السعيد الزوزي
كانت زيارة وزير الخارجية الروسي، ” سيرغي لافروف”، الأخيرة إلى تركيا أساسيةً في البحث عن سبل لتحرير الحبوب الأوكرانية والروسية العالقة بسبب الحرب التي بدأتها روسيا في أوكرانيا، والتقى “لافروف” بنظيره التركي “مولود تشاوش أوغلو”، وناقشا إنشاء “ممر آمن للحبوب” يبدأ من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود عبر المضيق التركي.
ويتطلب فتح مثل هذا الممر أن تتوصل كل من أوكرانيا وروسيا إلى اتفاق بناءً على رغبة روسيا بإزالة الألغام البحرية من المياه، لكن أوكرانيا لا تريد الامتثال لهذا الشرط لأنها تشعر بأنها مهددة وغير محمية إذ تستمر روسيا بمهاجمة موانئ البلاد.
من ناحية أخرى، تسعى “موسكو” لتقليل أهمية الحبوب الأوكرانية حيث قال” لافروف” إنها تشكل واحد في المائة فقط من حبوب العالم.
والواقع أن روسيا تعد منتجاً أكبر للحبوب، ولكن البلدين مجتمعتين توفران كمية كبيرة من الإمداد العالمي، ونظراً لوجود حظر على النقل من روسيا، لا يمكن تصدير الحبوب الروسية أيضاً، ولذلك فالمشكلة أصبحت مضاعفة.
ومن أجل إمداد العالم بالحبوب، يجب إعادة توزيع المخزون الأوكراني والروسي العالق وإذا لم يتم ذلك في أسرع وقت، فسيواجه العالم مجاعةً واسعةً تبدأ قريباً من “إفريقيا”.
ومنذ أن غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير، توقفت شحنات الحبوب الأوكرانية من موانئها على البحر الأسود وظل أكثر من 20 مليون طن من الحبوب عالقة في الصوامع.
وتلعب تركيا منذ بداية الحرب دوراً حيوياً بتقريب وجهات النظر بين الطرفين وخصوصاً في حل هذه الأزمة، حيث أخذت أنقرة على عاتقها دور الوساطة واستضافة الاجتماعات ، وهي مستعدة للقيام بدور ضمن آلية المراقبة، والتي يمكن أن تشمل مرافقة بحرية تركية لناقلات النفط التي تغادر أوكرانيا وتعبر المضيق التركي.
وأشار الاتفاق في نهاية الاجتماع بين الوزيرين” جاويش أوغلو” و “لافروف” إلى آلية تضم أوكرانيا وروسيا وتركيا والأمم المتحدة بصفتها الضامن لهذه العملية ،وتطالب روسيا بمراقبة شحنات الحبوب وفحصها وتطهير الموانئ الأوكرانية من الألغام التي تتسبب إزالتها بخوف عند الجانب الأوكراني لا أساس له من وجهة نظري.
ومن ناحية أخرى، تدعي أوكرانيا أن روسيا تسرق حبوبها وتقوم بشحن الحبوب المسروقة من شبه جزيرة القرم، وأوضح سفير أوكرانيا في تركيا أنهم وجهوا نداءهم لأنقرة للمساعدة، لكن روسيا تنفي هذا الادعاء على لسان المتحدث باسم سلطة الاحتلال الروسي في شبه جزيرة القرم” أوليغ كريوتشكوف”، الذي رد أن الحبوب تصل القرم من “ميليتوبول” في روسيا، لذا فهي حبوب روسية.
والحقيقة أنه أمر محبط للغاية أن نرى أن الاحتياجات الغذائية الأساسية للعالم مثل الحبوب، “يتم التلاعب بها واعتراضها بسبب حسابات سياسية” وبالرغم من التطورات المبهرة التي حدثت في التكنولوجيا والعلوم نجد أن البشرية لا تزال بعيدة كل البعد عن الاتحاد والتعاضد وذلك لأن نظام العولمة زاد العالم ضعفاً وانقساماً.
ومن المحزن حقاً أن نرى” السياسيين يسمحون بتجويع الناس” من أجل الصراع على السلطة، ما يجعل العالم مقبلاً على حقبة ليست واعدة، وإذا لم يتعلم القادة دروساً من هذه الأزمة، فسيتعين علينا مواجهة الكثير من الأزمات الشديدة في المستقبل القريب.
التعليقات مغلقة.