بقلم د. مبارك أجروض
يعتبر التليف الرئوي Fibrose pulmonaire حالة تسبب تندب الرئة وتيبسها Cicatrices et raideurs pulmonaires، ويصنَّف التليف الرئوي ضمن أمراض الرئة الخلالية maladie pulmonaire interstitielle، إذ يحدث التسمّك والتندب في الخلال، وهي الشبكة النسيجية التي تدعم الأكياس الهوائية الصغيرة في الرئة. ويؤدي التليف الرئوي بدوره إلى جعل الرئة قاسية وأقل مرونة وقدرة على الحركة وسحب الأكسجين من الهواء، وبهذا مع تفاقم الإصابة وتزايدها سوءًا، يزداد معها شعور المريض بضيق التنفس.
والتليف الرئوي يجعل التنفس صعبًا ويمنع الجسم من الحصول على ما يكفي من الأكسجين، وقد يؤدي في النهاية إلى فشل الجهاز التنفسي أو فشل القلب أو مضاعفات أخرى. ويعتقد الباحثون حاليًا أن مزيجًا من التعرض لمهيجات الرئة مثل بعض المواد الكيميائية والتدخين والالتهابات، جنبًا إلى جنب مع الجينات ونشاط جهاز المناعة، يلعبان أدوارًا رئيسة في التليف الرئوي، وحسب الخبراء ليست هناك إمكانية لإصلاح الضرر الناجم عن التليف الرئوي، لكن بإمكان الأدوية والعلاجات أن تساعد على تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة في بعض الأحيان، مع وجود بعض الحالات التي قد يحتاج فيها المريض إلى زرع رئة.
.* اعراض التليف الرئوي
يمكن أن تختلف دورة سير التليف الرئوي – ومدى حدة الأعراض – بشكل كبير من شخص لآخر. فبعض الناس يمرضون بشدة وبشكل سريع للغاية. بينما يعاني الآخرون من أعراض متوسطة الحدة تتفاقم بشكل أكثر بطئًا، على مدار عدة شهور أو سنوات. ويمكن أن تشمل الأعراض سعال جاف مزمن (طويل الأمد)، الضعف و الإعياء، تقوس أظافر الأصابع، فقدان الوزن وضيق التنفس. ونظرًا لأن الحالة تؤثر عمومًا على كبار السن، فغالبًا ما تُنسب الأعراض المبكرة إلى العمر أو قلة ممارسة الرياضة.
* أسباب التليف الرئوي
يتسبب التليف الرئوي في تندب وزيادة سمك الأنسجة الموجودة حول و بين الأكياس الهوائية (الحويصلات الهوائية) في الرئتين. وهذا يجعل مرور الأكسجين إلى مجرى الدم أكثر صعوبة. و يمكن أن يحدث التلف بسبب العديد من الأشياء المختلفة – من بينها السموم المحمولة في الهواء في أماكن العمل، وبعض أمراض الرئة، والإشعاع الموجه لسرطانات الرئة أو الثدي، بل وحتى بعض أنواع العلاجات الطبية.
1ـ العوامل المهنية والبيئية
التعرض لفترة طويلة لعدد من السموم والملوثات يمكن أن يضر رئتيك. وقد تتضمن غبار السيليكا، ألياف الأسبستوس، غبار الحبوب وفضلات الطيور والحيوانات.
ـ العلاج الإشعاعي
يظهر لدى بعض الأشخاص الذين يتلقون علاجًا إشعاعيًا لسرطان الرئة أو الثدي علامات على تلف الرئة بعد أشهر أو في بعض الأحيان سنوات من العلاج الأولي. وتعتمد شدة الضرر على أي مدى تعرضت الرئة للإشعاع، الكمية الإجمالية للإشعاع الموجه، هل تم استخدام العلاج الكيميائي أيضًا ووجود مرض كامن بالرئة.
ـ الأدوية
يمكن أن تتسبب العديد من الأدوية في إلحاق ضرر بالرئة، ويبقى اختيار الأدوية المناسبة عند الأطباء المختصين.
