يتحضر رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، للعودة إلى نشاطه السياسي في لبنان، بشكل تدريجي متصاعد، بعد عامين من الراحة والابتعاد “القسري”، وذلك من عبر بوابة “الذكرى” السنوية الـ19 لاستشهاد والده رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.
أجرى سعد الحريري، وفريقه في الخارج العديد من الزيارات واللقاءات السياسية والدبلوماسية المكوكية تمهيدا للهبوط “السلس” في مطار بيروت، حيث شكلت عملية خروجه من المشهد السياسي اللبناني منذ سنوات مفاجأة مدوية للبعض ومفهومة للبعض الآخر ومحسومة لأطراف خارجية رأت بذلك مطلبا ضروريا في ظل الظروف السياسية والإقليمية، التي شهدتها المنطقة خلال الفترة السابقة، لكن مع تبدل الظروف الحالية المرتبطة بالأحداث الأخيرة في المنطقة، حرب غزة والتصعيد في جنوب لبنان، تُعد عودة الحريري المرتقبة حدثا هاما خصوصا أنه قد يحمل في جعبته حلولا استثنائية للتسوية المحلية في لبنان والمرتبطة بالتسوية الجديدة في المنطقة بشكل عام.
شكّل الحراك السياسي والدبلوماسي لمستشاري الحريري في مختلف الدول، بما فيها روسيا، دفعا إضافيا لعودته، وكشفت مصادر دبلوماسية فحوى الاجتماع، الذي عُقد في مبنى وزارة الخارجية الروسية، بين المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للحريري جورج شعبان، حيث تم التوافق بين الجانبين على ضرورة عودة الحريري إلى لبنان، وأكد الجانب الروسي على دعمه لهذه الخطوة التي برأيه ستشكل خرقا وتمهيدا تدريجيا لحل وازن ومناسب وتوافقي للأزمة بين مختلف الأطراف السياسية اللبنانية، بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش اللبناني، وصولا إلى تشكيل حكومة لبنانية جامعة جديدة.
© Sputnik
ولفت المصدر إلى أن الجانب الروسي يرى دورا مهما في عودة الحريري لكونه يرتبط بشكل وثيق بإعادة طرح القضايا العالقة والخلافية بين الأطراف اللبنانية والإنطلاق مجددا من نقطة الصفر والعمل على الوصول إلى تفاهمات مشتركة تفضي إلى حل شامل ومتكامل للجميع يؤدي إلى استعادة لبنان لدوره السابق، مضيفا أن “موسكو تعتبر هذه الخطوة ضمانة تهدف بعدم توسع رقعة الحرب في المنطقة بين إسرائيل ولبنان وسوريا، حيث تسعى روسيا من خلال جهودها إلى تهدئة واستقرار الأوضاع في الشرق الأوسط من خلال التوصل إلى تسوية لوقف الأعمال القتالية في غزة والإنطلاق في مسار حل الدولتين، الذي يعارضه الغرب في السر ويدعمه في العلن”.
وأكد المصدر أن “موقف موسكو من عودة الحريري، يأتي في سياق متناسق تماما مع موقف بعض الدول الخليجية الأخرى المؤثرة في القرار السياسي اللبناني، حيث تبدي الرياض مثلا ليونة وانفتاحا واضحا على عودته حرصا منها على الوضع اللبناني، تجنبا لتطورات وأحداث غير محسوبة”، مشيرا إلى أن “غياب الحريري عن الساحة اللبنانية أحدث فراغا في الساحة السياسية لإحدى الطوائف، حيث لم يستطع أحد من الزعماء والقيادات السياسية ملء الفراغ ولعب الدور الفعال الذي كان مناطا بالحريري”.
وفي المحصلة، أعربت موسكو عن تأييدها الكامل لعودة الحريري، إلى لبنان وإعادة إطلاق نشاطه السياسي من باب الحرص على الوضع اللبناني، الذي يمكن للحريري تأمينه عبر إحداث توازن داخلي هام يفضي إلى حل شامل ومتكامل للأزمة اللبنانية، التي قد تكون واحدة من المخرجات المهمة في المنطقة القادمة على تسوية سياسية جديدة بعد وقف قرع طبول الحرب.
التعليقات مغلقة.