أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“الحب دعارة الفقراء”

حكيم مرزوقي

شيئان لا يقلد فيهما المعجبون الأغنياء، “نجومهم من الفقراء” وهما الحب والفضيحة.. ألم يعترف شاعر يوما بأن “الحب دعارة الفقراء”؟

يدس راع في الريف الفرنسي زوادته من الجبن في مغارة ذات رطوبة خاصة ثم يعود إليها بعد فترة لتصبح في ما بعد، وبفعل المصادفة وسخرية الأقدار، جبنة “الروكفورت” الشهيرة على موائد الأغنياء وأدعياء الذوق الرفيع. وكذلك يبتدع “زميل له” في اسكتلندا، لعبة يتسلى من خلالها بعصاه مع الأرانب بين جداول الماء، يطاردها عند جحورها، فيسرقها منه “الأسياد” ويسمونها “غولف” لتغدو لعبة أصحاب الصولجان من ذوي الملابس النظيفة البيضاء، والحكايات المتعلقة بسطوة المال والشركات العابرة للقارات.

هكذا دأب الأثرياء والميسورون، عبر التاريخ، على مصادرة جهود الفقراء وابتكاراتهم في المأكل والمشرب والملبس، وحتى باقي النشاطات الرياضية والسلوكيات الاجتماعية. يعيدون إخراجها، تعليبها ومن ثم تسويقها فتبدو وكأنها تخصهم، وحدهم في نواديهم المغلقة.. اتركونا نمارس فقرنا بتلقائية ومتعة واحتراف.. هل قلدناكم يوما في طريقتكم بعدّ النقود؟

يجمع الفقير بقايا طعام البارحة ليصنع منها وجبة تسكت الجوع وتدفئ الأمعاء الخاوية في ليالي الشتاء، فيقلده الغني مضيفا إليها أفخم أنواع التوابل القادمة من خلف البحار، يسكبها في صحون متقنة الصنع على طاولات مخملية ويبيعها بأسعار خيالية على ضوء الشموع.

حتى تلك الشموع القليلة المتعبة، وهي تنوس لتضيء ليالي الفقير الطويلة، تصبح في سهرات المترفين، رمزا لفخامة المكان ورقي الذوق ورومانسية الحديث.

الأغنياء قلدوا رقصات الفلاحين، صادروا أثواب العمال وسطوا على أمزجة المتعبين، وحتى نكاتهم وطرقهم في الفرح والبكاء ليؤثثوا بها عالما مفتعلا داخل قصور منيعة الأسوار ومحكمة الحراسة.

متع الفقراء الصغيرة لم تسلم من تطفل وتلصص وسطو الأغنياء، حتى في طرق صناعة التبوغ والخمور، وكل ما يُذهب العقل، يربك الذاكرة، ويمنعهم من الموت وهم في صحة جيدة.

حاجة المحتاجين، وحلولهم الإسعافية المرتجلة، تصبح ذائقة مبتكرة، وشيئا يُلقب بـ”الأوريجينال” في قواميس حديثي النعمة، من أهل الثروة القاضمة لخيال الفقراء، والمنتفعة من جهدهم المسفوح.

ذات لحظة غضب، صرخ شاعر صعلوك محتجا “أو كلما أحببنا امرأة، استباحها الآخرون؟”.. دعونا ننعم قليلا بفقرنا يا معشر أهل المال، ولا تجعلونا نتفرج على بؤسنا وهو معروض بأسعار خيالية على واجهاتكم الفخمة.

كثيرا ما يثير سوق المقتنيات القديمة المعروفة بـ”الأنتيكا”، حنق وسخرية المسنين والبسطاء والريفيين، يجعلهم يقولون في خلدهم “لماذا صارت حياتنا المحتقرة، أيام زمان، مبجلة ومكرّمة إلى هذا الحد”؟

شيئان لا يقلد فيهما المعجبون الأغنياء، “نجومهم من الفقراء” وهما الحب والفضيحة.. ألم يعترف شاعر يوما بأن “الحب دعارة الفقراء”؟


التعليقات مغلقة.