول اتخذت مبادرات رائعة ووضعت قوانينا صارمة بشأنه، فمثلا على مستوى بعض الدول عندما تنامت الظاهرة فرضت عقوبات صارمة على المتسولين في الفضاء الالكتروني بلغت 3 أعوام سجنا.

في هذا الشأن يقول الخبير القانوني علي التميمي: “يرجع أسباب استفحال ظاهرة التسول الإلكتروني بشكل غير مسبوق في البلاد إلى عدم وجود عقوبات رادعة لما يصفها بـ”الجرائم” في البلد، ويرى أن العراق يحتاج إلى تشريع قانون الجرائم الإلكترونية للحد من هذه الكارثة التي تتوسع في كل يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كما فعلت بعض الدول التي شرعت قانون التسول الرقمي وفرضت عقوبة السجن لمدة تصل إلى 3 أعوام مع غرامة مالية” (6).

وبالنسبة للمغرب فهو كغيره من الدول النامية يعرف تزايد مستمرا على مستوى الظاهرة بشكل عام، سواء التسول في الشوارع أو في الفضاء الأزرق، بحيث خلق الموضوع جدلا كبيرا بين مختلف الشرائح.

في هذا الشأن قال “علي شعباني”، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء: “إن هذه الظاهرة الاجتماعية أصبحت ممارسة خطيرة وفي تطور مستمر في المغرب، فكل فئات المجتمع، من جميع الأعمار ومن الجنسين، فتيات ونساء ورجال وكبار السن يمتهنون، على حد سواء، مهنة التسول”

وأضاف أن التسول يعرف تزايدا لأسباب وعوامل مختلفة ومتعددة، مسجلا أن “ظاهرة التسول أثبت، من وجهة نظر اجتماعية، ومنذ فترة طويلة، أنها حرفة تدر دخلا هاما لا يتطلب شهادات أو جهدا” (7).

فهذه الظاهرة أصبحت بالمغرب تحتل المكانة الأولى بين جرائم الاحتيال الإلكتروني، والتي عُبر عنه بأنه أصبح منصة اصطياد الضحايا، حيث يبرع المحتالون في تمثيل أدوارهم ليكسبوا شفقة الآخر وينالوا إحسانه ويسلبونه أمواله بطرقهم، وأصبح ينافس نظيره التسول على أرض الواقع:
“الى جانب التسول التقليدي، أضحى المغاربة امام ظاهرة التسول الالكتروني، الذي غزى مواقع التواصل الاجتماعي، التي عادة ما تكون منصة لاصطياد الضحايا عبر بث محتويات من أجل جذب تعاطف وكرم رواد موقع فايسبوك تحديدا في معظم الأحيان، يلجأ المتسولون الالكترونيون إلى تقمص أدوار حقيقية، تصل أحيانا إلى استغلال كل من يجلب تعاطف وعطاء الاخرين” (8).

فتنامي الظاهرة بالمغرب تعود لنفس أسباب تناميها بالدول الأخرى، وهو غياب الردع القانوني والمساطر الصارمة لتجريمه، بحيث أصبحت ظاهرة تؤرق المجتمع الذي بات مهددا بأناس يقلقون راحتهم ونفسيتهم عندما يكونون فاتحين هواتفهم ويريدون شيئا من الراحة من ضجيج الشوارع فإذا بهم يجدون ضجيجا أكبر من هذه الفئة من المحتالين.

وقال مصطفى الحروشي: يبدو أن ظاهرة التسول في المغرب سواء بصيغة الالكتروني أو التقليدي، خرجت عن السيطرة لتتحول إلى حرفة مربحة، ذلك ما تشير إليه عدد من الدراسات والتقارير السوسيولوجية والإعلامية وما يؤكده الواقع المعيش للمغاربة، مع متسولون يتربصون بهم الدوائر في كل زمان ومكان” (9)..

فالقانون المغربي كان قد وضع مساطرا قانونية بخصوص تجريم التسول بشكل عام، خصوصا من خلال الفصل 326 و327، لكن يجب تفعيله بالنسبة للفضاء الأزرق بشكل سريع حتى يتم الحد من ظاهرة تعتبر مشينة جدا.

فالفصل 326 يعاقب بالحبس “من شهر إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان”.

كما يعاقب الفصل 327 يعاقب كل متسول يستعمل التهديد أو يدعي عاهة أو مرض، أو يقوم باصطحاب أطفال من غير فروع المتسول بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة”.

فيما يعاقب الفصل 328 من القانون الجنائي بالعقوبة المشار إليها في الفصل السابق من “يستخدم في التسول صراحة أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما أطفالا يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاما” (10).

فيجب أن تتوحد الجهود للحد من الظاهرة سواء بإجراءات مباشرة أو بإطلاق حملات توعية لأن الأمر زاد عن حده، وتقول المستشارة القانونية المحامية ريما الجرش: «أريد التنويه إلى نقطة مفادها بأن التسول الإلكتروني عبر وسائل تقنية المعلومات ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف استعطاف المستخدمين للحصول على المنافع المادية والعينية بإرسال رسائل نصية وصور إنسانية مفبركة ينبغي التصدي له من خلال التوعية، فهؤلاء المتسولون يتخذون من وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتحقيق أهداف غير مشروعة.

ودعت إلى إطلاق الحملات الإعلامية لإبراز ظاهرة التسول، والتأكيد على أن مساعدة من يدعي المرض أو الحاجة في مثل هذه الظروف يسهم في انتشار الظاهرة اجتماعياً. وأضافت: «تحفل الدولة بالعديد من المؤسسات الخيرية في الدولة تشرف على الفئات الأكثر حاجة إلى المساعدة، وتحرص على تقديم واجبها الإنساني والخيري للمحتاجين داخل الدولة وخارجها” (11).

#المصادر
(1) تفشي ظاهرة “التسول الإلكتروني” عبر مواقع التواصل الاجتماعي
بواسطة عادل دادي في سبتمبر 8, 2015
(2) إيمان الشامخ، مافيا التسول الإلكتروني.. هل نقل المتسولون أنشطتهم إلى الإنترنت؟
(3) -Cash-strapped young women turn to cyber begging websites:
(5) هكذا تحولت مواقع التواصل إلى أداة للتسول في العراق، صلاح حسن بابان 2022 .
(6) (هكذا تحولت مواقع التواصل إلى أداة للتسول في العراق، صلاح حسن بابان 2022 .
(7) التسول في المغرب. من التقليدي الى الالكتروني.. شكون يحد الباس( تقرير مصطفى الحروشي 2022
(8) التسول في المغرب. من التقليدي الى الالكتروني.. شكون يحد الباس( تقرير مصطفى الحروشي 2022
(9) التسول في المغرب. من التقليدي الى الالكتروني.. شكون يحد الباس( تقرير مصطفى الحروشي 2022
(10) تفشي ظاهرة “التسول الإلكتروني” عبر مواقع التواصل الاجتماعي
بواسطة عادل دادي في سبتمبر 8, 2015
(11) ستطلاع «البيان» الأسبوعي تشديد العقوبات يحاصر
«التسول الإلكتروني» العين – جميلة إسماعيل

التعليقات مغلقة.