ـ الحالات الطبية
يمكن أيضًا أن تتلف الرئتان من مرض السل، الإلتهاب الرئوي، الذئبة الحمامية المجموعية le lupus érythémateux disséminé، التهاب المفاصل الروماتويدي La polyarthrite rhumatoïde، الساركويد وتصلب الجلد Sarcoïdose et sclérodermie… وتطول قائمة المواد والحالات المرضية التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالتليف الرئوي. وبرغم ذلك، لا يُعرف سببه أبدًا في معظم الحالات. ويطلق على التليف الرئوي الذي لا يُعرف سببه اسم التليف الرئوي مجهول السبب fibrose pulmonaire idiopatique. ولدى الباحثين عدة نظريات بشأن ما الذي قد يتسبب في حدوث التليف الرئوي مجهول السبب، منها الفيروسات والتعرض لدخان التبغ. ونظرًا لوجود نوع من التليف الرئوي مجهول السبب يسري بين العائلات، فيعتقد أنّ الوراثة أيضًا تلعب دورًا في الإصابة بالمرض.
* الأكثر عرضة للتليف الرئوي
من المرجح أن يتم تشخيص الإصابة بالتليف الرئوي إذا كان المرء من الذكور، ممن تتراوح أعمارهم ما بين 40 و70 عامًا، لديه تاريخ من التدخين، لديه تاريخ عائلي لهذه الحالة، لديه اضطراب في المناعة الذاتية مرتبط بالحالة، تناول بعض الأدوية المرتبطة بهذا المرض، ممن خضعوا لعلاجات السرطان، وخاصة إشعاع الصدر ويعمل في مهنة مرتبطة بمخاطر متزايدة، مثل التعدين أو الزراعة أو البناء.
* مضاعفات التليف الرئوي
يمكن أن تشمل مضاعفات التليف الرئوي ما يلي:
ـ ارتفاع ضغط الدم في الرئتين Hypertension pulmonaire: على عكس ارتفاع ضغط الدم الجهازي، لا تؤثر هذه الحالة إلا على الشرايين الموجودة في الرئتين. وتبدأ هذه الحالة عندما يضغط النسيج الندبي على الشرايين والأوعية الشعرية الصغيرة، مما يتسبب في زيادة مقاومة تدفق الدم إلى الرئتين. وهذا بدوره يرفع الضغط داخل الشرايين الرئوية والبطين الأيمن. ويعتبر ارتفاع ضغط الدم الرئوي مرضًا خطيرًا يتفاقم تدريجيًا وقد يؤدي إلى الوفاة في النهاية.
ـ فشل القلب في الجانب الأيمن cœur pulmonaire: تحدث هذه الحالة الخطيرة عندما تبذل الغرفة السفلى اليمنى في القلب (البطين) مجهودًا أكبر من المعتاد لضخ الدم ونقله عبر الشرايين الرئوية المسدودة جزئيًا.
ـ الفشل التنفسي arrêt respiratoire: تكون هذه غالبًا آخر مراحل مرض الرئة المزمن، وتحدث هذه الحالة عندما تنخفض مستويات الأكسجين في الدم بدرجة خطيرة، ونظرًا لأن الرئتين تكونان متيبستين للغاية، مثل إسفنجة قديمة جافة، يصبح من الصعب التنفس وهذا يؤدي لزيادة التعب لدى المريض وفقدان الشهية.
ـ سرطان الرئة Cancer du poumon: يزيد التليف الرئوي على المدى الطويل أيضًا من خطر الإصابة بسرطان الرئة.
* تشخيص التليف الرئوي
التليف الرئوي هو واحد من أكثر من 200 نوع من أمراض الرئة الموجودة. نظرًا لوجود العديد من الأنواع المختلفة لأمراض الرئة، فقد يواجه طبيبك صعوبة في تحديد أن التليف الرئوي هو سبب الأعراض. وفي استطلاع أجرته مؤسسة التليف الرئوي، أفاد 55% من المصابين بأنهم تعرضوا للتشخيص الخاطئ في مرحلة ما، وكانت أكثر التشخيصات الخاطئة شيوعًا هي الربو والالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية. وباستخدام أحدث الإرشادات، تشير التقديرات إلى أنه يمكن الآن تشخيص 2 من كل 3 مرضى مصابين بالتليف الرئوي بشكل صحيح دون خزعة biopsie، من خلال الجمع بين المعلومات السريرية ونتائج نوع معين من التصوير المقطعي المحوسب للصدر، من المرجح أن يقوم الطبيب بتشخيص الحالة بدقة.
