أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الثابت و المتحول في فاجعة البيضاء و أخواتها في الجراح.

بقلم : محمد حميمداني

ما أصعب على المرء أن يستفيق ليجد نفسه ليس وسط السيول ، بل وسط بحر من أسئلة الغبن فينا و قلة الحال ، ما الثابت فينا و ما المتحول ؟

تتيه أحلامنا فجأة وسط أزقة السيول التي أثثت فقر واقعنا الذي زيناه سنوات بخواء الشعارات ، و هوس ممتد كل خمس سنوات بأصوات فقراء غرقوا ، أو أغرقوا في وحل الوعود ، فأتت السيول لتصحي ضميرهم المثقل بالجراح الراكدة أو المعطلة ، و تغرق آمالهم كما غرقت مدنهم في بنى آدمية متهالكة حصدت صفو أحلامهم الوردية التي علقوها على مغرب جديد موعود خلاصا من عذابهم السيزيفي الذي فرض عليهم قسرا بقوة الأمر المقضي به .

نتوقف في بركة الهذيان لنحصي أعداد الحصائر و السيارات التي جرفت في بحر أحلامنا المعطل ، بقرارات منتصف الليل و الموتى نيام ، في معلمة المغرب الشامخة التي يشهد مسجد الحسن الثاني و منارته على سموها و عظمتها المغلفة لصور البؤس و الفاقة و العجز اليومي المطوق مع إطلالة كل صباح للبحث عن رغيف خبز حاف كما قال شكري ذات مرة .

نتأمل المشهد ، و نرفع القلم الخامل فينا لنحرر خربشات عن هول حاضرنا و ضبابية مستقبلنا ، تظهر المشاهد على التلفاز تتابع اليوم الأسود الأمريكي في مبنى الكابيتول ، فنتيه في التتبع شماتة بديمقراطية الجيران و جنتهم الموعودة ، فنستيقظ من جديد على انهيارات أحلامنا المتتالية ، لتهاوى المساكن في البيضاء التي أصبحت سوداء في ليل ظلمتنا الحالك ، و نساءل الذاكرة عن موعد الانعثاق المقدس من هاته المشاهد الدامية التي غرست قسرا فينا بقوة سلطة الأمر الواقع المفروضة فينا ، و من خلالنا مع انبلاج ناقوس كل خمس سنوات لإعلان الجهاد الأكبر المقدس ، ليخفت الناقوس بعد انحصار الحملات و المهرجانات و الخطب و الزرود و هلم ألما ، و يغرق البؤساء ، حسب قول فيكتور هيجو ، من جديد في بحر الألم و ينهار فرن مستقبلنا في بحور البيضاء الغارقة مرة أخرى .

تتوالى الفواجع و تضاف قطرات دموع المكلومين و المحرومين منا و فينا من فقدان كل شيء ، حتى الحلم بإشراقة يوم جديد في مغرب جديد ، و تتقاذف إذاعات الزمن الرديء الاتهامات يمينا و يسارا و وسطا ، و المواطن الغرقان المكلوم يواجه قدره ، تارة بالبكاء و تارة أخرى باللحاق بحصير يفترش بؤسه مع ألام ذويه .

يتوقف السؤال ، ليعلن المذيع أن السماء تتحمل المسؤولية ، و أنها لم تشعرنا بغدرها ، و أننا سنتابعها في منابر و محاكم العالم لتعوض فقدان مستقبلنا و ذخيرة آمالنا ، و تتعالى أصوات التضبيع ، تارة باسم الرب ، و أخرى باسم الحق ، و ثالثة باسم اليمين و اليسار و الوسط ، و المواطن المغلوب على أمره عد “ضبعا” في سوق النخاسة الانتخابي .

من يحاسب من ؟ سؤال إشكالي ، ما دام الفاسدون في بلادي يمرحون ، و سارق البيض يحاكم بأشد العقوبات ، و من أضاع خرفانه وسط السيول يوصى بالجنة و الصبر ، و الموتى من الصقيع و البرد يدعى لهم بالرحمة ، ألا يكفي ، ماذا تطلبون أكثر ، ألا يكفي أن تكون قلوبنا معهم ، و أننا ندعو لهم بالصبر لأنه مفتاح بوابة الجنة .

يتيه السؤال ، و نتيه نحن في فضاء المكان و الزمان ، ماذا عسانا نروي لأبنائنا و حفدتنا عن هذا الزمن الجميل الذي تحولت فيه أحلامنا إلى مسبح غطى المدينة ، و أصبحنا نكثة في المواقع و بين الدول تنضاف إلى مهزلة الكراطة ، هل قدر لنا أن يكون جزء من تاريخنا مهازل ؟ ، هل سننتظر حصول فاجعة أخرى لنحصي الضحايا و الأضرار و ندعو للموتى بالرحمة ؟ ، هل القانون الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة لا حول له و لا قوة أمام سلطة أثخن منه وزنا ؟ و هل سيبقى للحديث حكاية ؟ أم أن جرحنا الحاضر سوف لن ينفتح مستقبلا ؟ سؤال معلق إلى حين ، ربما عند خالق الكون جوابه .            

التعليقات مغلقة.