وفي الحالات التي يكون فيها التشخيص غير واضح، قد يكون من الضروري أخذ عينة من الأنسجة أو خزعة. وهناك عدة طرق لإجراء خزعة الرئة الجراحية، لذلك سيوصي الطبيب بالإجراء الأفضل للمريض. وقد يستخدم الطبيب أيضًا مجموعة متنوعة من الأدوات الأخرى لتشخيص التليف الرئوي أو استبعاد الحالات الأخرى. وقد تشمل قياس التأكسج النبضي، وهو اختبار غير باضع non invasif لمستويات الأكسجين في الدم؛ اختبارات الدم للبحث عن أمراض المناعة الذاتية والالتهابات وفقر الدم؛ اختبار غازات الدم الشرياني لتقييم مستويات الأكسجين في الدم بدقة أكبر؛ عينة من البلغم للتحقق من علامات العدوى؛ اختبار وظائف الرئة لقياس سعة الرئة ومخطط صدى القلب أو اختبار إجهاد القلب لمعرفة ما إذا كانت هناك مشكلة في القلب تسبب الأعراض.
* علاج التليف الرئوي
لا يمكن علاج تندب الرئة الذي يحدث في التليف الرئوي، ولم تثبت فعّالية أي علاج حالي في إيقاف تفاقم المرض. ولكن، قد تعمل بعض العلاجات على تحسين الأعراض بشكل مؤقت أو إبطاء تفاقم المرض، بينما تساعد العلاجات الأخرى في تحسين نوعية الحياة.
ـ الأدوية: في البداية، يتم علاج العديد من الذين تم تشخيص حالتهم بالإصابة بالتليف الرئوي corticoïdes (prednisone)، وأحيانًا يتم تناوله مع أدوية أخرى تثبط الجهاز المناعي – مثل le méthotrexate ou la cyclosporine. كما قد تسهم إضافة acétylcystéine، وهو عقار مشتق من الأحماض الأمينية الطبيعية، إلى prednisone في إبطاء المرض لدى بعض الأشخاص. ولكن لم تثبت فعالية أي من هذه التركيبات بقوة على المدى الطويل.
ـ العلاج بالأكسجين: إن استخدام الأكسجين لا يمكنه إيقاف تليف الرئة، ولكن يمكنه جعل التنفس وممارسة الرياضة أمرًا أسهل، منع أو تقليل المضاعفات الناجمة عن انخفاض مستويات الأكسجين في الدم، خفض ضغط الدم في الجانب الأيمن من القلب وتحسين عملية النوم والشعور بالعافية. ومن المُرجح أن يحصل المريض على الأكسجين عند النوم أو ممارسة الرياضة، بالرغم من أن بعض الأشخاص قد يستخدمونه على مدار الساعة. ويحمل بعض المرضى معهم أسطوانة أكسجين، مما يجعلهم أكثر قدرة على الحركة.
ـ إعادة التأهيل الرئوي Rééducation pulmonaire: تهدف إعادة التأهيل الرئوي إلى مساعدة الأشخاص الذين يعانون من التليف الرئوي على عيش حياة مليئة بالنشاط ومرضية. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، تُركز برامج إعادة التأهيل الرئوي على ممارسة الرياضة البدنية لتحسين القدرة على التحمل، تقنيات التنفس التي تعمل على تحسين كفاءة الرئة، الاستشارات الغذائية والاستشارة والدعم.
ـ الجراحة: قد يكون زرع الرئة الخيار الأخير الباقي لعلاج المرضى الأصغر سنًا المصابين بالتليف الرئوي الحاد الذين لم يعودوا يستفيدون من خيارات العلاج الأخرى.
يُشكل الالتزام بتناول العلاج والمحافظة على الصحة قدر الإمكان عاملين ضروريين للتعايش مع التليف الرئوي. ولهذا السبب، من المهم أن يقوم الشخص بالتوقف عن التدخين وتناول الطعام الجيد مع الالتزام باللقاحات، حيث يمكن أن تتسبب التهابات الجهاز التنفسي في تفاقم أعراض التليف الرئوي. لذلك، من الضروري التأكد من الحصول على لقاح الالتهاب الرئوي وحقنة الإنفلونزا السنوية. كما يجب أيضًا على أفراد العائلة تلقي اللقاحات، ويتعين على الشخص كذلك تجنب الاختلاط بالحشود في مواسم تفشي الإنفلونزا.
[…] لقراءة الخبر من المصدر […]